الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: آثار البلاد وأخبار العباد **
قرية كانت بقرب قرميسين قال ابن الفقيه: كانت قرية كثيرة العقارب وكان يقول بها سوق في كل سنة يتأذى بها خلق كثير من لدغ العقارب فأمر بعض الأكاسرة بليناس الحكيم أن يدفع عنها العقارب بطلسم ففعل ذلك فلم يوجد بعد ذلك بها شيء من العقارب أصلاً. ومن أخذ من ترابها وطين به حيطان داره في أي بلد كان لم ير في داره عقرب وإذا لدغت عقرب أحداً يؤخذ من تراب هذه القرية ويطرح في الماء ويشربه الملدوغ فيبرأ في الحال ومن أخذ من هذا التراب شيئاً وأخذ العقرب بيده لا تضره.
ناحية بين واسط والبصرة على طرف البطيحة. وهي نيف وثلاثون فرسخاً في مثلها. وهذه البطيحة كانت قرى ومزارع في زمن الأكاسرة. وكان لها بثق ففي السنة التي قتل فيها كسرى اضطربت الأمور وتقاعدوا عن عمارة البثوق وظهر الماء على تلك المواضع فصارت بطيحة والآن منابت القصب ومصيد السمك وطير الماء يتولد فيها أشكال من الطيور غريبة وصور غريبة لم يعرفها أحد ولا يراها الناس كما قال تعالى: ويخلق ما لا تعلمون. فاسفلها ميسان وأعلاها كسكر وربما فصل المركب في هذه البطيحة شهراً أو أكثر وربما يأخذه اللصوص.ويجلب من كسكر الرز الجيد والسمك الشبوط والجواميس والفراريج والجدي والبطوط والبقر والصحناة والربيثي فإن هذه الأشياء بكسكر فاقت أنواعها في غيرها. كشم قرية من رستاق بشت من أعمال نيسابور كانت بها سروة من غرس كشتاسب الملك لم ير مثلها في حسنها وطولها وعظمها وكانت من مفاخر خراسان. جرى ذكرها عند المتوكل فأحب أن يراها ولم يقدر له المسير إلى خراسان فكتب إلى طاهر بن عبد الله وأمره بقطعها وحمل قطاع جذعها وأغصانها إليه على الجمال لتنصب بين يديه حتى يبصرها فأنكر عليه ذلك وخوف بالطيرة فلم تنفع السروة شفاعة الشافعين وحكي ان أهل الناحية اجتمعوا وتضرعوا وقدموا مالاً على إعفائها فلم ينفع فقطعت وعظمت المصيبة لمن حولها وارتفع الصياح والبكاء عليها فلفوها في اللباد وبعثوها إلى بغداد على الجمال فقال علي بن جهم: قالوا: سرى لسبيله المتوكّل فالسّرو يجري والمنيّة تنزل ما سربلت إلاّ لأنّ إمامنا بالسّيف من أولاده متسربل فقتل المتوكل على يد مماليكه قبل وصول السرو والفأل على ما جرى. قرية من قرى خراسان كثيرة الخيرات وافرة الغلات ينسب إليها الوزير أبو نصر الكندري. كان وزيراً ذا رأي وعقل استوزره السلطان طغرلبك السلجوقي. ولما ملك الملوك السلجوقية خراسان وأخذوها من ملوك بني سبكتكين لم يجسر أحد أن يدخل معهم خوفاً من سلاطين بني سبكتكين. فابتدأ أبو نصر الكندري فاستوزره طغرلبك وكان قد هجاه أبو الحسن الباخرزي بأبيات أولها: أقبل من كندر مسخرةٌ للشّؤم في وجهه علامات فطلب أبا الحسن وأحسن إليه وولاه وقال: إني تفاءلت بشعرك كان أوله أقبل. إلا أنه كان شيعياً غالياً متعصباً وكان السلطان معتزلياً فأمر بلعن جميع المذاهب يوم الجمعة على المنبر فشق ذلك على المسلمين وفارق إمام الحرمين نيسابور وذهب إلى مكة وكذلك الأستاذ أبو القاسم القشيري ودخل على الناس من ذلك أمر عظيم وأثار همة صلحاء المسلمين. كانت أيام طغرلبك أياماً قلائل مات وقام مقامه ابن أخيه ألب أرسلان بن داود. واستوزره نظام الملك الحسن بن علي بن إسحق وقبض على الكندري وقتله سنة ست وخمسين وأربعمائة وانقطع لعن المسلمين على رؤوس المنابر وعاد أرباب الدين إلى أماكنهم وشكروا الله تعالى.بليدة بين همذان وقرميسين في فضاء واسع طيبة الهواء عذبة الماء صحيحة التربة كثيرة الخيرات والثمرات. ولذلك اتخذها كسرى ابرويز مسكناً وأمر أن يبنى له قصر لا يكون لأحد من الملوك مثله. فاتخذ للقصر أساساً مائة ذراع في مائة ذراع في ارتفاع عشرين ذراعاً يراه الناظر كأنه حجر واحد لا يظهر فيه أثر الدرز وبنى فيه ايوانات وجواسق وخزائن على اسطوانات حجرية تحير الناظر في صنعته وحسن نقوشه. قال صاحب عجائب الأخبار: إذا أردت أن ترى عجباً من العجائب فانظر إلى أسطوانات هذا القصر إلى رؤوسها وأسافلها وتعجب من تسخير الحجر الصلد لهؤلاء الصناع. وحكي انه لما حضر عند كسرى فغفور ملك الصين وخاقان ملك الترك وداهر ملك الهند وقيصر ملك الروم أحضرهم في هذا القصر ليبصروا عجائبه وقوة ملك بانيه وصنعة صناعه وعجزهم عن بناء مثله. وذكر أن المسلمين لما وصلوا إليها في زمن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب سرقت دوابهم في ذلك المكان فسموه قصر اللصوص. وحكي انه لما قتل كسرى ابرويز بقي من هذا القصر بقية قال الحاكي: نظرت إلى بعض أساطينها نحت أكثرها وهندم وبقي أقلها على حاله فسألت عنها فذكروا انه لما قتل ابرويز انصرف الصناع عنها وتركوها ثم طلبوهم لإتمامها فما كانت تعمل كوثى قرية بسواد العراق قديمة. ينسب إليها إبراهيم الخليل عليه السلام وبها كان مولده وطرح في النار بها ولذلك قال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه: من كان سائلاً عن نسبنا فإنا نبط من كوثى. ومن الاتفاقات العجيبة اتفاق عامل كوثى. حكى بعض أهلها: انه جاءنا عامل واشتد في المطالبات وكان للعرب عندنا مزارعة وكان العمال الذين قبله يسامحونهم. فهذا العامل طالبهم وأهانهم بالضرب فانصرفوا إلى بني أعمامهم شاكين وتوافقوا على الكبس على العامل ليلاً فورد الناحية عامل آخر صارفاً للأول وطالباً بالبقايا فقبض عليه وقيده وضربه بالخشب وحمله إلى قرية أخرى ووكل به عشرة من الغلمان. فلما أصبح المصروف دخل عليه غلامه وقال له: أخرج رجلك حتى أكسر القيد! قال: أين الموكلون قال: هربوا والعرب الذين أخذت منهم الخراج كبسوا البارحة دار العمالة وقتلوا العامل على أنه أنت ولم يكن عندهم خبر صرفك. فقام الرجل وورد بغداد وذكر أن العامل الصارف أساء السيرة وأثار فتنة من العرب فأقر على حاله في الناحية وضم إليه جيشاً فعاد إلى كوثى وأرب العرب وأرهب لنبان قرية من قرى أصفهان ينسب إليها الأديب الفاضل البارع عبد العزيز الملقب بالرفيع له أشعار في غاية الحسن وديوان ورسائل. ورد جمال الدين الخجندي قزوين وعقد مجلس الوعظ بالجامع وذكر هذه الأبيات على المنبر وذكر أنها للرفيع: بأبي أين أنت ألقاك طال شوقي إلى محيّاك! ورد الورد يدّعي سفهاً أنّ ريّاه مثل ريّاك! ووقاح الأقاح يوهمنا أنه افترّ عن ثناياك! ضحك الورد هاتها عجلاً قهوةً مثل عبرة الباك لست أدري لفرط خمرتها أمحيّاك أم حميّاك هام قلبي بهذه وبذاك آه من هذه ومن ذاك! فهذه الأبيات حفظها أهل قزوين ويقولون هدية جمال الدين الخجندي من أصفهان. وحكي أن صدر الدين الخجندي عزل خازن دار كتبه فأراد الرفيع اللنباني أن يكون مكانه فكتب إلى صدر الدين: سمع العبد أن خازن دار الكتب اختزل حتى اعتزل وخان حتى هان ولم يزالوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير والعبد خير منه زكاة وأقرب رحماً! وإن له أباً شيخاً كبيراً فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين. وحكي أن الرفيع كان في خدمة الخجندية فلما وقع الخلاف بين السلطان طغرل وأولاد أتابك محمد كان صدر الدين الجندي مع السلطان فظفر أمير من أمراء أتابك محمد بجمع من أصحاب صدر الدين الخجندي وكانوا يمشون من أصفهان إلى بغداد وعليهم الرفيع فظفر بهم قيماز الأتابكي فنهبهم وقتل الرفيع فلما عرف أنه كان رجلاً فاضلاً من أهل العلم ندم والرفيع كان قد نظم هذين البيتين: جون كشته بينم دولت كرده فران وار جان تهي اين قالب برورده بنان بر بالينم نشين ومي كوي بران اي من تو بكشته ونشيمان شده بان فكان الفأل على ما جرى.
قرية من قرى نهاوند.كان بها صورة فرس من حشيش يراه الناس أخضر في الشتاء والصيف قالوا: انه كان طلسم الكلأ وكانت أكثر بلاد الله كلأ وحشيشاً.موضع بأرض قومس قال مسعر بن مهلهل: بين سمنان والدامغان في بعض الجبال فلجة يخرج منها ريح شديدة في أوقات من السنة فلا تصيب حيواناً إلا أتلفته ولو كان مشتملاً بالوبر. وهذه الفلجة فرسخ واحد وفتحها نحو أربعمائة ذراع ومقدار ما ينال أذاها فرسخان لا تأتي على شيء إلا جعلته كالرميم. يقال لهذه الفلجة وما يقرب منها ماذران قال مسعر بن مهلهل: كنت مجتازاً بها في قفل فيه نحو مائتي إنسان ودواب فهبت علينا الريح فما سلم منهم غيري ورجل آخر. كانت تتنا دابتان جيدتان فوافتا بنا ازج صهريج كان في الطريق فاستكنا بالازج وسدرنا ثلاثة أيام بلياليهن ثم رجعنا إلى حالنا والدابتان نفقتا ومن الله علينا بالنجاة. ماذروستان موضع على مرحلتين من حلوان به ايوان عظيم وبين يديه دكة عظيمة وأثر بستان يقولون إنه بستان بهرام بن جور زعموا أن الثلج يقع على نصفه الذي من ناحية الجبال وأما النصف الذي يلي جانب العراق فلا يقع به الثلج أبداً والله الموفق. ماهاباذ قرية كبيرة قرب قاشان. أهلها شيعة امامية ينسب إليها الأستاذ الفاضل البارع الحسن بن علي بن أحمد الملقب بافضل الماهاباذي. كان بالغاً في علم الأدب عديم النظير في زمانه. وكان يقصده الناس من الأطراف للاشتغال وكان عنده حلقة من الأدباء وكان مخصوصاً بلطافة الطبع مع وفور الذكاء وحسن الشعر ويوصي تلامذته بتحصيل العلم وتحقير المال. ومن شعره: يا ساعياً وطلاب المال همّته إني أراك ضعيف العقل والدّين! عليك بالعلم لا تطلب به بدلاً واعلم بأنّك فيه غير مغبون العلم يجدي ويبقى للفتى أبداً والمال يفنى وإن أجدى إلى حين! هذاك عزٌّ وذا ذلٌّ لصاحبه! ماذا من البعد بين العزّ والهون ماوشان كورة من كور همذان في واد بسفح جبل أروند مسيرة أيام كثيرة الأشجار والمياه والثمار ذكرها عين القضاة أبو المعالي عبد الله بن محمد رحمه الله في رسالته فقال: وكأني بالركب العراقي يوافون همذان ويحطون رحالهم في محاني ماوشان وقد اخضرت منها التلاع والوهاد وألبسها الربيع حبرة يحسدها عليها البلاد وهي تفوح كالمسك أزهارها ويجري بالماء الزلال أنهارها فنزلوا منها في رياض مؤنقة واستظلوا بظلال أشجار مورقة فجعلوا يكررون إنشاد هذا البيت وهم يتنعمون بنوح الحمام وتغريد الهزار: حباك يا همذان الغيث من بلدٍ سقاك يا ماوشان القطر من وادي ومن عادة أهل همذان الخروج إلى ماوشان في الصيف وقت إدراك المشمش وأصحاب الأشجار لا يمنعون عنها أحداً ويمكثون هناك أيام المشمش للتفرج والتنزه ويأكلون من ثمارها ويكسرون من أشجارها ولا يمنعهم مانع فإذا انتهت أيام المشمش رجعوا وذكر أن صاحب ماوشان منع الناس عنها في بعض السنين فلما كان من القابل لم تثمر أشجارها شيئاً فعادوا لإطلاق الناس فيها.
كانت سبع مدن من بناء الأكاسرة على طرف دجلة وقيل: إنها من بناء كسرى الخير أنوشروان. سكنها هو وملوك بني ساسان بعده إلى زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وإنما اختار هذا الموضع للطافة هوائه وطيب تربته وعذوبة مائه قال حمزة: هذا الموضع سمته العرب مدائن لأنها كانت سبع مدن بين كل واحدة والخرى مسافة وآثارها إلى الآن باقية وهي: فلما ملك العرب ديار الفرس واختطت الكوفة والبصرة انتقل الناس إليهما ثم اختط الحجاج واسطاً وكانت دار الامارة فانتقل الناس إليها فلما اختط المنصور بغداد انتقل أكثر الناس إليها. فأما في وقتنا هذا فالمسمى بالمدائن بليدة شبيهة بقرية في الجانب الغربي من دجلة. أهلها فلاحون شيعة إمامية. ومن عادتهم أن نساءهم لا يخرجن نهاراً أصلاً. وبها مشهد رفيع البناء لأحد العلويين وفي الجانب الشرقي منها مشهد سلمان الفارسي رضي الله عنه وله موسم في منتصف شعبان ومشهد حذيفة ابن اليمان مشير رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان للأكاسرة هناك قصر اسمه أبيض كان باقياً إلى زمن المكتفي في حدود سنة تسعين ومائتين فأمر بنقضه وبنائه التاج الذي بدار الخلافة ببغداد وتركوا منه الإيوان المعروف بإيوان كسرى. ذكر أنه من بناء انوشروان كسرى الخير وانه تعاون على بنائه الملوك وهو من أعظم الأبنية وأعلاها والآن قد بقي منه طاق الإيوان وجناحات وازجة قد بنيت بآجر طوال عراض. وحكي أن أنوشروان لما أراد بناء هذا القصر أمر بشري ما حوله وأرغب الناس في الثمن الوافر ومن جملتهم عجوز لها بيت صغير قالت: لست ابيع جوار الملك بالدنيا كلها! فاستسحسن أنوشروان منها هذا القول وأمر بترك ذلك البيت على حاله وإحكام عمارته وبناء الإيوان محيطاً به. وإني رأيت الإيوان وفي جانب منه قبة محكمة العمارة يعرفها أهل الناحية بقبة العجوز. وكان على افيوان نقوش وصور بالتزاويق وصورة مدينة أنطاكية وانوشروان يحاصرها ويحارب أهلها راكباً على فرس أصفر وعليه ثياب خضر وبين يديه صفوف الفرس والروم وكانت هذه النقوش على الإيوان باقية إلى زمان أبي عبادة البحتري فإنه شاهدها وذكرها في قصيدته السينية: حضرت رحلي الهموم فوجّه ت إلى أبيض المدائن عنسي أتسلّى عن الخطوب وآسى لمحلٍّ من آل ساسان درس حللٌ لم تكن كأطلال سعدى في قفارٍ من البسابس ملس لو تراه علمت أنّ اللّيالي جعلت فيه مأتماً بعد عرس فإذا ما رأيت صورة أنطا كيّة ارتعت بين رومٍ وفرس والمنايا مواثلٌ وأنوشر وان يزجي الصّفوف تحت الدّرفس في اخضرارٍ من اللّباس على اص فر يختال في صبيغة ورس وعراك الرّجال بين يديه في خفوتٍ منهم وإغماض جرس من مشيحٍ يهوي بعامل رمحٍ ومليحٍ من السّنان بترس وكأنّ الإيوان من عجب الصّن عة جوبٌ في جنب أرعن جلس لم يعبه أن بزّ من بسط الدّيبا ج واستلّ من ستور الدّمقس مشمخرٌّ تعلو له شرفاتٌ رفعت من رؤوسٍ رضوى وقدس وحكي أن غلمان الدار شكوا إلى أنوشروان وقالوا: إن العجوز تدخن في بيتها ودخانها يفسد نقوش الإيوان! فقال: كلما أفسدت أصلحوها ولا تمنعوها من التدخين! وكان للعجوز بقرة تأتيها آخر النهار لتحلبها فإذا وصلت إلى الإيوان طووا فرشه لتمشي البقرة إلى باب قبة العجوز فإذا فرغت من حلبها رجعت البقرة وسووا البساط. وكان هذا مذهبهم في العدل والرفق بالرعايا ولولا مخالفة النبوة التي شرفها الله تعالى وشرف بها عباده كانت معدلتهم تقتضي دوام دولتهم. مرو الروذ ناحية بين الغور وغزنة واسعة. ينسب إليها القاضي الإمام العالم الفاضل حسين المروروذي عديم النظير في العلم والورع: عقرت حوامل أن يلدن نظيره إنّ النّساء بمثله عقم حكي أن رجلاً جاء القاضي حسيناً وقال له: إني حلفت بالطلاق ثلاثاً ان ليس في هذا الزمان أعلم منك! فماذا تقول وقع طلاقي أم لا فأطرق رأسه ساعة ثم رفع رأسه وبكى وقال: يا هذا لا يقع طلاقك وإنما ذلك لعدم الرجال لا لوفور علمي! مرو من أشهر مدن خراسان وأقدمها وأكثرها خيراً وأحسنها منظراً وأطيبها مخبراً. بناها ذو القرنين وقهندزها أقدم منها. قيل: إنه من بناء طهمورث. وروى بريدة بن الحصيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا بريدة إنه ستبعث من بعدي بعوث فإذا بعثت فكن في بعث المشرق ثم في بعث خراسان ثم في بعث أرض يقال لها مرو فإذا أتيتها فانزل مدينتها فإنه بناها ذو القرنين وصلى فيها عزير وأنهارها تجري بالبركة على كل نقب منها ملك شاهر سيفه يدفع عن أهله السوء إلى يوم القيامة. فقدمها بريدة غازياً وأقام بها إلى أن مات. حكي أن قهندزها عمارة عظيمة ولما أراد طهمورث الملك بناء قهندز مرو بني بألف رجل وأقام لها سوقاً فيه ما يحتاجون إليه فكان إذا أمسى الرجل أعطي درهماً فيشتري به ما يحتاج إليه فتعود الدراهم إلى أصحاب الملك حتى إذا تم لم يخرج على البناء إلا ألف درهم. وحكى أبو إسحق الطالقاني قال: كنت على الزربق في مسجد العرب عند عبد الله بن المبارك فانهار ركن من القهندز فسقطت منها جماجم فتناثرت من جمجمة أسنانها فوزنت سنان منها فكان في كل واحدة منهما منوان فجعل عبد الله بن المبارك ينقلهما بيده ويتعجب منها ويقول: إذا كانت هذه سنهم فكيف تكون بقية أعضائهم وقال: أتيت بسنّين قد قدما من الحصن لمّا أثاروا الدّفينا على وزن منوين إحداهما لقد كان يا صاح سنّاً رزينا ثلاثون أخرى على قدرها تباركت يا أحسن الخالقينا فماذا يقوم بأفواهها وما كان يملأ تلك البطونا إذا ما تذكّرت أجسامهم تصاغرت النّفس حتى تهونا فكلٌّ على ذاك لاقى الرّدى فبادوا جميعاً وهم خامدونا وأما المدينة فطيبة كثيرة الخيرات وافرة الغلات. في أهلها من الرفق ولين الجانب وحسن المعاشرة. وكانت كرسي ملك بني سلجوق لهم بها آثار خيرات حكى صاحب عجائب الأخبار انه كان بمرو بيت كبير ارتفاعه قدر قامة وكان محمولاً على صور أربع من الخشب في جوانبه الأربعة وكانت الصور تمثال رجلين وامرأتين فزعم قوم أن ذلك البيت بيت ملكهم فنقضوه وانتفعوا بأخشابه فأصاب مرو وقراها جوائح وآفات وقحط متواتر فعلموا أن ذلك البيت كان طلسماً لدفع الآفت. وليس لهذه المدينة عيب إلا ما يعتري أهلها من العرق المديني فإنهم في شدة عظيمة منه قل ما ينجو منهم أحد في كل عام. ينسب إليها عبد الله بن المبارك الإمام العالم العابد حكي انه كان بمرو قاض اسمه نوح بن مريم وكان رئيسها أيضاً وكانت له بنت ذات جمال خطبها جماعة من الأعيان والأكابر وكان له غلام هندي ينطر بستانه فذهب القاضي يوماً إلى البستان وطلب من غلامه شيئاً من العنب فأتى بعنب حامض فقال له: هات عنباً حلواً! فأتى بحامض فقال له القاضي: ويحك ! ما تعرف الحلو من الحامض فقال: بلى ولكنك أمرتني بحفظها وما أمرتني بأكلها ومن لم يأكل لم يعرف. فتعجب القاضي من كلامه وقال: حفظ الله عليك أمانتك! وزوج ابنته منه فولدت عبد الله بن المبارك المشهور بالعلم والورع. كان يحج في سنة ويغزو في أخرى. وحكي انه كان معاصراً لفضيل بن عياض وفضيل قد جاور مكة وواظب على العبادة بمكة والمدينة فقال عبد الله بن المبارك: يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنّك بالعبادة تلعب من كان يخضب خدّه بدمائه فنحورنا بدمائنا تتخضّب وغبار خيل الله في أنف امريءٍ ودخان نار جهنّمٍ لا يذهب حكي عنه قال: خرجت للغزوة فلما تراءت الفتيان خرج من صف الترك فارسل يدعو إلى البراز فخرجت إليه فإذا قد دخل وقت الصلاة قلت له: تنح عني حتى أصلي ثم افرغ لك! فتنحى فصليت ركعتين وذهبت إليه فقال لي: تنح عن حتى أصلي أنا أيضاً! فتنحيت عنه فجعل يصلي للشمس فلما خر ساجداً هممت أن أغدر به فإذا قائل يقول: اوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولاً. فتركت الغدر. فلما فرغ من صلاته قال لي: لم تحركت قلت: أردت أن أغدر بك! فقال: لم تركته قلت: لأني أمرت بتركه. قال: الذي أمرك بترك الغدر أمرني بالإيمان. وآمن والتحق بصف المسلمين. وحكى الحسن بن الربيع انه خرج ذات سنة مع جيوش المسلمين إلى الغزوة فلما تقاتل الصفان خرج من صف الكفار فارس يطلب القرن فذهب إليه فارس من المسلمين فما أمهله فأحجم الناس عن مبادرته ودخل المسلمين منه حزن. فإذا فارس خرج إليه من صف المسلمين وجال معه زماناً ثم رماه وحز رأسه فكبر المسلمون وفرحوا ولم يكن يعرفه أحد فعاد إلى مكانه ودخل في غمار الناس! قال الحسن: فبذلت جهدي حتى دنوت منه وحلفته أن يرفع لثامه فإذا هو عبد الله بن المبارك فقلت له: يا إمام المسلمين كيف أخفيت نفسك مع هذا الفتح الذي يسر الله على يدك فقال: الذي فعلت له لا يخفى عليه.وحكي أن عبد الله بن المبارك عاد من مرو إلى الشام لعلم رآه معه بمرو صاحبه بالشام. ورئي سفيان الثوري في المنام بعد موته فقيل له: ما فعل الله بك قال: رحمني! فقيل: ما حال عبد الله بن المبارك قال: هو ممن يدخل على ربه كل يوم مرتين. ولد سنة مائة وعشرين وتوفي سنة مائة وإحدى وثمانين. وينسب إليها أبو زيد المروزي أستاذ أبي بكر القفال المروزي حج سنة فعادله أبو بكر البزاز النيسابوري من نيسابور إلى مكة. قال: ما علمت أن الملك كتب عليك خطيئة قال أبو زيد: فلما فرغت من الحج وعزمت الرجوع إلى خراسان قلت في نفسي: متى تنقطع هذه المسافة وقد طعنت في السن لا أحتمل مشقتها! فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم قاعداً في صحن المسجد الحرام وعن يمينه شاب قلت: يا رسول الله عزمت على الرجوع إلى خراسان والمسافة بعيدة. فالتفت النبي عليه السلام إلى الشاب الذي بجنبه وقال: يا روح الله تصحبه إلى وطنه قال أبو زيد: فأريت انه جبريل فانصرفت إلى مرو ولم أحس بشيء من مشقة السفر. وينسب إليها أبو بكر عبد الله بن أحمد بن عبد الله القفال المروزي. كان وحيد زمانه فقهاً وعلماً. رحل إليه الناس وصنف كتباً كثيرة وانتشر علمه في الآفاق. حكي أن القفال الشاشي صنع قفلاً وفراشة ومفتاحاً وزنها دانق فأعجب الناس ذلك وسار ذكره في البلاد فسمع به القفال المروزي فصنع قفلاً وزنه طسوج فاستحسنه الناس ولكن ما شاع ذكره فقال ذات يوم: كل شيء يحتاج إلى الحظ! قفل الشاشي طنت به البلاد وقفلي بقدر ربعه ما يذكره أحد فقال له صديق له: إنما الشاشي شاع بعلمه لا بقفله. فعند ذلك رغب في العلم وهو ابن أربعين سنة فجد في طلب العلم حتى وصل إلى ما وصل وعاش تسعين سنة: أربعين سنة قفالاً وخمسين سنة عالماً ومتعلماً. ومات سنة سبع عشرة وأربعمائة. وينسب إليها أبو الحرث سريج المروزي. كان شيخاً صالحاً صدوقاً. جاء له ولد فذهب إلى بقال بثلاثة دراهم: يريد بدرهم عسلاً وبدرهم سمناً وبدرهم سويقاً. فقال البقال: ما عندي من ذلك شيء لكن احصله لك في الغد. فقال للبقال: فتش لعلك تجد قليلاً! قال: فمشيت فوجدت البراني والجرار مملوءة فأعطيته منها شيئاً كثيراً. فقال: أوليس قلت ما عندي شيء منها قلت له: خذ واسكت. فقال: لا آخذ حتى تصدقني. فأخبره بالحال فقال: لا تحدث به ما دمت حياً. وحكى أبو الحرث قال: رأيت في المنام كأن الناس وقوف بين يدي الله تعالى صفوفاً وأنا في الصف الأخير ونحن ننظر إلى رب العزة فقال: أي شيء تريدون أصنع بكم فسكت الناس. قال أبو الحرث: فقلت في نفسي: ويحهم! قد أعطاهم كل ذا من نفسه وهم سكوت! فجعلت أمشي حتى جزت الصفوف إلى الأول فقال لي: أي شيء تريد فقلت: يا رحمن إن أردت أن تعذبنا فلم خلقتنا خلقتكم ولا أعذبكم أبداً. ثم غاب في السماء.
بليدة قريبة من البصرة كثيرة التمر والفواكه. وجرى المثل فيها بعلة الورشان تأكل رطب المشان قيل: ان بعض الملوك مرض فأمره الأطباء بلحم الورشان فأمر أن لا يمنع من يطلب له الوراشين في البساتين من النخيل وكان طالب الوراشين يمد يده إلى الاعذاق فقالوا: بعلة الورشان تأكل رطب المشان وهي وخمة جداً ومما يحكي العوام: قيل لملك الموت أين نجدك قال: عند قنطرة حلوان قيل: فإن لم نجدك قال: لا أبرح عن مشرعة المشان. وإذا سخط ببغداد على أحد من أهل الفساد ينفى إلى المشان ليتأدب بالغربة ووخامة الهواء وملوحة الماء وكثرة المرض. وينسب إليها أبو محمد القاسم بن علي الحريري صاحب المقامات الحريرية التي هي من الأعاجيب. ومن عجيب ما حكي عنه انه كان مشغوفاً بنتف اللحية وهو مرض من غلبة السوداء فوكل به شخص يمنعه من ذلك. فلما عرض المقامات على الوزير وأعجب الوزير المطيرة من قرى سامرا أشبه أرض الله بالجنان من لطافة الهواء وعذوبة الماء وطيب التربة وكثرة الرياحين. وهي من متنزهات بغداد يأتيها أهل الخلاعة. وصفها بعض الشعراء فقال: سقياً ورعياً للمطيرة موضعاً! أنوارها الخيريّ والمنشور فيها البهار معانقاً لبنفسجٍ فكأنّ ذلك زائرٌ ومزور وكأنّ نرجسه عيونٌ كحلها بالزّعفران جفونها الكافور تحيا النّفوس بطيبها فكأنّها وصل الحبيب يناله المهجور الموصل المدينة العظيمة المشهورة التي هي إحدى قواعد بلاد الإسلام رفيعة البناء ووسيعة الرقعة محط رحال الركبان. استحدثها راوند بن بيوراسف الازدهاق على طرف دجلة بالجانب الغربي. والآن لها سور وفصيل وخندق عميق وقهندز وحواليها بساتين. وهواؤها طيب في الربيع أما في الصيف فأشبه شيء بالجحيم! فإن المدينة حجرية جصية تؤثر فيها حرارة الصيف تبقى كالشاخورة وخريفها كثير الحمى تكون سنة سليمة والأخرى موبئة يموت فيها بها أبنية حسنة وقصور طيبة على طرف دجلة. وفي نفس المدينة مشهد جرجيس النبي عليه السلام. وفي الجانب الشرقي منها تل التوبة وهو التل الذي اجتمع عليه قوم يونس لما عاينوا العذاب وتابوا وآمنوا فكشف الله تعالى عنهم العذاب. وعلى التل مشهد مقصود يقصده الناس كل ليلة جمعة وينذر له النذور. وبها بساتين نزهة. وفيها جواسق في غاية الحسن والطيب. وأهل الموصل انتفعوا بدجلة انتفاعاً كثيراً مثل شق القناة منها ونصب النواعير على الماء يديرها الماء بنفسه ونصب العربات وهي الطواحين التي يديرها الماء في وسط دجلة في سفينة وتنقل من موضع إلى موضع وفي الجانب الشرقي عند انتقاص الماء يبقى على طرف دجلة ضحضاح على أرض ذات حصباء يتخذ الناس عليها سرراً وقباباً من القصب في وسط الماء يسمونها السواريق ويبيتون فيها ليالي الصيف. يكون هواؤها في غاية الطيب وإذا نقص الماء وظهرت الأرض زرعوا بها القثاء والخيار فتكون حول القباب مقثاة ويبقى ذلك إلى أول الشتاء. وأهلها أهل الخير والمروءة والطباع اللطيفة في المعاشرة والظرافة والتدقيق في الصناعات وما فيهم إلا من يحب المختطين قال الشاعر: كتب العذار على صحيفة خدّه سطراً يلوح لناظر المتأمّل ينسب إليها جمال الدين الموصلي. كان من كرام الدنيا أصله من أصفهان. توزر من صاحب الموصل وكان يعطي أكثر من عبر الموصل فعرف الناس أن عنده الكيمياء وكل من سأله أعطاه. وحكي أن رجلاً صوفياً قال له: أنت الجمال الموصلي قال: نعم. قال: اعطني شيئاً ! قال له: سل ما شئت. فنزع طرطوره وقال: املأ هذا دراهم! فقال: اتركه عندي وارجع غداً خذه! فتركه عنده فلما عاد أعطاه إياه مملوءاً من الدراهم فأخذه وخرج ثم عاد وقال: ما لي إلى هذا حاجة وإنما أردت أن أجربك هل أنت أهل لهذه الصنعة أم لا فعرفت أنك أهل وأنت ما تعرف إلا عمل الفضة أريد أن أعلمك عمل الذهب أيضاً. فعلمه وذهب. وحكي انه استأذن من الخليفة أن يلبس الكعبة في بعض السنين فأذن له فأخذ للكعبة لباساً أخضر ونثر على الكعبة مالاً كثيراً وأعطى أهل مكة وضعفاء الحاج أموالاً وسار ذكره. في الآفاق. وحكي أنه كان بينه وبين بعض الأمراء صداقة فتعاهدا على أن من مات منهما أولاً فصاحبه يحمله إلى البقيع فمات الجمال الموصلي أولاً في سنة خمسين وخمسمائة. فاشترى ذلك الأمير جمالاً كثيرة. وعين قوماً من الصلحاء وأقواماً من المقرئين وأموالاً للصدقة عنه في كل منزل وقال: الجمال الموصلي لا يبعث إلى البقيع إلا هكذا. ودفنه بالبقيع بهذا الاحترام.وينسب إليها الشيخ كمال الدين بن يونس. كان جامعاً لفنون العلوم عديم النظير في زمانه في أي فن باحثته فكأنه صاحب ذلك الفن من المنقول والمعقول. وأما فن الرياضيات فكان فيه منفرداً. ومن عجيب ما رأيت منه أن الفرنج في زمن الملك الكامل بعثوا إلى الشام مسائل ارادوا جوابها: منها طبية ومنها حكمية ومنها رياضية. أما الطبية والحكمية فأجاب عنها أهل الشام والهندسية عجزوا عنها. والملك الكامل أراد أن يبعث جواب الكل فبعثوا إلى الموصل إلى المفضل ابن عمر الأبهري أستاذنا وكان عديم النظير في علم الهندسة فأشكل الجواب عليه فعرضه على الشيخ ابن يونس فتفكر فيه وأجاب عنه والمسألة هذه نريد أن تبين قوساً أخرجنا لها وتراً والوتر أخرج من الدائرة عملنا عليه مربعاً تكون مساحة المقوس كمساحة المربع هذه صورتها: فكتب برهانه المفضل وجعله رسالة بعث بها إلى الشام إلى الملك الكامل فلما مشيت إلى الشام رأيت فضلاء الشام يتعجبون من تلك الرسالة ويثنون على استخراج ذلك البرهان فإنه كان نادر الزمان. وينسب إليها الشيخ فتح الموصلي. كان الغالب عليه الخوف والبكاء وفي أكثر أوقاته كان باكياً. فلما توفي رئي في المنام قيل له: ما فعل الله بك قال: أوقفني بين يديه وقال: ما الذي أبكاك فقلت: يا رب الخجالة من ذنوبي! فقال: وعزتي وجلالي أمرت ملك الذنوب أن لا يكتب عليك أربعين سنة لبكائك من هيبتي!
كورة كثيرة القرى والنخيل بين البصرة وواسط أهلها شيعة طغاة بها مشهد عزير النبي عليه السلام مشهور معمور يقوم بخدمته اليهود وعليه وقوف وتأتيه النذور. وحكي أن النعمان بن عدي كان من صلحاء الصحابة من مهاجرة الحبشة وكان عمر بن الخطاب يولي أحداً من بني النعمان لصلاحة ميسان فأراد النعمان أن يخرج معه زوجته فأبت فكتب النعمان إليها من ميسان ما يحرضها على المجيء إلى زوجها: ألا هل أتى الحسناء أنّ حليلها بميسان يسقى من زجاجٍ وحنتم إذا شئت عنّيني دهاقين قريةٍ وصنّاجةٍ يجثو على حرف ميسم فإن كنت ندماني فبالأكبر اسقني ولا تسقني بالأصغر المتثلّم لعلّ أمير المؤمنين يسوءه ينادمنا في الجوسق المتهدّم! فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فكتب إليه: أما بعد فقد بلغني قولك لعل أمير المؤمنين يسوءه. وايم الله قد ساءني وعزلتك! فلما قدم وسأله عن ذلك قال: والله ما كان من ذلك شيء وما شربتها قط وإنما كان ذلك فضل شعر! فقال عمر: أظن ذلك لكن لا تعمل لي عملاً قط. ناووس الظبية موضع بقرب همذان وقال ابن الفقيه: هذا الموضع عند قصر بهرام جور وهو على تل مشرف حوله عيون كثيرة وأنهار غزيرة ومن حديثه: انه خرج بهرام جور وهو أحد الأكاسرة متصيداً وكان حاذقاً بالرمي وأخرج معه جارية من أحظى جواريه. فعن له سرب ظباء فقال لها: كيف تريدين أن أرمي ظبية منها فقالت: أريد أن تلصق ظلفها بأذنها! فتحير بهرام وقال في نفسه: إن لم أفعل قيل انه شهى جارية ولم يف بها. فأخذ الجلاهق وعين ظبية فرماها ببندقية فأصاب أذنها فرفعت رجلها تحك بها أذنها فانتزع سهماً فرماها فخاط به ظلفها بأذنها ثم قتل الجارية ودفنها مع الظبية في ناووس واحد وبنى عليهما علماً من حجارة وكتب عليها قصتها وقال: إنما قتلت الجارية لأنها قصدت تعجيزي وكادت تفضحني! قال ابن الفقيه: والموضع معروف إلى وقتنا بناووس الظبية. نسا مدينة بخراسان بقرب سرخس وابيورد بناها فيروز بن يزدجرد أحد الأكاسرة. وكان يقال لها شهر فيروز وهي مدينة طيبة كثيرة الأنهار والأشجار إلا أنها وبئة ويكثر بها العرق المديني حتى انه في الصيف قل من ينجو منه. بها رباط بناه رئيسها عماد الدين حمزة النسوي وهو رباط عظيم خارج المدينة بين الباغات ليس في شيء من البلاد مثله في عظم العمارة وكثرة الخير. حكي عنه انه قال: كنت على عزم أن أبني موضعاً لأهل الخير متردداً في أن أجعله مدرسة أو خانقاهاً حتى رأيت في نومي أن قائلاً يقول: من آتاه الله روحاً فأعطه الخير! فأمر بعمارة بناء عظيم للفقهاء موضعاً وللصوفية موضعاً وللقدرية موضعاً وللعلويين موضعاً وللقفل السابلة موضعاً ولدوابهم موضعاً. وأجرى الخبز والمأكول على كل من له روح وجعل فيها حمامات ولها بساتين. واشترى لها مماليك برسم الفرش والخدمة والطبخ وفلاحة البساتين فكل من نزل بها يمشي إلى مكانه ويقوم القوام بخدمته. ولها قراء ومغنون ولا تزال قدورها على النار فربما نزل بهم قفل عظيم أو جيش كثيف فأخرجوا وظائفهم حتى لدوابهم وكلابهم. ومن أراد من أهل المدينة خرج إليها وتفرج في بساتينها واستحم في حمامها وتغدى أو تعشى فيها وعاد إلى مكانه. وكان الأمر على ذلك إلى ورود التتر. والآن سألت بعض فقهاء خراسان نخشب مدينة مشهورة بأرض خراسان. منها الأولياء والحكماء ينسب إليها الحكيم ابن المقفع الذي أنشأ بنخشب بئراً يصعد منها قمر يراه الناس مثل القمر واشتهر ذلك في الآفاق والناس يقصدون نخشب لرؤيته ويتعجبون منه وعوام الناس يحسبونه سحراً وما كان إلا بطريق الهندسة وانعكاس شعاع القمر لأنهم وجدوا في قعر البئر طاساً كبيراً مملوءاً زئبقاً وفي الجملة قد اهتدى إلى أمر عجيب سار في الآفاق واشتهر حتى ذكره الناس في الأشعار والأمثال وبقي ذكره بين الناس. وينسب إليها أبو تراب عسكر بن الحصين النخشبي صاحب حاتم الأصم. كان يقول: بيني وبين الله عهد أن لا أمد يدي إلى حرام إلا وقد قصرت عنه حكي انه دخل بادية البصرة يريد مكة فسئل عن أكله بمكة فقال: خرجت من البصرة فأكلت بالنباج ثم بذات عرق ومن ذات عرق إليك. وحكي عنه انه قال: كنت في بعض أسفاري فاشتهيت الخبز السميد مع بيض الدجاج فعدلت عن طريقي وقصدت قرية لتحصيل ذاك فإذا أنا في الطريق إذ تعلق بي شخص وقال: هذا لص قاطع الطريق أخذ مني متاعي في الطريق! فحملوني إلى رئيس القرية فضربني سبعين خشبة فإذا رجل منهم عرفني وقال: هذا أبو تراب النخشبي ليس من شأنه ما تدعون عليه فنزعني من يدهم وأدخلني بيته وجعل بين يدي الخبز السميد وبيض الدجاج فقلت لنفسي: خذ شهوتك مع سبعين خشبة! وتبت أن أشتهي بعد ذلك. توفي سنة خمس وأربعين ومائتين.
من قرى خراسان ينسب إليها أبو القاسم إبراهيم بن محمد النصراباذي من مشايخ خراسان. صحب الشبلي وأبا علي الروذباري والمرتعش. حج ستين حجة قال: فلما تممت الستين أراد الشيطان أن يلقي إلي شيئاً من العجب فقال: من مثلك وقد حججت ستين حجة فقام على ملإ من الناس ونادى: أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا أبو القاسم النصراباذي حججت ستين حجة من يشتري ثوابها برغيفين فقام واحد وقال: خذ ثمنها يا أبا القاسم. فأخذ منه ورماهما إلى كلب فسمع هاتف يقول: غفرنا لك يا أبا القاسم وأثبتنا ثواب الحج لك ولمن اشتراها وقبلنا حج كل من حج في هذه السنة لأجلك! جاور مكة سنة ست وثلاثين وثلاثمائة. وتوفي بها سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة.مدينة عامرة من بلاد الجزيرة بقرب سنجار. وهي كثيرة المياه والأشجار والبساتين مسورة ولا قهندز. ذكر أن لها ولقراها أربعين ألف بستان ظاهرها في غاية النزاهة وباطنها يضاد ظاهرها. وهي وخمة لكثرة مياهها وأشجارها مضرة سيما بالغرباء فإنه قلما تخطيء سهامها في الغرباء. وحكي أن بعض التجار أراد دخول نصيبين وكان به عقابيل المرض وصفرة اللون فتمسك بكمه بعض ظرفاء نصيبين وقال: ما أخليك تدخل حتى تشهد على نفسك شاهدين عدلين انك ما دخلت نصيبين إلا على هذه الصفة كيلا يقال امرضته نصيبين! وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال: رفعت لي ليلة أسري بي مدينة فأعجبتني فقلت لجبريل: ما هذه المدينة فقال: نصيبين. قلت: اللهم عجل فتحها واجعل فيها بركة للمسلمين! ومن خاصية نصيبين أنها لا تقبل العدل البتة بل سوق الظلم بها قائم ولو كان واليها كسرى الخير ولهذا قال بعض الشعراء: نصيب نصيبين من ربّها ولاية كلّ ظلومٍ غشوم! فباطنها منهم في لظىً وظاهرها من جنان النّعيم! وعقارب نصيبين مما يضرب بها المثل حكى أحمد بن الطيب السرخسي أن أنوشروان حاصر نصيبين فامتنع أهلها ولم يستطع فتحها فأشار إليه بعض الحكماء ان يحمل عقارب طيرانشاه وهي قرية من أعمال شهرزور كثيرة العقارب في جرار وتحمل إلى نصيبين وترمى إليها بالعرادة ففعل ذلك فانتشرت العقارب في جميع المدينة ولدغت أهلها فأصابوا منها بلاء عظيماً وتقاعدوا عن القتال ففتحها أنوشروان وذلك أصل عقارب نصيبين. وحكي أن عامل معاوية بنصيبين كتب إلى معاوية أن جماعة كثيرة من المسلمين الذين كانوا معه أصيبوا بالعقارب فكتب إليه معاوية يأمره أن يوظف على كل أهل خير من المدة عدة عقارب في كل ليلة ففعل ذلك فهم يأتون بها وهو يأمر بقتلها حتى قلت. نضيراباذ قرية من قرى قزوين قريبة منها كثيرة الخيرات والغلات وكانت ملكاً لفخر المعالي بن نظام الملك. وكان شيخ القرية رجلاً ظريفاً وفخر المعالي أيضاً كذلك كانا يتظارفان حكي أن شيخ القرية دخل على فخر المعالي فوجده يسرح لحيته بمشط فقال: أيها المولى لم تسرح اللحية فقال: لأنه يزيل الغم. فقال: من كان لهغم يسرح لحيته فيزول غمه قال: نعم فقد اتفق انه جاء ذات مرة عسكر وأكلوا زرع القرية ونهبوها فجاء شيخ القرية إلى فخر المعالي وقال: وحكي أنه استقرض شيخ القرية من فخر المعالي شيئاً من الحنطة فقال فخر المعالي: ابعث إليك. فبعث إليه أحمالاً من البعر! فلما كان وقت النيروز وعادتهم ان الاكرة يحملون إلى الدهخدا هدايا من جملتها سلال فيها أقراص مدهونة وكليجات وجرادق فبعث شيخ القرية في السلال أقراصاً من السرجين فلما رآها فخر المعالي غضب. قال له شيخ القرية: يا مولاي لا تغضب انها من الحنطة التي بعثتها إلي! ولهم مثل هذا تظارف كثيرة يعرفها أهل قزوين وبهذا مقنع. النعمانية بليدة بين بغداد وواسط كثيرة الخيرات وافرة الغلات ولها قرى ورساتيق. بناها النعمان بن المنذر بن قيس بن ماء السماء. سكنها زماناً رافيء الحال فارغ البال في أيام الأكاسرة إلى أن قضى الله تعالى ما شاء. وصلت ذات مرة إليها فنزلت في جامعها فاجتمع علينا من النمل الكبير الأسود شيء كثير فقال بعض أهلها: نصف البلد هكذا والنصف الآخر لا يوجد فيه شيء منها. وحكي أن النعمان كان له صاحبان: أحدهما عدي بن زيد العبادي والآخر الربيع بن زياد.والربيع كان أقرب إليه حتى كان يأكل معه في قصعة واحدة فحسدهما الحاسدون. أما الربيع فرموه بالبرص لأن النعمان كان شديد التنفر من البرص. كتبوا إليه: يا ابن الملوك السادة الهبنقعه الضاربين الهام تحت الخيضعه مهلاً أبيت اللعن لا تأكل معه! ان استه من برص ملمعه وانه يدخل فيه إصبعه كأنه يطلب شيئاً ضيعه! فأبعده النعمان وتنفر منه أشد التنفر فقال الربيع: أبيت اللعن! لا تسمع كلام الأعداء وقل لمن يبصرني ويجربني! فقال النعمان: شرّد برجلك عنّا حيث شئت ولا تكثر عليّ ودع عنك الأقاويلا فقد رميت بداءٍ لست غاسله ما جاوز النّيل يوماً شطّ ابلبلا قد قيل ذلك إن حقّاً وإن كذباً فما اعتذارك عن قولٍ إذا قيلا وأما عدي بن زيد فقد سعوا به حتى أبعده النعمان وكان ابنه زيد بن عدي كاتباً لكسرى في المكاتبات العربية فذكر لكسرى حبس أبيه فبعث كسرى إلى النعمان يأمره بالإفراج فلما وصل الرسول بعث عدي إلى الرسول يقول: أبصرني قبل أن تمشي إلى النعمان حتى لا يقول النعمان انه مات! فقال الرسول: أخاف من مؤاخذة كسرى فإنه ما بعثني إلا إلى النعمان. فلما أدى الرسول الرسالة قال النعمان: عدي من زمان مات! وأمر بقتله. وعرف الحال زيد بن عدي فطلب فرصة لينتقم من النعمان وكان كسرى مشغوفاً بالنساء أي امرأة حسناء ذكرت عنده يرسل إلى تحصيلها فكان يجري في مجلسه ذكر النساء. قال زيد بن عدي: ان لعبدك النعمان بنات في غاية الحسن والجمال إن اقتضى رأي الملك يبعثني إليه أخطب بناته للملك! فبعثه كسرى مع بعض خواصه من العجم فقال النعمان: إن للملك في مها العجم لمندوحة عن سودان العرب! فقال زيد للعجمي: احفظ ما يقوله حتى تقول لكسرى! فلما عاد إلى كسرى قال: ما معنى هذا الكلام قال زيد: يقول الملك له بقر العجم ما له ولكحلاوات العرب فتأذى كسرى من هذا وبعث إليه يطلبه فهرب النعمان في البرية فما كان حي من الأحياء يحويه خوفاً من كسرى وكلما أتى عليه الوقت ذهب ماله وقل عدده فرأى أن يأتي كسرى تائباً. فلما وصل أمر كسرى بنصب القباب وإخراج جميع جواريه يرقصن في غناء عجمي معناه: من له كلنا أي حاجة له إلى البقر فلما دخل دهليز كسرى قبض عليه وأمر بإلقائه تحت أرجل الفيل قال الشاعر: فأدخل بيتاً سقفه صدر فيلةٍ بساباط والحيطان منه قوائمه نهاوند مدينة بقرب همذان قديمة قالوا: إنها من بناء نوح عليه السلام واللفظ دل عليه وأصله نوح اوند أي نوح وضع. بها عجائب. بها موضع يقال له وازوان البلاعة به حجر كبير فيه ثقبة فتحها أكبر من شبر يفور منها الماء كل يوم مرة فيخرج وله صوت عظيم يسقي أراضي كثيرة ثم يتراجع حتى يدخل ذلك الموضع الذي خرج منه. وحكى ابن الكلبي أن هذا الحجر مطلسم لا يخرج الماء منه إلا وقت الحاجة ويفور حتى يستغنى عنه قال: وهذا مشهور في تلك الناحية. وبها صخرة عظيمة في جبلهم من غاب له غائب أو أبق له آبق أو مرض له مريض أو سرق منه شيء فياتي تلك الصخرة ويبيت عندها فإنه يرى في نومه حاصل ذلك الأمر من خير وشر قال صاحب تحفة الغرائب: بقرب نهاوند عين في شعب جبل من احتاج إلى الماء لسقي الأرض يمشي إليها ويدخل الشعب ويقول بصوت رفيع: إني محتاج إلى الماء. ثم يمشي نحو زرعه فالماء يمشي نحوه فإذا انقضت حاجته يرجع إلى الشعب نحو العين ويقول: قد كفاني الماء. ويضرب برجله على الأرض فالماء ينقطع هذا كلام صاحب تحفة الغرائب. ومن عجائبها ما ذكره ابن الفقيه من أمر قصب الذريرة فما دام بنهاوند أو شيء من رساتيقها فهو بمنزلة الخشب لا رائحة له فإذا حمل منها وجاوزوا به العقبة التي يقال لها عقبة الركاب فاحت رائحته فإن سلكوا به غير تلك العقبة يبقى بحاله لا يصلح إلا للوقود.ومن عجائبها طين أسود يوجد على حافات نهر نهاوند. له خواص كثيرة: زعم أهل الناحية أن ذلك الطين تخرجه السراطين من جوف النهر وتلقيه ولو حفروا جميع جوانب النهر وقراره لم يجدوا شيئاً من ذلك الطين. وحكى مسعر بن مهلهل أن على جبل نهاوند ثوراً وسمكة منحوتة من الحجر في أحسن صنعة قالوا: إنهما طلسمان لآفات المدينة. ويكثر بنهاوند شجر الخلاف ما في شيء من البلاد بكثرتها تتخذ منها الصوالج وتحمل إلى سائر البلاد. النهروان كورة واسعة بين بغداد وواسط في شرقي دجلة كانت من أجمل نواحي بغداد وأكثرها دخلاً وأحسنها منظراً وأبهاها فخراً. أصابتها عين الزمان فخربت بسبب الاختلاف بين الملوك السلجوقية وقتال بعضهم بعضاً. وكانت ممر العساكر فجلا عنها أهلها واستمر خرابها والآن مدنها وقراها تلال والحيطان قائمة ثم بعد خرابها من شرع في عمارتها من الملوك مات قبل تمامها حتى اشتهر ذلك واستشعر الملوك من تجديد عمارتها وتطيروا بها إلى زمن المقتفي. فاراد بهرور الخادم عمارتها فقالوا له: ما شرع في عمارتها أحد إلا مات قبل تمام عمارتها! فشرع في عمارتها غير ملتفت إلى هذا القول فمات أيضاً قبل تمامها فبقيت على حالها إلى زماننا هذا. ينسب إليها القاضي أبو الفرج بن المعافى بن زكرياء النهرواني. كان عالماً فاضلاً مشهوراً وحيد دهره. قال: حججت سنة فإذا أنا بمنى ينادي مناد يقول: يا أبا الفرج! قلت: يطلب غيري. ثم قال: يا أبا الفرج بن المعافى! قلت: لعل شخصاً وافق اسمه واسم أبيه اسمي واسم أبي. ثم قال: يا أبا الفرج بن المعافى بن زكرياء! فما أجبت. ثم قال: يا أبا الفرج بن المعافى بن زكرياء النهرواني! فقلت: الآن اتضح اني أنا المطلوب. فقلت: ها أنا ذا ماذا تريد فقال: لعلك أنت من نهروان الشرق! قلت: نعم! قال: إني أريد من هو من نهروان الغرب. نيسابور مدينة من مدن خراسان ذات فضائل حسنة وعمارة كثيرة الخيرات والفواكه والثمرات جامعة لأنواع المسرات وعتبة الشرق ولم يزل القفل ينزل بها. وانها كانت مجمع العلماء ومعدن الفضلاء. وكان عمرو بن الليث الصفار يقول: أقاتل على بلدة حشيشها الريباس وترابها البقل وحجرها الفيروزج. وإنما قال ذلك لأن بها ريباساً ليس في جميع الأرض مثله قد يكون واحدها خمسة أرطال وأكثرها رطلان أو ثلاثة. وهي صادقة البياض كأنها الطلع وإنما عنى بالبقل الطين المأكول الذي لا يوجد مثله في جميع الأرض. يحمل إلى أداني الأرض وأقاصيها لتحفة الملوك وربما بيع رطل منه بمصر بدينار واحد وبالغ محمد بن زكرياء في خواص هذا الطين ومنافعه. وقال أبو طالب المأموني: خذ لي من البقل فذاك الذي منها خلقنا وإليها نصير كأنّه للعين لمّا بدا أحجار كافورٍ عليها عبير وبها معادن الفيروزج. ذكروا أن تلك المعادن آبار ظهر فيها العقارب فامتنع الناس عنها ولما دخلها إسماعيل بن أحمد الساماني. وكان ملكاً عادلاً قال: يا لها من مدينة لو لم يكن بها عيبان! قيل: ما هما قال: كان ينبغي أن تكون مياهها التي في باطن الأرض على ظاهرها ومشايخها الذين على ظاهرها في باطنها. وكانت نيسابور من أحسن بلاد الله وأطيبها. خرج الغز على السلطان سنجر ابن ملكشاه السلجوقي وكسروه وأسروه وبعثوا جمعاً إلى مدينة نيسابور وذلك في سنة ثمان وأربعين وخمسمائة فقاتلهم أهل نيسابور أشد القتال لأنهم كانوا كفاراً نصارى فجاءهم ملك الغز وحاصرهم حتى استخلصها عنوة وقتلوا كل من وجدوه وخربوها وأحرقوها فانتقل الناس إلى الشاذياخ وعمروها وسوروها حتى بقيت مدينة طيبة أحسن من المدينة الأولى وصارت المدينة الأولى متروكة وصارت مجامع أهلها مكان الوحوش ومراتع البهائم فسبحان من لا يعتريه الزوال وكل ما سواه يتغير من حال إلى حال! ينسب إليها الإمام العلامة رضى الدين النيسابوري قدوة العلماء وأستاذ البشر. كان أصله من نيسابور ومسكنه بخارة وكان على مذهب الإمام أبي حنيفة وكان في حلقة درسه أربعمائة فقيه فضلاء وانه سلك طريقاً لم يسلكه من كان قبله. وكان علم المناظرة قبله غير مضبوط فأحدث له ضبطاً وترتيباً وبذلك فاقت تلامذته جميع علماء زمانهم. وله على كل من يسمى باسم الفقيه منة لأن الفقهاء بعده على طريقه وترتيبه. وينسب إليها الأستاذ قدوة المشايخ أبو القاسم القشيري صاحب الرسالة القشيرية كان وحيد دهره علماً وورعاً. حكي انه إذا دخل على نظام الملك الحسن بن علي بن إسحق قام من مكانه وقعد بين يديه وإذا دخل عليه إمام الحرمين يقوم له ويقعده بجنبه فسئل نظام الملك عن ذلك فقال: لأن أبا القاسم القشيري إذا دخل علي يذمني فيما أعمله وأما إمام الحرمين فإنه يمدحني فيما أعمله. فيا لله من شيخ إذا دخل على وزير المشرق والمغرب يذم أفعاله ولا يبالي بسلطنته! ويا لله من وزير من ذمه في أفعاله أكرم عليه ممن مدحه! وحكي أن الملك لما صار لطغرلبك السلجوقي واستوزر أبا نصر الكندري كان السلطان معتزلياً والوزير شيعياً أمرا بلعن جميع المذاهب يوم الجمعة على رؤوس المنابر. فعند ذلك فارق الأستاذ أبو القاسم مملكة طغرلبك وقال: لا أقيم في أرض يلعن بها المسلمون! وإمام الحرمين أيضاً ذهب إلى أرض الحجاز. وتوفي أبو القاسم سنة خمس وستين وأربعمائة. ينسب إليها من الحكماء عمر الخيام. كان حكيماً عارفاً بجميع أنواع الحكمة سيما نوع الرياضيات. وكان في عهد السلطان ملكشاه السلجوقي سلم إليه مالاً كثيراً ليشتري به آلات الرصد ويتخذ رصد الكواكب فمات السلطان وما تم ذلك. وحكي انه نزل ببعض الربط فوجد أهلها شاكين من كثرة الطير ووقوع ذرقها وتنجس ثيابهم بها فاتخذ تمثال الطير من الطين ونصبه على شرفة من شرفات الموضع فانقطع الطير عنها. وحكي أن بعض الفقهاء كان يمشي إليه كل يوم قبل طلوع الشمس ويقرأ عليه درساً من الحكمة فإذا حضر عند الناس ذكره بالسوء فأمر عمر بإحضار جمع من الطبالين والبوقيين وجباهم في داره فلما جاء الفقيه على عادته لقراءة الدرس أمرهم بدق الطبول والنفخ في البوقات فجاءه الناس من كل صوب فقال عمر: يا أهل نيسابور هذا عالمكم يأتيني كل يوم في هذا الوقت ويأخذ مني العلم ويذكرني عندكم بما تعلموني فإن كنت أنا كما يقول فلأي شيء وينسب إليها أبو حمزة الخراساني. كان من أقران الجنيد وأبي تراب النخشبي وأبي سعيد الخراز. قال: حججت في بعض السنين فبينما أنا أمشي في الطريق إذ وقعت في بئر فنازعتني نفسي أن أستغيث حتى يأتيني أحد فخالفت النفس وقلت: والله لا أستغيث فما استتمت هذه الخطرة حتى أتى برأس البئر رجلان أحدهما يقول للآخر: تعال تى نسد رأس هذه البئر كيلا يقع إنسان فيها. فأتيا بقصب وبارية وسدا رأس البئر فهممت أن أصيح ثم قلت في نفسي: أصيح إلى من هو أقرب منهما.فسكت. فبينما أنا بعد ساعة إذ جاء شيء وكشف رأس البئر وأدلى رجليه فكأنه يقول في همهمته: تعلق بي! فتعلقت به فأخرجني فإذا هو سبع فهتف بي هاتف: أليس هذا أحسن نجيناك بالمتلف من التلف! وينسب إليها أبو القاسم المنادي. وينسب إليها أبو الطيب سهل الصعلوكي. تصدر للقضاء والتدريس بنيسابور واجتمع عليه فقهاء خراسان ووضع في مجلسه خمسمائة محبرة عند إملائه. قيل: جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى على رأس كل مائة يبعث من يجدد دينه. فذكر الأصحاب انه على رأس المائة عمر ابن عبد العزيز وعلى المائتين محمد بن ادريس الشافعي وعلى الثلاثمائة أبو العباس أحمد بن سريج ونظم هذا المعنى بعض أهل العلم فقال: الشّافعيّ الألمعيّ محمّدٌ إرث النّبوّة وابن عمّ محمّد وابشر أبا العبّاس إنّك ثالثٌ من بعدهم سقياً لتربة أحمد فقام رجل في مجلس أبي الطيب سهل الصعلوكي وأنشد تلك الأبيات وألحق بها: والرّابع المشهور سهلٌ بعدهم أضحى إماماً عند كلّ موحّد لا زال فيما بيننا علم الهدى للمذهب المختار خير مؤيّد فسكت الشيخ وغمه ذلك وتوفي في تلك السنة. حكى أبو سعيد الشحامي قال: رأيت أبا الطيب الصعلوكي في النوم بعد وفاته فقلت: أيها الشيخ! فقال: دع الشيخ! قلت: وتلك الأحوال التي شاهدتها قال: لم تغن عنا شيئاً! قلت: ما فعل الله بك قال: غفر لي بمسائل كانت تسألها العجائز! وينسب إليها أبو سعيد بن أبي عثمان الخركوشي. كان من مشاهير علماء خراسان بالعلم والزهد والورع وحسن الطريقة. صنف كتباً كثيرة في العلوم الشرعية وبنى مدرسة ودار مرضى ووقف عليهما أملاكاً كثيرة. وفي آخر عمره اختار الفقر وكان يأكل من كسب يده: يعمل القلانس ويبيعها خفية حتى لا يدرى أنها عمله. حكى أبو الفضل محمد بن عبد الله الصرام قال: رأيت الأستاذ أبا سعيد خرج مع القوم إليك جئنا حسبنا ربّنا وليس ربٌّ سواك يغنينا بابك رحبٌ فناؤه كرمٌ إرحم على بابك المساكينا ثم قال: اللهم اسقنا! فما أتم ثلاثاً حتى سقينا كأفواه القرب. وينسب إليها أبو محمد عبد الله بن محمد المرتعش. كان عظيم الشأن. صحب الجنيد قيل له: إن فلاناً يمشي على الماء! فقال: عندي من مكنة الله تعالى من مخالفة الهواء ما هو أعظم من المشي على الماء. توفي سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة.
بلاد وقرى كانت بشرقي دجلة عند الموصل. في قديم الزمان بعث الله تعالى إليهم يونس النبي عليه السلام فدعاهم إلى الله تعالى فكذبوه فخوفهم بعذاب الله في وقت معين وفارقهم. فلما دنا ذلك الوقت وشاهدوا آثار عذاب الله خرجوا بالنساء والذراري إلى تل هناك في شرقي دجلة وكشفوا رؤوسهم وتابوا وآمنوا فكشف الله عنهم العذاب. والتل باق إلى الآن ويسمى تل التوبة وعليه مشهد مقصود ينذر له ويقصده الناس كل ليلة جمعة. حكى صاحب تحفة الغرائب انه كان بها طاحونة جميع آلاتها من الحجر وكانت سبيلاً فإذا أراد الطحان وقوف الحجر قال: اسكن بحق يونس! فوقف الحجر والماء يجري على حاله ولا تدور الرحى حتى يفرغ الطحان من شغله فإذا فرغ قال: إني فرغت من شغلي فشرع في الدوران.
|