الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: آثار البلاد وأخبار العباد **
قرية بين قزوين وهمذان. بها حمة عجيبة ليس في شيء من البلاد مثلها وذلك ان الماء يفور منها فوراناً شديداً قدر قامة وأكثر وإذا تركت البيضة على عمود الماء النابع تبقى عليها وتسلقها حرارة الماء. ويجتمع هذا الماء في حوض يأتيه أصحاب العاهات ويستحمون به ينفعهم نفعاً عظيماً بيناً. العراق ناحية مشهورة وهي من الموصل إلى عبادان طولاً ومن القادسية إلى حلوان عرضاً. أرضها أعدل أرض الله هواء وأصحها تربة وأعذبها ماء. وهي كواسطة القلادة من الاقليم وأهلها أصحاب الأبدان الصحيحة والأعضاء السليمة والعقول الوافرة والآراء الراجحة وأرباب البراعة في كل صناعة. والغالب عليهم الغدر لكثرة الأشرار ومكر الليل والنهار. أقام بها عبد الله بن المبارك سبعة عشر يوماً تصدق بسبعة عشر درهماً كفارة لذلك. وأهلها مخصوصون ببغض الغرباء خصوصاً العجم. ويقال لأهل العراب نبط قالوا: نبط كان اسم رجل شرير كثرت جناياته في زمن سليمان بن داود عليه السلام فأمر بحبسه فاستغاث منه أهل الحبس إلى سليمان من كثرة سعايته ونميمته والقائه الشر بين أهل الحبس فأمر سليمان عليه السلام بتقييده وحمله إلى حبس الشياطين فاستغاث الشياطين وقالوا: يا نبي الله لا تجمع بين الحبس ومقاساة نبط! فرأى سليمان أن يأمره بشغل حتى يقل شره. وكان في الحبس امرأة مومسة قيل لنبط: نريد منك أن تغسل هذا الصوف الأسود وتبيضه بالغسل وأن تروح هذه المرأة حتى يلتحم فرجها بالترويح فأمر بذلك ووكل به ففعل ذلك مدة طويلة حتى ضجر ثم أراد أن يجرب هل التحمت أم لا فباشرها فحملت منه وأتت بولد وصار له نسل بأرض العراق فلهذا ترى السعاية والنميمة والفجور في النبط كثيراً لأنها شيمة أبيهم نبط! وحكي أن عبد الله بن المبارك قيل له: كيف رأيت أهل العراق قال: ما رأيت بها إلا شرطياً غضبان! بها نهر دجلة مخرجه من جبل بقرب آمد عند حصن يعرف بحصن ذي القرنين وهي هناك ساقية كلما امتد ينضم إليها مياه جبال ديار بكر ثم يمتد إلى ميافارقين وإلى حصن كيفا ثم إلى جزيرة ابن عمر ويحيط بها ثم إلى الموصل ثم إلى تكريت وقبل ذلك ينصب إليه الزابان ويعظم بهما ثم إلى بغداد ثم إلى واسط ثم البصرة ثم إلى عبادان وينصب إلى البحر. وماء دجلة من أعذب المياه وأخفها وأكثرها نفعاً لأن مجراه من مخرجه إلى مصبه في العمارات وفي آخر الصيف يستعملونه كله بواسط والبصرة. وروي عن ابن عباس أن الله تعالى أوحى إلى دانيال عليه السلام أن فجر لعبادي نهرين واجعل مصبهما البحر فقد أمرت الأرض أن تطيعك. فأخذ خشبة يجرها في الأرض والماء يتبعه فكلما مر بأرض يتيم أو أرملة أو شيخ ناشده الله فيحيد عنها فعواقيل دجلة والفرات من ذلك. وبها نهر الفرات. مخرج الفرات من أرمينية ثم من قاليقلا ويدور بتلك الجبال حتى يدخل أرض الروم ويخرج إلى ملطية ثم إلى سميساط ثم إلى قلعة نجم ثم إلى الرقة ثم إلى عانة ثم إلى هيت فيصير أنهاراً تسقي زروع السواد وما فضل منها انصب في دجلة بعضه فوق واسط وبعضه بين واسط والبصرة فيصير الفرات ودجلة نهراً عظيماً يصب في بحر فارس. وروي أن أربعة أنهار من الجنة: النيل والفرات وسيحان وجيحان. وروي عن علي رضي الله عنه انه قال: يا أهل الكوفة إن نهركم هذا يصب إليه ميزابان من الجنة. وروي عن جعفر بن محمد الصادق انه شرب من الفرات فحمد الله وقال ما أعظم بركته! لو علم الناس ما فيه من البركة لضربوا على حافتيه القباب! ولولا ما يدخله من خطائين ما اغتمس فيه ذو عاهة إلا برأ. وحكى السدي أن الفرات مد في زمن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه فألقى رمانة في غاية العظم فأخذت فكان فيها كر حب قسمها بين المسلمين فكانوا يرون أنها من الجنة. وهذا حديث مشهور في عدة كتب للعلماء. ينسب إليها هشام بن الحكم وكان معتزلياً يرجح علياً فقال رجل: إني ألزمه أن يقول عند الخليفة إن علياً كان ظالماً! فلما حضر هشام عند الخليفة قال: أبا محمد أنشدك بالله أما تعلم أن علياً نازع العباس عند أبي بكر قال: نعم. قال: فمن كان الظالم منهما فكره أن يقول العباس خوفاً من الخليفة وكره أن يقول علي خوفاً من مخالفة اعتقاده فقال: ما منهما ظالم! فقال الرجل: كيف يتنازعان ولا يكون أحدهما ظالماً فقال: كما اختصم الملكان إلى داود عليه السلام وما منهما ظالم وغرضهما تنبيه داود على الخطيئة هكذا كان العباس وعلي كان غرضهما تنبيه أبي بكر على خطيئته. وينسب إليها يحيى بن معمر أحضره الحجاج وقال: أنت الذي تقول الحسين بن علي من ذرية رسول الله قال: نعم. قال: فوالله لتأتين بالمخرج عما قلت أو لأضربن عنقك! فقال يحيى: إن جئت بالمخرج فأنا آمن قال: نعم. قال: اقرأ وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم إلى قوله ومن ذريته داود وسليمان إلى قوله وزكريا ويحيى وعيسى فمن يعد عيسى من ذرية إبراهيم لا يعد الحسين من ذرية محمد عليه السلام فقال الحجاج: والله كأني ما قرأت هذه الآية قط! فولاه قضاء المدينة وكان قاضيها إلى أن مات. وينسب إليها أبو محمد سليمان بن مهران الأعمش. قال عيسى بن يونس: ما رأينا في زماننا من الأعمش فكان الأغنياء والملوك في مجلسه أحقر شيء وهو محتاج إلى درهم! حكي انه يوم الشك من رمضان يأتيه الناس يستخبرون منه فضجر من ذلك وترك بين يديه رمانة كل من دخل عليه قبل أن يستخبر منه أخذ حبةً رماها في فمه ليعلم أن اليوم ليس يوم صوم. وحكي أن أبا حنيفة ذهب إليه فلما أراد الذهاب قال له: لا يكون ثقلت عليك! فقال: أنت وحكى أبو بكر بن عياش قال: دخلت على الأعمش في مرض موته فقلت: أدعو لك طبيباً فقال: ما أصنع به والله لو كانت نفسي بيدي لطرحتها في الحش! لا تؤذين أحداً واطرحني في لحدي! ولد الأعمش يوم قتل الحسين يوم عاشوراء سنة ستين وتوفي في سنة ثمان وأربعين ومائة وهو ابن ثمان وثمانين سنة. وينسب إليها أبو الحسين سمنون بن حمزة صحب السري السقطي. كان من أولياء الله ذكر انه لما أنشد: وليس لي في سواك حظٌّ فكيفما شئت فاختبرني أخذ الأسر من ساعته وكان يدور على المكاتب للصبيان ويقول: ادعوا لعمكم الكاذب! وحكى أبو أحمد المغازلي أنه كان ببغداد رجل أنفق على الفقراء أربعين ألف درهم فقال لي سمنون: يا أبا أحمد أما ترى هذا أنفق أربعين ألف درهم ونحن ما نجد شيئاً فامض بي إلى موضع كذا نصلي بكل درهم أنفقه ركعة! فمضينا وصلينا أربعين ألف ركعة! وينسب إليها إبراهيم الآجري رحمه الله قال: أتاني يهودي له علي دين يتقاضاه وأنا عند الشاخورة أوقدت ناراً تحت الآجر فقال: يا إبراهيم أرني آية أسلم! قلت: أوتفعل ذلك قال: نعم. فأخذت ثيابه ولففتها في وسط ثيابي ورميتها في الشاخورة ثم دخلت الشاخورة وأخذت الثياب وخرجت من الباب الآخر فإذا ثيابه في وسط ثيابي صارت حراقاً وثيابي بحالها. فلما رأى اليهودي ذلك أسلم! وينسب إليها أبو الحسن علي بن الموفق كان يقول: اللهم إن كنت تعلم أني أعبدك خوفاً من نارك فعذبني بها وإن كنت تعلم اني أعبدك حباً لجنتك فاحرمنيها وإن كنت تعلم أني أعبدك حباً مني لك وشوقاً إلى وجهك فاحنيه واصنع ما شئت! وحكي أنه وجد قرطاساً في الطريق قال: فأخذته ووضعته في كمي وجلست أقرأه فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم يا علي بن الموفق تخاف الفقر وأنا ربك وحكي انه قال: تممت ستين حجة فلما فرغت من الطواف قعدت تحت الميزاب فأنكرت في حالي عند الله تعالى وكثرة ترددي إلى هذا المكان فغلبتني عيني فإذا قائل يقول: يا علي هل تدعو إلى بيتك إلا من تحبه فسري عني ما كنت فيه. حكى محمد بن إسحق السراج قال: سمعت علي بن الموفق يقول: حججت نيفاً وخمسين حجة فنظرت إلى ضجيج أهل الموقف فقلت: اللهم إن كان فيهم واحد لم تقبل حجه فقد وهبت حجتي له! فرجعت إلى المزدلفة وبت فيها فرأيت في نومي رب العزة تعالى فقال لي: يا علي بن الموفق أتتسخى علي قد غفرت لأهل الموقف ولأمثالهم وشفعت كل واحد في أهل بيته وذريته وعشيرته وإنا أهل التقوى وأهل المغفرة. توفي علي بن الموفق سنة خمس وستين ومائتين.
مدينة كانت على الفرات للزباء بنت مليح بن البراء. قتله جذيمة الأبرش صاحب الحيرة فلحقت الزباء بالروم وجمعت الرجال وبذلت الأموال وعادت إلى ملك أبيها وأزالت جذيمة عنها وبنت على طرف الفرات مدينتين متقابلتين من شرقي الفرات وغربيه وجعلت بينهما نفقاً تحت الفرات فكانت إذا رهقها الأعداء أوت إليه وجرت بينها وبين جذيمة مهادنة قال ابن الكلبي: لم يكن في نساء عصرها أجمل منها وكان اسمها فارغة وكانت تسحب شعرها وراءها إذا مشت وإذا نشرته جللها فسميت الزباء. فأراد جذيمة أن يتزوجها ويضم ملكها إلى ملكه فخطبها فأجابته على شرط أن يصير إليها. وكان لجذيمة وزير اسمه قصير. قال لجذيمة: لا تمش إلى هذه المرأة فإني لست آمنها عليك! فقال: لا يطاع لقصير أمر! فأرسلها مثلاً. فلما دخل عليها أمرت جواريها فأخذن يده. قالت له: أي قتلة تريد أن أقتلك فقال: إن كان لا بد فاقتليني قتلة كريمة! فأطعمته حتى شبع وسقته حتى ثمل وفصدت شريانه حتى نزف دمه ومات. فبلغ قصيراً خبره فجدع أنف نفسه وأظهر أنه جدعه عمرو بن عدي ابن أخت جذيمة لأنه أشار إليه بتزويج الزباء. فراسل قصير الزباء وأطمعها في ملك جذيمة فركبت إليه وصار قصير إليها بأمان وأخبرها بسعة التجارات فدفعت إليه مالاً فأتاها بربح كثير ثم زادته في المال فأتاها بربح عظيم فأنست به وجعلته من بطانتها. وأخبرته: اني حفرت من قصري على الفرات هذا إلى القصر الآخر على الجانب الآخر من الفرات سرباً تحت الماء وجعلت باب السرب تحت سريري هذا ومخرجه تحت سريري الآخر فإن راعني أمر خرجت إلى الجانب الآخر. فحفظه قصير ومضى بالمال وحصل ألفي رجل في ألفي صندوق على ألف جمل وعلى الرجال الدروع ومعهم السيوف وأقبل بهم إلى الزباء. فلما قرب من مدينتها صعدت الزباء سور مدينتها تنظر إلى العير مثقلة فقالت: ما للجمال مشيها وئيدا أجندلاً يحملن أم حديدا أم صرفاناً بارداً شديدا أم الرّجال جثّماً قعودا فجاء قصير بالعير ودخل المدينة فأناخ الجمال وثار الرجال من الصناديق بالسيوف وضربوا من أدركوه فلما علمت الزباء قصدت السرب لتدخل فيه فبادرها عمرو بن عدي وكان من رجال الصناديق وقف على باب السرب بالسيف فعلمت انه قاتلها فمصت سماً تحت خاتمها وقالت: بيدي لا بيد عمرو! فأرسلته مثلاً. ومن الأمثال: لأمر ما جدع قصير أنفه! عقرقوف قرية قديمة من قرى بغداد قالوا: بناها عقرقوف بن طهمورث وإلى جانب هذه القرية تل عظيم من تراب يرى من خمسة فراسخ كأنه قلعة عظيمة. للناس فيه أقاويل كثيرة قال ابن قطيفة: ملك الروم كلما رأى أحداً من أهل العراق سأله عن تل عقرقوف فإن قال: انه بحاله يفرح ويقول: انه لا بد أن نطأه.
ناحية واسعة كثيرة القرى الغور في شرقيها وهراة في غربيها ومرو الروذ في شمالها وغزنة في جنوبها. والغرش بلغتهم الجبال ومعناه قهستان. والغالب على أرضها الجبال وبها دروب وأبواب لا يمكن دخولها إلا بإذن الشار والشار اسم ملوكهم. وأهلها صلحاء مجبولون على الخير عندهم بقية من عدل عمر. قال الاصطخري: غرج الشار مدينتان يقال لإحداهما نشين وللأخرى سورمين وهما وحكى بعض التجار قال: مشيت إلى غرشستان فاتفق لهم غرس فوضعوا دستاً عالياً وجاء الزوج وجلس فيه وأسبلوا على وجهه سجفاً سخيفاً شبه وقاية وجاء المغني يغني بالدفوف وغيرها وتأتي نساء أقاربهم وجيرانهم يرقصن بين يدي الزوج فرادى ومثنى وجماعة والزوج يراهن ويتفرج على رقصهن حتى لا تبقى واحد إلا رقصت ثم تأتي العروس في الآخر وترقص بين يديه أحسن رقص ثم خلوا بينها وبينه. غريان بناءان كالصومعتين بظهر الكوفة قرب مشهد أمير المؤمنين علي. بناهما المنذر بن امريء القيس بن ماء السماء وسببه انه كان له نديمان من بني أسد فثملا فراجعا الملك ببعض كلامه فأمر وهو سكران أن يحفر لهما حفرتان ويدفنا فيهما حيين. فلما أصبح استدعاهما فأخبر بما أمضى فيهما فغمه ذلك وقصد حفرتيهما وأمر ببناء طربالين عليهما وقال: لا يمر وفود العرب إلا بينهما! وجعل لهما في السنة يوم بؤس ويوم نعيم يذبح يوم بؤسه من يلقاه ويغري بدمه الطربالين فإن وقعت لهما الوحش طلبها بالخيل وإن وقع طائر أرسل عليه الجوارح. وفي يوم نعيمه يجيز من يلقاه ويخلع عليه. ولبث بذلك برهة من دهره فخرج يوماً من أيام بؤسه إذ طلع عبيد بن الأبرص الأسدي الشاعر جاء ممتدحاً فلما رآه قال: هلا كان الذبح لغيرك يا عبيد فقال بعض الحاضرين: أبيت اللعن! عنده من حسن القريض ما هو خير مما تريد منه! فاسمع فإن كان حسناً استرده وإن كان غير ذلك فالأمر بيدك. فأنزله حتى طعم وشرب وقال له: أنشدني فقد كان يعجبني شعرك! فقال عبيد: حال الجريض دون القريض. فقال المنذر: أنشدني قولك اقفر من أهله ملحوب. فقال عبيد: أقفر من أهله عبيد فاليوم لا يبدي ولا يعيد عنّت له منيّةٌ نكود وحان منه لهما ورود! فقال المنذر: يا عبيد لا بد من الموت! ولقد علمت لو أن النعمان ابني عرض لي يوم بؤسي لا بد لي من ذبحه! واستدعى له الخمر فلما أخذت منه نفسه وطابت وقدم للقتل أنشد. ألا أبلغ بنّي وأعمامهم بأنّ المنايا هي الوارده! لها مدّةٌ فنفوس العباد إليها وإن كرهت قاصده فلا تجزعوا لحمامٍ دنا فللموت ما تلد الوالده فأمر به ففصد حتى نزف دمه وغرى بدمه الغريين. وحكي أن في بعض أيام بؤسه وقع رجل من طيء يقال له حنظلة فقال له المنذر: لا بد من قتلك! سل حاجتك. فقال: أجرني سنة حتى أرجع إلى أهلي وأفعل ما أريد ثم أصير إليك ! فقال المنذر: ومن يكفلك أنك تعود فنظر إلى جلسائه فعرف شريك بن عمرو بن شراحيل الشيباني فقال: يا شريكٌ يا ابن عمروٍ ويا أخا من لا أخا له يا أخا المنذر فكّ اليوم رهناً قد أنى له إنّ شيبان قبيلٌ أكرم النّاس رجاله وأبو الخيرات عمروٌ وشراحيل الحماله ورثاك اليوم في المجد وفي حسن المقاله فوثب شريك وقال: أبيت اللعن! يدي بيده ودمي بدمه! فأطلقه المنذر فلما كان من القابل قعد المنذر ينتظر حنظلة فأبطأ فقدم شريك ليقتل فلم يشعر إلا براكب قد طلع فإذا هو حنظلة قد تكفن وجاء بنادبته. فلما رآه المنذر عجب من وفائه فقال: ما حملك على قتل نفسك فقال: إن لي ديناً يمنعني من الغدر! قال له: ما دينك قال: النصرانية! فاستحسن ذلك منه وأطلقهما معاً وأطلق تلك السنة. وكان المنذر بنى الغريين على مثال ما بناهما ملوك مصر وقد مر ذكرهما في موضعهما. ونظر لو أنّ شيئاً مقيماً لا يبيد على طول الزّمان لما باد الغريّان قد خرّب الدّهر بالتّصريف بينهما فكلّ إلفٍ إلى بينٍ وهجران! غزنة ولاية واسعة في طرف خراسان بينها وبين بلاد الهند مخصوصة بصحة الهواء وعذوبة الماء وجودة التربة وهي جبلية شمالية بها خيرات واسعة إلا أن البرد بها شديد جداً. ومن عجائبها العقبة المشهورة بها فإنها إذا قطعها القاطع وقع في أرض دفئة شديدة الحر ومن هذا الجانب برد كالزمهرير ومن خواصها أن الأعمار بها طويلة والأمراض قليلة وما ظنك بأرض تنبت الذهب ولا تولد الحيات والعقارب والحشرات المؤذية وأكثر أهلها أجلاد وأنجاد. ومن عجائبها أمر الصفارين يعقوب وعمرو وظاهر وعلي. كان يعقوب غلام صفار وعمرو مكارياً صاروا ملوكاً عظماء واستولوا على بلاد فارس وكرمان وسجستان وخراسان وبعض العراق يقال لهم بنو الليث الصفار. وبها تفاح في غاية الحسن يقال له الأميري لم يوجد مثله في شيء من البلاد قال أبو منصور تفّاخ غزنة نفّاعٌ ونفّاح كأنّه الشّهد والرّيحان والرّاح! أحبّه لصفاتٍ حازها قمرٌ في وجهه أبداً وردٌ وتفّاح! وينسب إليها مجدود بن آدم السنائي. كان حكيماً عارفاً شاعراً تاركاً للدنيا وله ديوان كبير كله حكم ومواعظ من حقها أن تكتب بالذهب ليس فيها مدح أصلاً. وكان يحب العزلة والانزواء عن الناس ويسكن الخرابات ويمشي حافياً وكان بعض الوزراء يرى له والسنائي يأتيه في أوقات فإذا جاءه يقوم الوزير ويجلسه مكانه في دسته وهو ربما كانت ملطخة بالطين فقعد في مسند الوزير ومد رجليه لئلا يتلطخ المطرح بالطين. وحكي أن السنائي كان يمشي حافياً ولا يقبل من أحد شيئاً فاشترى له بعض أصدقائه مداساً وألح عليه بالشفاعة أن يلبسه ففعل فاتفق أنه تلاقاه في اليوم الثاني وسلم على السنائي فخلع المداس ورده إليه فسئل عن ذلك فقال: سلامه في اليوم الثاني ما كان يشبه السلام الذي كان قبل ذلك وما كان له سبب إلا المداس! وبها عين إذا ألقي فيها شيء من القاذورات يتغير الهواء ويظهر البرد والريح العاصف والمطر في أوانه والثلج في أوانه وتبقى تلك الحالة إلى أن تنحى عنها النجاسة. وحكي أن السلطان محمود بن سبكتكين لما أراد فتح غزنة كلما قصدها بادر أهلها وألقوا شيئاً من القاذورات في هذه العين ولم تمكن الإقامة عندهم للعسكر. وكان الأمر على ذلك حتى عرف السلطان ذلك منهم وتلك العين خارج المدينة بقربها فبعث أولاً على العين حفاظاً ثم سار نحوها فلم ير شيئاً مما كان قبل ذلك فافتتحها. الغور ولاية بين هراة وغزنة عامرة ذات عيون وبساتين كثيرة خصبة جداً والجبال محتوية عليها من جميع جوانبها مثل الحظيرة ونهر هراة يقطعها يدخلها من جانب ويخرج من آخر. وإنها شديدة البرد جداً لا تنطوي على مدينة مشهورة وأكبر ما فيها قلعة يقال لها فيروزكوه وحكى الأمير عماد الدين والي بلخ أن بأرض الغور عيناً يذهب الناس إليها في ليلة من السنة معلومة بقسي وسهام ويرمي كل واحد إليها نشابة وعليها علامة فإذا أصبحوا وجدوا النشابات خارجة من العين وعلى نصل بعضها رؤوس الحيوانات من الذهب إما رأس طير أو سمك أو إوز أو حيوان آخر وبعض الناس لا يصيب على نشابه شيئاً والله أعلم بصحته في ذلك والعهدة على الراوي. وبها السمندل وهو حيوان كالفأر يدخل النار ولا يحترق ويخرج والنار قد أزالت وسخه وصفت لونه وزادته بريقاً. يتخذ من جلده مناديل الغمر للملوك فإذا توسخت تلقى في النار ليزول وسخها. ينسب إليها أبو الفتح محمد بن سام الملقب بغياث الدين. كان ملكاً عالماً عادلاً مظفراً في جميع وقائعه وحروبه كانت مع كفار خطاء. وكان كثير الصدقات جواداً شافعي المذهب وقد بنى مدارس ورباطات وكتب بخطه المصاحف وقفها عليها. وكان من عادته إذا مات غريب في بلده لا يتعرض لتركته حتى يأتي وارثه ويأخذها. وكان أول أمره كرامي المذهب وفي خدمته أمير عالم عاقل ظريف شاعر يقال له مباركشاه الملقب بعز الدين علم أن هذا الملك الجليل القدر على اعتقاد باطل وكان يأخذه الغبن لأنه كان محسناً في حقه وكان في ذلك الزمان رجل عالم فاضل ورع يقال له محمد بن محمود المروروذي الملقب بوحيد الدين عرفه إلى الملك وبالغ في حسن أوصافه حتى صار الملك معتقداً فيه ثم ان الرجل العالم صرفه عن ذلك الاعتقاد الباطل وصار شافعي المذهب. وينسب إليها أبو المظفر محمد بن سام بشهاب الدين. كان ملكاً عادلاً حسن السيرة. كان يقعد حتى يفصل قاضيه الحكومات بحضوره. ومن مات أو قتل من مماليكه وعليه دين لا يقطع معيشته حتى يستوفى الدين. وحكي أن صبياً علوياً لقيه في طريقه وقال له: إني منذ خمسة أيام ما أكلت شيئاً! فغضب وحولق وعاد في الحال وأخذ الصبي معه وأطعمه أطيب الطعام وأعطاه من المال ما أغناه. فراهان قرية من قرى همذان مشهورة بها مملحة عجيبة وهي بحيرة أربعة فراسخ في أربعة فإذا كان أيام الخريف واستغنى الناس من أهل تلك الناحية عن سقي المزارع والبساتين صوبوها إلى تلك البحيرة. فإذا جاء الربيع والصيف واحتاج الناس إلى الماء انقطع عن البحيرة انصبابه فما بقي فيها يصير ملحاً يأخذه الناس ويحملونه إلى البلاد. ومن عجائبها أن الناس إن منعوا عنها لم تنعقد ملحاً بل ينصب ولا يبقى له أثر وإن لم يمنع الناس عنها تصير ملحاً قال ابن الكلبي: إنه طلسم من عمل بليناس. وكان بفراهان سبخة يغوص فيها الراكب بفرسه والجمل بحمله فاتخذ لذلك طلسماً استراح الناس عنه.
قرية من قرى واسط على شاطيء شعبة من دجلة منسوبة إلى الرفيعية وهم مشايخ تلك الناحية وبيتهم بيت مبارك. عادتهم ضيافة الناس وخدمة الصلحاء والفقراء والمسافرين والقاطنين وفي فقرائهم جمع قالوا يأكلون الحيات وقوم قالوا يدخلون النار وغير ذلك من الأمور العجيبة. وهم أقوام في زي الفقراء براء من التكلف ولا أدب لهم إلا خدمة الناس ولا يفرحون إلا به. فنك قلعة حصينة على قلة جبل عال بقرب جزيرة ابن عمر على فرسخين منها وعلى القلعة قلة مرتفعة عنها ارتفاعاً كثيراً من صخرة كبيرة وهي قلعة مستقلة بنفسها وإنها بيد الأكراد البشنوية من ثلاثمائة سنة وهم قوم فيهم مروة وعصيبة يحمون من التجأ إليهم. وكانت هذه القلعة في شهور ستمائة بيد رجل اسمه إبراهيم وله أخ اسمه عيسى أراد أن ينتزعها من يد إبراهيم. وكان إبراهيم مع خواصه يسكن القلة وباقي الأجناد في نفس القلعة فأطاع عيسى جمع من بطانة إبراهيم وفتح باب القلة حتى صعدها نيف وعشرون رجلاً وقبضوا على إبراهيم ومن عنده وحبسوا إبراهيم في بيت وحبست زوجته في بيت آخر. ولهذا البيت شباك إلى القلعة فملك أصحاب عيسى القلة وينتظرون مجيء عيسى فقلعت زوجة إبراهيم الشباك وكان عندها ثياب خام فأوصلت بعضها ببعض ودلتها إلى القلعة وجعلت تسعى الرجال ولا علم لأصحاب القلة بها. فحضر عيسى وأصحابه تحت القلعة فرأوا الرجال يصعدون القلة بالحبل فصاحوا إلى أصحاب القلة ليعرفوا ذلك فكلما صاح أصحاب عيسى صاح أصحاب القلعة معهم لتتزاحم الأصوات فلا يفهم أصحاب القلة كلامهم حتى صعد بالحبل عشرون رجلاً فأخرجوا إبراهيم من الحبس وفتحوا باب القلة حتى صعد إليه أصحابه وأهلكوا قوم عيسى ورجع عيسى خائباً وبقيت القلعة إلى إبراهيم.
مدينة بين قم وأصفهان.أهلها شيعة إمامية غالية جداً. وألف أحمد بن علي ابن بابه القاشاني كتاباً ذكر فيه فرق الشيعة فلما انتهى إلى الإمامية وذكر المنتظر قال: من العجب أن في بلادنا قوماً وأنا شاهدتهم على هذا المذهب ينتظرون صباح كل يوم طلوع القائم عليهم ولا يقنعون بالانتظار بل يركبون خيلهم متوشحين بالسيوف شاكين السلاح ويخرجون من مساكنهم إلى خارج البلد مستقبلين للإمام كأنهم قد أتاهم بريد أخبرهم بوروده فإذا طلع النهار عادوا متأسفين وقالوا: اليوم أيضاً ما جاء! ومنها الآلات الخزفية المدهونة ولهم في ذلك يد باسطة ليس في شيء من البلاد مثلهم. تحمل الآلات والظروف من قاشان إلى سائر البلاد. بها مشمش طيب جداً يتخذ منه المطوي المجفف ويحمل للهدايا إلى سائر البلاد ليس في شيء من البلاد إلا بها. وبها من العقارب السود الكبار المنكرة ما ليس في غيرها. قرميسين بقرب كرمانشاهان بليد بين همذان وحلوان على جادة الحاج ذكر ابن الفقيه أن قباذ بن فيروز نظر في بلاده فلم يجد بين المدائن وبلخ موضعاً أطيب هواء ولا أعذب ماء ولا أصح تربة من قرميسين فاختاره لسكناه وبنى به قصراً يقال له قصر اللصوص. ومن عجائبه الدكة التي كانت به مائة ذراع في مائة ذراع في ارتفاع عشرين ذراعاً مربعاً. وحجارتها كانت مهندمة مسمرة بمسامير الحديد لا تبين دروز الأحجار منها ويظن الناظر انها حجر واحد. اجتمع عليها ملوك الأرض عند كسرى ابرويز وهم: فغفور ملك الصيف وخاقان ملك الترك وداهر ملك الهند وقيصر ملك الروم. وكان في هذا القصر أبواب وجواسق وخزائن حكي أن مطبخ كسرى كان في موضع بينها وبين هذا الموضع أربعة فراسخ فإذا أراد أن يتغدى اصطف الغلمان من القصر إلى المطبخ وتناول الغضائر والصحون بعضهم من بعض إلى محل جلوس الملك وهذا بعيد لأن الطبيخ لا يبقى حاراً إلى أن يحمل إلى فراسخ فلعله قد فعل ذلك مرة ليذكر ذلك من قوة ملكه. قزوين مدينة كبيرة مشهورة عامرة في فضاء من الأرض طيبة التربة واسعة الرقعة كثيرة البساتين والأشجار نزهة النواحي والأقطار بنيت على وضع حسن لم يبن شيء من المدن مثلها. وهي مدينتان: إحداهما في وسط الأخرى والمدينة الصغرى تسمى شهرستان لها سور وأبواب والمدينة الكبيرة المحيطة بها. ولها أيضاً سور وأبواب والكروم والبساتين محيطة بالمدينة العظمى من جميع الجوانب والمزارع محيطة بالبساتين ولها واديان: أحدهما وادي درج والآخر وادي اترك وهذه صورتها: قال ابن الفقيه: أول من استحدث قزوين شابور ذو الأكتاف وبناء شابور في زماننا هذا يسمى شهرستان. فلما اجتاز الرشيد بأرض الجبال قاصداً خراسان اعترضه أهل قزوين وأخبروه بمكانهم من أرض الديلم فسار إلى قزوين وبنى سور المدينة العظمى وجامعها سنة أربع وخمسين ومائتين. وأول من فتحها البراء ابن عازب الأنصاري وقد وقع النفير وقت كان الرشيد بها فرأى أهلها أغلقوا حوانيتهم وأخذوا أسلحتهم وخرجوا إلى وجه العدو مسرعين فأشفق عليهم وبنى لهم السور وحط عنهم خراجهم جاعلاً إياه عشرة آلاف دينار في كل سنة وقد ورد في فضائل قزوين أحاديث كثيرة تتضمن الحث على المقام بها لكونها ثغراً. منها ما رواه علي بن أبي طالب عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: عليكم بالإسكندرية أو بقزوين فإنهما ستفتحان على يد أمتي وإنهما بابان من أبواب الجنة من رابط فيهما أو في إحداهما ليلة خرج عن ذنوبه كيوم ولدته أمه! وعن سعيد بن المسيب مرفوعاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: سادات الشهداء شهداء قزوين! وأمثال هذه كثيرة. وبين قزوين وبين الديلم جبل كان ملوك الفرس يجعلون عليه رابطة إذا لم يكن بينهم هدنة وذلك الجبل هو الحاجز بين القزاونة والإسماعيلية أحد جانبيه لهؤلاء والجانب الآخر لهؤلاء. وبها مواضع يرجى فيها إجابة الدعاء منها مسجد شالكان ومسجد شهرستانك ومسجد دهك ومسجد باب المشبك الملصق بالسور فإنها مواضع يأتيها الابدال. ومن عجائبها مقصورة الجامع التي بناها الأمير الزاهد خمارتاش مولى عماد الدولة صاحب قزوين فإن قبتها في غاية الارتفاع على شكل بطيخ ليس مثلها في بلاد الإسلام ولا في بلاد الكفر أكبر منها ولا أحسن عمارة. وحكي أن الصناع لما رفعوا قواعدها وأرادوا انضمام رأسها عجزوا عن ذلك لفرط سعتها وعمقها فلم يكن شيء من الاجذاع والسلاليم يفي بها فوقفت العمارة حتى مر بها صبي وقال: لو ملؤوها تبناً يمكنهم إتمامها! فتعجب الصناع من حذقه وقالوا: لا طريق لها إلا ما ذكره الصبي! فملؤوها تبناً وتمموها. ومن عجائبها أمر باغاتها فإنها لا تشرب في السنة إلا مرة واحدة وتأتي بفواكه غضة طرية وربما لا تشرب في السنة وتأتي بعنب ضعيف. ومن عجائبها مقابر اليهود فإنها فضاء واسع ليس بها آثار القبور فإذا وجعت بطون دوابهم قادوها إليها وذهبوا بها في ذلك الفضاء يمنة ويسرة فإنه يزول وجعها. ومن عجائبها سوق الخيل بموضع يسمى رستق الشعير. ذكروا أن كل فرس يحمل إليه للبيع فإن كان به حران يظهر في الحال. ومن عجائبها مقبرة باب المشبك فإنها مقبرة شريفة بها قبور العلماء والشهداء والصلحاء والزهاد. يأتيها الناس ليلة الجمعة فيرون بها أنواراً عجيبة تصعد من القبور وتنزل فيها وهذا أمر ظاهر يراه كل من يمشي إليها صالحاً أو طالحاً. ولقد رأيت في بعض الليالي عجيباً وهو انه قد طلع من بعض القبور كرة قدر إبريق وصعدت نحو الهواء أكثر من غلوة سهم وأضاءت الجوانب من نورها ورآها غيري خلق كثير شرعوا في التكبير والتهليل وما كانت على لون النار بل كانت على لون القمر ضارباً على الخضرة ثم عادت إلى مكانها. ينسب إليها الشيخ أبو بكر المعروف بشابان. كان شيخاً عظيم الشأن يأتيه الابدال. كان له كرم وقطعة أرض وبقرة: ويزرع قطعة الأرض حنطة ويأخذ عنب الكرم ولبن البقرة وانها شيء يسير يضيف بها من زاره. استشهد على يد الفداية يوم الجمعة في جامع دمشق بعد الصلاة في ازدحام الناس سنة إحدى وستمائة عن اثنتين وتسعين سنة. وينسب إليها أبو حاتم محمود بن الحسن القزويني. كان فقيهاً أصولياً وكان من أصحاب القاضي أبي الطيب طاهر الطبري له كتاب في حيل الفقه مشهور. وكان من أولاد أنس بن مالك وابن عمي. وينسب إليها الشيخ أبو القاسم بن هبة الله الكموني. كان عالماً عابداً ورعاً من أولاد أنس بن مالك. حكي انه جاء في زماه وال إلى قزوين وبقزوين واديا ماء وهما من السيل وسقي كروم أهل قزوين من هذين الواديين وهما مباحان فأراد هذا الوالي أن يجعل عليهما خراجاً فشكا أهل قزوين إلى الشيخ فذهب الشيخ إلى دار الوالي وقال لحاجبه: إن هذا الماء لم يزل مباحاً لا يحل بيعه وأصحاب هذه الكروم أرامل وأيتام والكروم ضعيفة لها في السنة سقية واحدة حاصلها لا يفي بمال الخراج. فدخل الحاجب على الملك وقال: ههنا شيخ ما يخلي ان هذا الأمر يتمشى! فغضب الملك وسل سيفه وخرج بسيفه المسلول وقال: من الذي يمنع من بيع هذا الماء فقام الشيخ وقال: أنا! فعاد الملك إلى داخل وقال: افعلوا ما يقول هذا الشيخ! فإنه لما قام رأيت على يمينه ويساره ثعبانين يقصدانني! فبطل ذلك العزم وذاك الماء مباح إلى الآن. وهذا الشيخ جدي الخامس. وينسب إليها أبو محمد بن أحمد النجار. كان عالماً فاضلاً أديباً فقيهاً أصولياً ذا فهم مستقيم وذهن وقاد وكان عديم المثل في زمانه مع كثرة فضلاء قزوين. كان أبوه نجاراً وهو أيضاً كان بالغاً في صنعة النجارة وصاحب قزوين كان يرى له وبنوا له بقزوين مدرسة وأصابه في آخر عمره الفالج. وله تصانيف كثيرة كلها حسن. وحكي أن صاحب قزوين أخذ قاصداً من الباطنية ومعه كتاب فلما فتحوا كان الكتاب أبيض فأخبر الشيخ أبو محمد عن ذلك فأمر أن يعرض على النار فلما عرضوه على النار ظهر عليه كتابة كتبوها إلى رجل من أهل قها وطلبوا منه الإبل والحمام. وقها ناحية من أعمال الري. فقال الملك: الإشكال بعد بحاله لأنه ليس بقها الإبل ولا الحمام! فقال الشيخ أبو محمد: طلبوا القسي والنبال. فقيل له: من أين قلت حوصٌ كأشباح الحنايا ضمّر وتشبيه النبل بالحمام في قوله: وإذا رمت ترمي تموّت طائر وينسب إليها الشيخ أبو القاسم محمد بن عبد الكريم الرافعي. كان عالماً فاضلاً ورعاً بالغاً في النقليات كالتفسير والحديث والفقه والأدب. وله تصانيف كثيرة كلها حسن. كان يعقد مجلس العلم في جامع قزوين كل يوم بعد العصر ويحضر عنده أكثر من مائتي نفس يذكر لهم تفسير القرآن. ومن عجيب أحواله انه جاء ذات يوم على عادته فلما فرغ من وظيفته بكى وقال: يا قوم قد وقعت لي واقعة ما وقعت لي مثلها عاونوني بالهمة! فضاقت صدور القوم وسأل بعضهم بعضاً عن الواقعة فقالوا: ان تاجراً أودع عنده خمسمائة دينار وغاب مدة طويلة والآن قد جاء وطلبها فذهب الشيخ إلى مكان الوديعة ما وجدها والذي أخذها أمين لطول المدة فيخبر القوم حتى قال أحدهم: ان امرأة ضعيفة كانت خدامة لبيت الشيخ والآن ترى حالها أحسن مما كانت. فطلبوا منها فوجدوا عندها فجاء الشيخ في اليوم الثاني وأخبر القوم بأن همتهم أثرت والواقعة اندفعت.
وحكي أن وزير خوارزمشاه كان معتقداً فيه فقبل يده فقال له الشيخ: قبلت يداً كتبت كذا وكذا مجلداً تصنيفاً! فوقع من الدابة وانكسرت يمناه وكان يقول: مدحت يدي فأبلاني الله تعالى بها! توفي سنة ثلاث وعشرين وستمائة عن نيف وستين سنة. وينسب إليها الشيخ أبو علي حسنويه بن أحمد بن حسنويه الزبيري الملقب بمعين الدين. كان شيخاً معتبراً من أعيان قزوين. ومن أعجب ما روي عنه أن أحداً إذا أصابه مس من الجن هو يحضر الجن ويشفع إليهم ويخلونه. وينسب إليها الشجاع باك باز. كان صاحب آيات وعجائب وكان ذا هيبة. من رآه يمتليء من هيبته وكان الملك والفقير عنده سواء يخاطب هذا كما يخاطب ذاك. وإذا رأى أحداً يقول: معك دنانير وزنها كذا اخرجها للفقراء! فيخرجها فيكون كما قال. وحكي انه طلب يوماً من رجل تاجر شيئاً وكان الرجل حنفياً معتزلياً لا يقول بكرامات الأولياء فتخاشن في الجواب فحرد وشتم فقال له: المال الذي مع ابنك في السفر وقع عليه اللصوص الآن وأخذوه! فازداد الرجل غيظاً وشتماً. قال: وابنك قد قتل على يد الحرامية! فأرخوا ذلك فجاء الخبر بأخذ المال وقتل ابنه. وحكي انه كان في رباط اربل فجاء الشيخ شهاب الدين عمر السهروردي إلى اربل فاستقبله أهل اربل فجاء إلى الرباط ودخل بين الجماعة ووقف على المصلى يصلي ركعتين والخف في رجليه. فلما رأى باك باز ذلك قال: أيها الشيخ كيف تقف مع الخف على مصلى المشايخ أليس هؤلاء القوم إذا رأوا منك ذلك اعتقدوا أنه جائز في الطريقة فوثب عليه الصوفية وهم تلامذة الشيخ وأسبغوه ضرباً ومدوه برجله إلى خارج الرباط. فلما عرف الشيخ ذلك أنكر على الصوفية وقال: انه كان على الصواب مروا إليه واعتذروا منه! فمروا إليه فإذا هو قاعد في السوق على دكة فاعتذروا مستغفرين فقال: ما جرى شيء يحتاج إلى العذر وإن جرى فأنتم في أوسع الحال. فقالوا: ارجع إلى الباط إن أنت راض. فقال: إني كنت على عزم السفر وتوقفي لإصلاح هذا المثقل لمداسي وإذا فرغ منه لبست وسافرت! فعاد القوم إلى الرباط فعرف الحال الملك فأمر شيخ الرباط مع جميع الصوفية بالمشي إليه معتذرين فذهبوا وما أجابهم فقال الملك: أنا أمشي! فركب وجاء إلى السوق وهو قاعد على دكة والمثقل يعمل في نعله فقال: إني قد جئت شفيعاً فاسلك مع القوم مسلك التصوف وعد إلى المكان راضياً منافساً! فقال: لا أرجع حتى تفعل ما أريده. فقال الملك: ما تريد قال: أريد ثلاثمائة دينار! قال: لك ذلك! قال: احضره الآن! فأحضره وقال: أريد جوقتين من المغنين. فأحضروا وقال: أريد أن يحملني فلان على رقبته والمغنون يغنون قدامي والقوم خلفي وقدامي يؤدونني إلى الرباط على هذه الحال! ففعلوا ذلك كله فلما دخل الرباط والذهب معه قال: من الذي ضربني فيقول كل واحد: أنا ما ضربت شيئاً! فقال: من ضربني ضربة فله دينار ومن ضربني ثنتين فله ديناران ومن ضربني ثلاثاً فله ثلاثة دنانير! فجاء كل واحد يقول: أنا لكمت كذا وكذا. ففرق الذهب عليهم وسافر. توفي في نيف وعشرين وستمائة.
اسم قرية من قرى الري. وهي قسمان: يقال لأحدهما قصران الداخل وللآخر قصران الخارج. قال صاحب تحفة الغرائب: بأرض الري قرية تسمى قصران بيروني عند بابها الأعلى يرى كل ليلة سراج مشعل بحيث يبصره كل أحد من البعيد من جميع الجوانب وإذا دنا منه لا يبين شيء. ينسب إليها القصراني المهندس. كان عالماً بالهندسة وكان عديم المثل في زمانه وله كتب مصنفة في الهندسة مشهورة. قصر شيرين بين بغداد وهمذان في فضاء من الأرض على طرف نهر جار. بناها كسرى أبرويز لشيرين وهي خطيبة كانت له من أجمل خلق الله تعالى والفرس يقولون: كان لكسرى أبرويز ثلاثة أشياء لم تكن لملك قبله ولا بعده: خطيبته شيرين ومغنيه بلهبد وفرسه شبديز وقصر شيرين باق إلى الآن وهي أبنية عظيمة شاهقة وايوانات عالية وعقود وقصور وأروقة ومتشرفات واختلفوا في سبب بنائه: ذكر في كتب العجم أن شيرين كانت من بنات بعض ملوك أرمن وكانت أجمل خلق الله صورة ذكر لكسرى أبرويز وكان مشغوفاً بالنساء بعث إليها من خدعها فهربت على ظهر شبديز. فلما وصلت إلى العراق وكان كسرى غائباً فرأتها أزواج كسرى وولائده علمن أن كسرى يختارها عليهن فأخذهن من الغيرة ما يأخذ الضرات فاخترن لها أرضاً سبخة وهواء ردياً وقلن: ان الملك أمرنا أن نبني لك ها هنا قصراً. وهي موضع قصر شيرين على طرف نهر عذب الماء. وحكي أن شيرين كانت تحب اللبن الحليب وكان القصر بعيداً عن مرعى المواشي فإلى أن حمل إلى القصر زالت سخونته فطلبوا الحيلة في ذلك فاتفق رأيهم على أن يتخذوا جدولاً حجرياً من المرعى إلى القصر فطلبوا صانعاً يعمل ذلك فدلوا على صانع اسمه فرهاذ فطلبت اتخاذ جدول مسافته فرسخان من المرعى إلى القصر على أن يأتي اللبن منها إلى القصر بسخونته وكان القصر على نشز من الأرض والمرعى في منحدر فاتخذ حائطاً طوله أكثر من فرسخين وارتفاعه عند المرعى عشرون ذراعاً وعند القصر مساوياً لأرضه وركب على الحائط جدولاً حجرياً وغطى رأسه بالصفائح الحجرية واتخذ عند المرعى حوضاً كبيراً وفي القصر أيضاً مثله وهذا كله باق إلى زماننا رأيته عند اجتيازي به لا شك في شيء منه. وذكر محمد الهمذاني انه كان سبب بناء قصر شيرين وهو أحد عجائب الدنيا أن كسرى أبرويز وكان مقامه بقرميسين أمر أن يبنى له باغ فرسخين في فرسخين وأن يجعل فيه من الطيور والوحوش حتى تتناسل فيه ووكل بذلك ألف رجل أجرى عليهم الرزق حتى عملوا فيه سبع سنين. فلما تم نظر إليه الملك وأعجبه وأمر للصناع بمال. فقال في بعض الأيام لشيرين: سليني حاجة فقالت: أريد أن تبني لي قصراً في هذا البستان لم يكن في ملكك لأحد مثله وتجعل فيه نهراً من حجارة يجري فيه الخمر! فأجابها إلى ذلك ونسي ولم تجسر شيرين على أن تذكره به فقالت للبلهبد المار ذكره: حاجتي في غناء ولك ضيعتي التي بأصفهان! فأجابها إلى ذلك وعمل شعراً وصوتاً في ذلك. فلما سمع كسرى قال له: لقد ذكرتني حاجة شيرين. فأمر ببناء القصر وعمل النهر فبنى على أحسن ما يكون وأتقنه ووفت شيرين للبلهبد بالضيعة فنقل إليها عياله وله نسل بأصفهان ينتمون إلى بلهبد. ودخل بعض الشعراء قصر شيرين فرأت تلك العمارات الرفيعة ورأى ايوان شيرين وصورتها يا طالبي غرر الأماكن حيّوا الدّيار ببرزماهن وسلوا السّحاب تجودها وتسحّ في تلك الأماكن واهاً لشيرين التي قرعت فؤادك بالمحاسن! واهاً لمعصمها المليح وللسّوالف والمغابن! في كفّها الورق الممسّك والمطيّب والمداهن وزجاجةٌ تدع الحكيم إذا انتشى في زيّ ماجن وشغفت حين رأيتها واهتاج مني كلّ ساكن فسقى رباع الكسرويّة بالجبال وبالمدائن دانٍ يسفّ ربابه وتناله أيدي الحواضن قم مدينة بأرض الجبال بين ساوة وأصفهان وهي كبيرة طيبة خصبة مصرت في زمن الحجاج بن يوسف سنة ثلاث وثمانين. أهلها شيعة غالية جداً والآن أكثرها خراب. ومياههم من الآبار أكثرها ملح فإذا أرادوا حفرها وسعوا في حفرها وبنوا من قعرها بالأحجار إلى شفيرها فإذا وبها بساتين كثيرة على السواقي وفيها الفستق والبندق. بها ملاحة طلسمها بليناس في صخرة ليدوم جريان مائها ولا ينقطع ما لم يخطر عليه وماء هذه العين ينعقد ملحاً ويأخذه كل مجتاز. أخبرني بعض الفقهاء أن بقرب قم معدن ملح من أخذ منه الملح ولم يترك هناك ثمنه يعرج حماره الذي حمل عليه ذلك الملح. وبها معدن الذهب والفضة أخفوه عن الناس حتى لا يشتغلوا به ويتركوا الزراعة والفلاحة. وبها طلسم لدفع الحيات والعقارب وكان أهل قم يلقون منها ضرراً عظيماً فانحازت إلى جبل هناك فإلى الآن لا يقدر أحد أن يجتاز بذلك الجبل من كثرة الحيات والعقارب. من عجائبها أن العود لا يكون له في هواء قم أثر كثير ولو كان من أذكى العود. وبها واد كثير الفهود. وحكي أنه أتاهم في بعض الأوقات وال سني وقال لهم: بلغني أنكم لشدة بغضكم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسمون أولادكم بأسمائهم فإن لم تأتوني منكم بمن اسمه عمر أو كنيته أو بكر لأفعلن بكم! فداروا في جميع المدينة وفتشوا ثم أتوا بواحد أحول أقرع كريه اللقاء معوج الأعضاء وكان أبوه غريباً ساكن قم فكناه أبا بكر. فلما رآه الوالي غضب وشتمهم وقال: إنكم إنما كنيتموه بأبي بكر لأنه أسمج خلق الله منظراً! وهذا دليل على بغضكم لصحابة رسول الله. فقال بعض الظرفاء منهم: أيها الأمير اصنع ما شئت فإن تربة قم وهواءها لا يأتي بصورة أبي بكر أحسن من هذا! فضحك الوالي عفا عنهم. ولقاضيها قال الصاحب ابن عباد: أيّها القاضي بقم قد عزلناك فقم وكان القاضي يقول: أنا معزول السجع! كران بلدة بأرض الترك من ناحية تبت قال الحازمي: بها معدن الفضة. وبها عين ماء لا يغمس فيها شيء من الجواهر المنطبعة إلا ذاب. كرخ قرية فوق بغداد على ميل منها. أهلها شيعة غالية ويهود. وبها دكاكين الكاغد والثياب الابريسمية. ينسب إليها أبو محفوظ معروف بن فيروز الكرخي. وكان من المشايخ الكبار مستجاب الدعوة من موالي علي بن موسى الرضا. كان أستاذ السري السقطي فقال له يوماً: إذا كان حكي أن زبيدة بنت جعفر عبرت على معروف مع مواليها وخدمها فدعا عليها بعض الحاضرين فقال له معروف: يا رجل كن عون رسول الرحمن ولا تكن عون رسول الشيطان إن رسول الرحمن يريد نجاة الخلق كلهم. قال الله تعالى: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين. ورسول الشيطان يريد هلاك الخلق كلهم. قال الله تعالى مخبراً عنه: بعزتك لأغوينهم أجمعين! إن الذي أعطاهم الدنيا على هواهم قادر أن يعطيهم الآخرة على مناهم. وحكى إبراهيم الأطروش انه قال لمعروف: أبا محفوظ بلغني أنك تمشي على الماء! فقال: ما مشيت على الماء ولكن إذا هممت بالعبور يجمع لي طرفها. وحكى خليل الصياد قال: غاب ابني إلى الانبار فوجدت أمه وجداً شديداً فذكرت ذلك لمعروف فقال: ما تريد قلت: أن تدعو الله ليرده علينا. فقال: اللهم إن السماء سماؤك والأرض أرضك وما بينهما لك فأت به! قال خليل: أتيت باب الشام فإذا ابني قائم منبهر يقول: الساعة كنت بالانبار. وحكى محمد بن صبيح انه مر بمعروف رجل سقاء ينادي: رحم الله من شرب! فشرب منه وكان صائماً وقال: لعل الله أن يستجيب منه. وحكى عبد الله بن سعيد الأنصاري أنه رأى معروفاً في النوم واقفاً تحت العرش فيقول الله لملائكته: من هذا فقالت الملائكة: أنت أعلم يا ربنا هذا معروف الكرخي قد سكر من حبك لا يفيق إلا بلقائك! وحكى أمد بن أبي الفتح قال: رأيت بشراً الحافي في المنام قاعداً في بستان وبين يديه مائدة يأكل منها فقلت: أبا نصر ما فعل الله بك فقال: رحمي وغفر لي وأباحني الجنة بأسرها وقال: كل من ثمرها واشرب من أنهارها وتمتع بجميع ما فيها لما كنت تحرم نفسك شهوات الدنيا! قلت: أين أحمد بن حنبل قال: قائم على باب الجنة يشفع لأهل السنة ممن يقول القرآن كلام الله غير مخلوق! قلت: وما فعل معروف الكرخي فحرك رأسه وقال: هيهات! حالت بيننا وبينه الحجب إن معروفاً ما كان يعبد الله شوقاً إلى جنته ولا خوفاً من ناره وإنما عبده شوقاً إليه فرفعه الله إلى الرفيع الأعلى ووقعت الحجب بيننا وبينه ذاك الترياق المقدس المجرب فمن كانت له إلى الله حاجة فليأت قبره وليدع فإنه يستجاب له. وحكي انه قال: إذا مت تصدقوا بقميصي فإني أحب أن أخرج من الدنيا عرياناً كما دخلتها. توفي سنة إحدى ومائتين.
|