الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: التنبيه والإشراف **
وبويع المقتدر جعفر بن أحمد المعتضد ويكنى أبا الفضل وقيل إن اسمه إسحاق وإنه إنما اشتهر بجعفر لشبهه بالمتوكل وأمه أم ولد رومية تسمى شغب - يوم الأحد لثلاث عشرة ليلة خلت من ذي القعدة سنة 295 ولأربعة أشهر من خلافته أجمع جماعة من قواده وكتابه فيهم الحسين بن حمدان بن حمدون التغلبي ووصيف بن صوارتكين الخزري ومحمد بن داود بن الجراح وعلي بن عيسى وغيرهم من رؤساء الأجناد ووجوه الكتاب على خلعه والبيعة لعبد الله بن المعتز. ففتك الحسين بن حمدان بالعباس بن الحسن وقتل معه فاتك المعتضدي لمنعه عنه وخلعوا المقتدر وبايعوا ابن المعتز يوم السبت للنصف من شهر ربيع الأول سنة 296 وأقاموا على ذلك يوماً وليلة ولم يزل المقتدر عن سرير ملكه ولا أخرج من دار الخلافة. ثم أناب عدة من خواص الغلمان فحاربوا شيعة ابن المعتز فشتتوهم وهربوا على وجوههم وصفا الأمر للمقتدر ثم خلع بعد ذلك وأزيل عن سرير ملكه وأخرج عن دار الخلافة للنصف من المحرم سنة 317. وبويع أخوه القاهر وجلس على سرير الملك وسلم عليه الخلافة. وكان من الذين سعوا في خلعه أبو الهيجاء عبد الله بن حمدان بن حمدون ونازوك المعتضدي وغيرهما من رؤساء القواد ووجوه الأجناد وأدخلوا معهم في الأمر مؤنساً الخادم المظفر على كره منه ثم أناب عدة من الرجال ففتكوا بنازوك في الدار ونادوا باسم المقتدر وقتل أبو الهيجاء وتبايع أشياع المقتدر وخواصه فأعيد إلى سرير ملكه وجددت له البيعة وصفا له الأمر وذلك في يوم الاثنين لسبع عشرة ليلة خلت من المحرم من هذه السنة. ثم فسدت الحال بينه وبين مؤنس الخادم فخرج مؤنس إلى الموصل ولحقه أكثر الجيش فعاد إلى مدينة السلام. وخرج المقتدر فيمن بايعه من الجيوش للقائه فقتل بظاهر مدينة السلام مما يلي الشماسية يوم الأربعاء لثلاث ليال بقين من شوال سنة 330 وله ثمان وثلاثون سنة وشهر وسبعة عشر يوماً. وكان ربع القامة إلى القصر ما هو دري اللون صغير العينين أحور حسن الوجه واللحية أصهبها أفضت الخلافة إليه وهو صغير غرٌّ ترف لم يعان الأمور ولا وقف على أحوال الملك. فكان الأمراء والوزراء والكتاب يدبرون الأمور ليس له في ذلك حل ولا عقد ولا يوصف بتدبير ولا سياسة وغلب على الأمر النساء والخدم وغيرهم فذهب ما كان في خزائن الخلافة من الأموال والعدد بسوء التدبير الواقع في المملكة فأداه ذلك إلى سفك دمه واضطربت الأمور بعده وزال كثير من رسوم الخلافة. قال المسعودي: ولم يتقلد الخلافة من أمية وبني العباس إلى وقتنا هذه وهو سنة 345 في خلافة المطيع من اسمه جعفر إلا جعفر المتوكل وجعفر المقتدر وكان مقتلهما جميعاً في شوال قتل المتوكل على ما قدمنا فيما سلف من هذا الكتاب ليلة الأربعاء لثلاث ليال خلون من شوال سنة 247 ولم يهج لأجل ذلك فتنة ولا شهر لأجله سيف وقتل المقتدر بين خاصة وضائعه دون سائر من كان معه يوم الأربعاء لثلاث بقين من شوال على ما ذكرنا وتولى قتل المقتدر موالي أبيه المعتضد وكانت في أيامه أمور لم يكن مثلها في الإسلام منها أنه ولي الخلافة ولم يل أحد قبله من الخلفاء وملوك الإسلام في مثل سنه لأن الأمر أفضي إليه وله ثلاث عشرة سنة وشهران وثلاثة أيام ومنها أنه ملك خمساً وعشرين سنة إلا خمسة عشر يوماً ومل يمتلك هذا أحد من الخلفاء ومنها أنه استوزر اثني عشر وزيراً فيهم من وزر له المرتين والثلاث ولم يعرف فيما قبله أنه استوزر هذه العدة ومنها غلبة النساء على الملك والتدبير حتى أن جارية لأمه تعرف بثمل القهرمانة كانت تحل للنظر في مظالم الخاصة والعامة ويحضرها الوزير والكاتب والقضاة وأهل العلم ومنها أن الحج بطل فلم يحج في سنة 317 لدخول أبي طاهر سليمان بن حسن ابن بهرام الجنابي القرمطي صاحب البحرين مكة وكان دخوله إياها يوم الاثنين لسبع خلون من ذي الحجة ولم يبطل الحج منذ كان الإسلام غير تلك السنة وغير ذلك من الأحوال التي كانت في أيامه واستوزر العباس بن الحسن على ما كان عليه في أيام المكتفي فلما قتل العباس استوزر علي بن محمد بن موسى بن الفرات ثم محمد بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان الملقب بدق صدره ثم علي بن عيسى بن داود بن الجراح ثم علي بن محمد بن الفرات الوزارة الثانية ثم حامد بن العباس ثم علي بن محمد بن الفرات الوزارة الثالثة ثم عبد الله بن محمد بن عبيد الله الخاقاني وزر وأبوه محمد بن عبيد الله حي وكانت وفاته بعد وزارة ابنه باثني عشر يوماً وذلك يوم الاثنين وقت العصر لثمان بقين من شهر ربيع الآخر وقيل الأول سنة 312 وكان وقد ذكرنا فيما سلف من هذا الكتاب من وزر وأبوه حي مثل أبي سلمة حفص بن سليمان الخلال وعبيد الله بن خاقان والعباس بن الحسن ابن أيوب ثم استوزر أحمد بن عبيد الله الخصيبي ثم علي بن عيسى الوزارة الثانية ثم أبا علي محمد بن علي بن مقلد ثم سليمان بن الحسن بن مخلد بن الجراح وهو ابن عم علي ابن عيسى ثم عبيد الله بن محمد الكلواذاني ثم الحسين بن القاسم ابن عبيد الله بن سليمان بن وهب ثم الفضل بن جعفر بن موسى بن الفرات وكان نقش خاتمه المقتدر بالله وقاضيه محمد بن يوسف بن يعقوب على الجانب الشرقي والكرخ وقلد قضاء القضاة إلى أن توفي فقلت ابنه عمر بن محمد بن يوسف الجانب الشرقي والكرخ وعلى مدينة المنصور وأعمالها عبد الله بن علي بن أبي الشوارب وبعده محمد بن عبد الله وبعده عمر بن الحسن المعروف بالأشناني وانتقض وبعده الحسن بن عبد الله بن أبي الشوارب وبعده عمر بن محمد بن يوسف وحجبه سوسن مولاه ثم نصر القشوري ثم ياقوت وإبراهيم ومحمد ابنا رائق قال المسعودي: ومن الكوائن العظيمة والأنباء الجليلة التي كانت في أيامه ما لم يتقدم مثلها في الإسلام مسير أبي طاهر سليمان بن الحسن بن بهرام الجنابي صاحب البحرين من الإحساء من بلاد البحرين إلى البصرة في أربعمائة فارس على أربع مائة حجرة لا حصان فيها وخمسمائة راجل ودخولهم إياه ليلاً وقتلهم سبكا المفلحي ومن قدروا عليه من أصحابه ومن ظهر لهم من الرعية وذلك في ليلة الخميس لثلاث وقيل لخمس بقين من شهر ربيع الآخر سنة 311 وقيل بل ليلة الاثنين لست بقين منه وكان مسيرهم من الإحساء إليها في ست ليال وتهارب الناس منهم إلى الأبلة والمفتح والشطوط والأنهار والجزائر وغير ذلك وأقاموا في البلد سبعة عشر يوماً ثم رحلوا عنها منقلبين بما احتملوا منها إلى بلدهم ثم اعترضه الحاج في منصرفهم عن مكة بنواحي الهبير مما يلي الثعلبية وهو في خمسمائة فارس وستمائة راجل وقتله من قتل من القواد وسائر الأولياء وغيرهم وأسره أبو الهيجاء عبد الله بن حمادان بن حمدون أميرهم وأحمد بن بدر العم وأحمد بن محمد بن كشمرد وغيرهم من الوجوه وسائر طبقات الناس من النساء والرجال وأخذهم الشمسية وغيرها من صنوف الأموال التي لا يوقف على تحديدها ومبلغها وذلك يوم الأحد لإحدى عشرة ليلة بقيت من المحرم سنة 312 ثم اعتراضه الحاج في بدأتهم سنة 313 في خمسمائة فارس وستمائة راجل أيضاً وظفره ببعضهم ورجوع الباقين إلى الكوفة ومدينة السلام ومصيره إلى الكوفة ومواقفته من كان بها من الأولياء الذي جردوا من الحضرة للقائه وهم جعفر بن ورقاء الشيباني وجنى الصفواني الخادم مولى ابن صفوان العقيلي وثمل الخادم الدلفي صاحب أنطاكية والثغور الشامية وطريف السبكري الخادم وإسحاق بن شروين السبكري وغيرهم من رؤساء الأجناد وهزيمته إياهم وقتله من قتل منهم وأسره جنياً الصفواني وغيره وذلك يوم الأحد لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ذي القعدة من هذه السنة ثم مسيره عن الكوفة إلى الإحساء بالذرية والثقلة وتسليمه البلد إلى إسماعيل بن يوسف بن محمد بن يوسف المعروف بالأخيضر صاحب اليمامة بن إبراهيم بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ومسير أبي القاسم يوسف بن أبي الساج عن واسط في عساكر للقائه وكان السلطان أشخصه عما كان يليه من الأعمال من بلاد آذربيجان وأرمينية وأران والبيلقان وغيرها ليستعد من واسط وينفذ إلى بلاد البحرين وكان مقيماً بواسط مستمداً إلى أن جاءه الخبر بمسير صاحب البحرين إلى الكوفة فخرج مبادراً له مسبقه أبو طاهر إليها ونزل الموضع المعروف بالخورنق وحازاها ونزل ابن أبي الساج في اليوم الثاني بالقرب منه في الموضع المعروف بين النهرين مما يلي القرية المعروفة بحروراء وإليها أضيفت الحرورية من الخوارج وأبو طاهر بينه وبين الكوفة فكانت الوقعة بينهم يوم السبت لتسع خلون من شوال سنة 315 فأسر ابن أبي الساد واصطلم عسكره وأتى على أكثر من ثلاثين ألف فارس وراجل مع تفرق كثير من أصحابه عنه في الطريق وتأخرهم عنه وصاحب البحرين في نحو من ألفين من المقاتلة أكثرهم رجالة ثم مسيره عن الكوفة حتى جاز الأنبار وقطع عدة من أصحابه الفرات إلى الجانب الشرقي فقتلوا من كان بالأنبار من القواد منهم المعروف بالحارثي وبرغوث وابن بلال ومحمد بن يوسف الخزري وغيرهم من الأولياء وذلك يوم الثلاثاء لثلاث خلون من ذي القعدة من هذه السنة وعقد على الفرات جسراً وخلف السواد والذرية وعبر في جريدة وخيل من أصحابه إلى الأنبار وسار عنها يريد الحضرة حتى انتهى إلى النهير المعروف بزبارا فوق التل المعروف بعقرقوف بفرسخ وذلك على بعض يوم من مدينة السلام وكان مؤنس الخادم نصر ونصر الحاجب المعروف بالقشوري وأبو الهيجاء عبد الله بن حمدان وقد كان أطلقه وغيره ممن سمينا أنه أسر معه قبل رحيله لمواقعة ابن أبي الساج وسائر من كان بالحضرة من عساكر السلطان معسكرين على هذا النهر فلما أحسوا بدنوه قطعوا القنطرة التي عليها وصار النهر حاجزاً بين الفريقين فشرع قوم من رجالته فرموا النشاب وذلك في اليوم الثاني عشر والثالث عشر من ذي القعدة من هذه السنة ورجع يريد الأنبار وبعث مؤنس غلامه يلبق في نحو من ثلاثة وقيل من سبعة آلاف على طريق قصر بن هبيرة من طريق الكوفة فعبروا على جسر الفرات المعروف بجسر سورا وساروا في البر ليخالفوه إلى سوداه. وقد كان قوم من الأولياء شرعوا في الماء فأحرقوا الجسر الذي عقده فحصل في الجانب وقيل إنه قطع الجسر عند عبوره وتأدى إليه خبر يلبق فعبر الفرات في زورق عشرة من أصحابه فيهم ثلاثة إخوة له وعبر خلق سباحة فسبق إلى سواده. وقتل أخواه أبو العباس الفضل وأبو يعقوب يوسف وكانا في السواد بن أبي الساج حين بلغهما قرب يلبق منهم فلقي يلبق. فأتى على أكثر من كان معه ونجا يلبق منكسراً. وذلك يوم الأربعاء لإحدى عشرة ليلة بقيت من ذي القعدة من هذه السنة. وسار إلى مدينة هيت في ثقله فنزل عليها وحصرها - وأنا يومئذ بها منحدراً من الشأم أريد مدينة السلام - وعبر أصحابه الذين كانوا في جانب الأنبار على أطواف اتخذوها في الموضع المعروف بفم بقة أسفل هيت فاجتمعوا منه فواقع أهل هيت يوم الأحد لثمان خلون من ذي الحجة من هذه السنة. وكان عبر إليها من المساء هارون بن غريب الخل وأبو العلاء سعيد بن حمدان ويونس غلام الأصمعي وغيرهم من الأولياء. فكان القتال بينهم فوق السور واحترقت له عدة دبابات. وعاد إلى معسكره وارتحل عنها يوم الاثنين صبيحة الوقعة إلى ناحية رحبة مالك بن طوق وارتفعت من معسكره نار عظيمة عند السحر قبل رحيله فظننا أنه يريد معاوية الحرب وإذا هو قد ضرب ثقلته بالنار لكثرة الذرية والثقلة وقلة الظهر وصار إلى الرحبة وعليها يومئذ أبو جعفر محمد بن عمرون التغلبي فافتتحها عنوة ونزلها وهي من الجانب الشأمي وقرقيسيا وهي من الجانب الخزري وبث منها السوارب إلى النواحي منها سرية إلى كفر توثا ورأس العين ونصيبين عليها الحسين بن علي بن سنبر الثقفي ومعاذ الأعرابي الكلابي فأوقعوا بالأعراب من تغلب والنمر وغيرهم من الحاضرة. وقد كان أنفذ سليمان الجلي قبل ذلك إلى كفر توثا لحمل الزاد والميرة إلى معسكره وكان من ذوي النسك منهم والدراية بمذهبهم. وقد كلمت غير واحد من دعاتهم وذوي المعرفة منهم فلم أر مثله دراية وتحصيلاً وتديناً بما هو عليه وحسن إتقان للسياسة التي تكون مع الدعاة. وكان أولاً مع أبي زكريا البحراني ثم صار مع أبي سعيد الجنابي وولده ووجه بسرية له في نحو ألفين وقيل دون ذلك إلى الرقة وهي على ثلاثين فرسخاً من الرحبة. وكان على السرية الحسين بن علي بن سنبر ومعاذ الكلابي أيضاً وكان نزولهما عليها يوم الأحد لثمان بقين من جمادى الأولى سنة 316 وأميرها نجم غلام جني الصفواني فكان القتال بينهم يوم الثلاثاء والأربعاء لخمس بقين من هذا الشهر وانصرفوا في آخر يوم الأربعاء وقد أصيب عدة من الفريقين الأكثر منهم من السرية راجعين إلى الرحبة. وأقام صاحب البحرين بالرحبة يروّي في نزول مدينة الرملة من بلاد فلسطين أو مدينة دمشق فيما حكي ثم عمل على الرجوع إلى بلده لأمور قد ذكرناها في غير هذا الموضع من أخبارهم فسار عن الرحبة في أول شعبان سنة 316 في البر والماء منحدراً في الفرات. وكان مقامه بالرحبة إلى أن خرج عنها نحواً من سبعة أشهر فنزل على هيت ثانية فقاتلهم قتلاً شديداً في الماء والبر ولم يكن معه في الأولى سفن ثم انحدر عليهم وسار إلى ناحية الكوفة والقادسية. وامتار واجتاز بظاهر البصرة وعاد إلى البحرين وذلك في آخر المحرم وأول صفر سنة 317 ثم سار إلى مكة فدخلها يوم الاثنين لسبع خلون من ذي الحجة من هذه السنة في ستمائة فارس وتسعمائة راجل وأميرها يومئذ محمد بن إسماعيل المعروف بابن مخلب بعد أن كان بها من الأولياء وغيرهم من عوام الناس من الحاج وغيرهم صافوه ثم انكشفوا من بين يديه عند قتل نطيف غلام ابن حاج. وكان من شحنة مكة وممن يعول عليه وأخذ الناس السيف وعاذوا بالمسجد والبيت. فاستحر القتل فيهم وعمهم. وقد تنوزع في عدة من قتل من الناس من أهل البلد وغيرهم من سائر الأمصار فمكثر ومقلل فمنهم من يقول ثلاثين ألفاً ومنهم من يقول دون ذلك وأكثر. وكل ذلك ظن وحسبان إذ كان لا يضبط وهلك في بطون الأودية ورؤوس الجبال والبراري عطشاً وضراً مالا يدركه الإحصاء واقتلع باب البيت الحرام. وكان مصفحاً بالذهب وأخذ جميع ما كان من البيت من المحاريب الفضة والجزع وغيره ومعاليق وما يزين به البيت من مناطق ذهب وأنازيرات ذهب وفضة وقلع الحجر الأسود مقدار موضعه ما يدخل فيه اليد إلى أقل من المرفق. وجرد البيت مما كان عليه من الكسوة. وحمل ذلك على خمسين جملاً إلا ما أصابه الدم عند عوذ الناس به فإنه ترك. وذلك يوم السبت لثلاث عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة 317. وكان مقامهم بمكة ثانية أيام يدخلونها غدوة ويخرجون منها عشياً يقتلون وينهبون ورحل عنها يوم السبت من هذا الشهر وعرضت له هذيل بن مدركة ابن إلياس بن مضر وهم رجالة في المضايق والشعاب والجبال وحاربوه حرباً شديداً بالنبل والخناجر ومنعوه من المسير واشتبهت عليهم الطرق فأقاموا بذلك ثلاثة أيام حائرين بين الجبال والأودية. وتخلص كثير من النساء والرجال المأسورين واقتطعت هذيل مما كان معهم ألوفاً كثيرة من الإبل والثقلة. وكان ثقلته على نحو مائة ألف بعير عليها أصناف المال والأمتعة إلى أن دله عبد أسود من عبيد هذيل يقال له زياد استأمن إليه على طريق سلكه فخرج عن المضايق وسار راجعاً إلى بلده. قال المسعودي: ونحن نذكر في أخبار الراضي فيما يرد من هذا الكتاب ما كان له من السرايا وكان مقتل الحسين بن منصور المعروف الحلاج من أهل مدينة البيضاء من أرض فارس لست بقين من ذي القعدة سنة 309 ضرب ألف سوط وقطعت يداه ورجلاه وضربت عنقه وأحرقت جثته وذلك في مجلس الشرط. على سور السجن المعروف بالمترف من هذا الجانب وكان يوماً عظيماً لمقالات حكيت عنه في الديانة كثر متبعوه عليها والمنقادون إليها وكان يظهر التصوف والتأله وقد ذكرنا فيما سلف من كتبنا ما صح عندنا من مذهبه وذكره في كتبه عند ذكرنا مقالات أرباب النحل ورؤساء الملل
وبويع القاهر محمد بن أحمد المعتضد ويكنى أبا منصور وأمه أم ولد تسمى قبول يوم الخميس لليلتين بقيتا من شوال سنة 320. ثم خلع وسملت عيناه يوم الأربعاء لخمس خلون من جمادى الأولى سنة 322 وله ست وثلاثون سنة وأشهر. ولم يسمل قبله أحد من الخلفاء وملوك الإسلام. وكانت خلافته سنة وستة أشهر وستة أيام وكان أبيض يعلوه حمرة مربوعاً حسن الجسم أعين وافر اللحية ألثغ شديد الإقدام على سفك الدماء أهوج محباً لجمع المال على قلته في أيامه قليل الرغبة في اصطناع الرجال غير مفكر في عواقب أموره راكباً ردعه واستوزر أبا علي محمد بن مقلة ثم جعفر محمد بن القاسم بن عبيد الله ثم أبا العباس أحمد بن عبيد الله الخصيبي. وكان نقش خاتمه القاهر بالله وقاضيه عمر بن محمد بن يوسف بن يعقوب وحاجبه علي بن يلبق وبدر الخرشني وفارس بن الزنداق ومحمد ابن ياقوت وسلامة المؤتمن المعروف بأخي نجح
وبويع الراضي محمد بن جعفر المقتدر ويكنى أبا العباس وأمه أم ولد تسمى ظلوم يوم الخميس لست ليال خلون من جمادى الأولى سنة 322 وتوفي بمدينة السلام يوم السبت لست عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة 329 وله اثنتان وثلاثون سنة وأشهر وكانت خلافته ست سنين وعشرة أشهر وعشرة أيام. وكان أسمر أعين مسنون الوجه خفيف العارضين دحداحاً نحيفاً جواداً محباً للأدب حسن الشعر شديد التضريب بين أوليائه لاستبدادهم بالأمور دونه وقصور يده عن تغيير ذلك فاستوزر محمد ابن علي بن مقلة وولده أبا الحسين علي بن محمد وكانا يخاطبان بالوزارة وتخرج الكتب بأسمائهما ثم استوزر أبا علي عبد الرحمن بن عيسى بن داود بن الجراح ثم أبا جعفر محمد بن القاسم الكرخي. ثم أبا القاسم سليمان بن الحسن بن مخلد بن الجراح ثم أبا الفتح الفضل بن جعفر بن الفرات ثم أبا عبد الله أحمد بن محمد البريدي ثم سليمان بن الحسن بن مخلد. وكان نقش خاتمه الراضي بالله وقاضيه عمر بن محمد بن يوسف ثم ابناه يوسف والحسن وحاجباه محمد بن ياقوت ثم مولاه ذكي ومما ذكر في أيامه من الحوادث العظيمة مسير القرمطي سليمان بن الحسن صاحب البحرين عن الإحساء لاعتراض الحاج في بدأتهم لموسم سنة 323 خرج لست بقين من شوال في تسعمائة فارس وتسعمائة راجل وقسم العسكر نصفين من الجابرية وهي من الإحساء على ثلاثة أيام فجعل على أحد النصفين أبا عبد الله الحسين بن علي بن سنبر ومعاذاً الكلابي فساروا قاصدين طريق مكة لطلب أول الحاج وقصد القرمطي القادسية لاستقبال القافلة الشمسية مع لؤلؤ غلام المتهشم فوقع ابن سنبر بالخوارزمية وغيرهم وكان رؤساءهم شاذان وابن حاتم وغيرهما بناحية زبالة والعقبة فأسرهما وغيرهما من أهل القوافل وقتل وذلك لسبع عشرة ليلة خلت من ذي القعدة من هذه السنة وانهزم الباقون راجعين يريدون العذيب ولا علم عندهم أن القرمطي أمامهم وسار لؤلؤ غلام المتهشم بالناس ولقيه القرمطي بالقادسية يوم الأربعاء لإحدى عشرة ليلة بقيت من ذي القعدة من هذه السنة. فقاتل لؤلؤ إلى أن نالته جراحات وانكشف أصحابه عنه وطرح نفسه بين القتلى. ودخل الكوفة في الليل مستخفياً واستولى أبو طاهر على تلك القافلة بأسرها وكان من انقضاض الكواكب ليلة الأربعاء التي كانت الوقعة في صبيحتها ما لم ير مثله في الإسلام والقرمطي حينئذ سائر من خفان يريد القادسية وبينهما ستة أميال. ورجع القرمطي مستقبلاً للمنهزمين من ابن سنبر الراجعين يريدون الكوفة فلقيه بالعذيب فاستأمنه قرة لقافلته وبذل عنها مالاً فأطلقه ولم يعرض له وأوقع بالباقي فقتل وسبى وصار إليه من صنوف الأموال والأمتعة ما لا يوقف على تحديده ولا يحاط بمبلغه. وكانت له بعد ذلك سريتان إلى الكوفة وناحية واسط في أيام الراضي أيضاً لم يلق فيهما حرباً أثر تأثيراً يذكر ولم يزل مقيماً بالإحساء من بلاد البحرين إلى أن توفي يوم الاثنين لسبع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان سنة 332 وله ثمان وثلاثون سنة لأن مولده في شهر رمضان سنة 4. وقتل أبوه أبو سعيد الجنابي سنة 300 وله يومئذ ست سنين وبقي العسكر تسع سنين إلى قال المسعودي: وقد أتينا فيما سلف من كتبنا على شرح هذه الحروب والوقائع وما كان من أخباره فيها وأخبار القرامطة البقلية بسواد الكوفة وغلبتهم عليها وذلك في سنة 316 والعلة في تسميتهم البقلية وهو اسم دياني عندهم وكان رؤساءهم مسعود بن حريث وعيسى بن موسى بن أخت عبدان بن الربيط الملقب قرميط والمعروف بابن أبي السيد وابن الأعمى وأبو الذر والجوهري وغيرهم. وكان جمهورهم بنو ذهل وبنو رفاعة وإيقاعهم ببني بن نفيس بناحية الطفوف وجنبلاء وتل فخار وهزيمتهم إياه واحتوائهم على عسكره ومواقعة هارون بن غريب الخال وصافي غلام نصر القشوري إياهم ومن قتل منهم وأسر ومن انضاف منهم إلى سليمان بن الحسن عبد رجوعه من هيت إلى بلد البحرين وكانوا يعرفون في عسكره بالأجميين لكنى أكثرهم الآجام والطفوف من أعمال الكوفة وأخبار الغلام المعروف بالذكرى من أبناء ملوك الأعاجم من بلاد صبهان ووروده إليهم في سنة 316 وتسيلم أبي طاهر الأمر إليه في سنة 319 وإجماعهم عليه وما رسم من الرسوم والمذاهب التي أخذهم بها وقتله لأبي حفص بن زرقان زوج أخت أبي طاهر. وكان يدعي الشريك وكان أكملهم عقلاً وأوسعهم علماً وأحسنهم أدباً وبني سلمان وغيرهم من وجوه العسكر وهم نحو من سبعمائة رجل وما أظهر في العسكر من المذاهب الشنيعة والسير القبيحة التي لم تعهد ولا عرفت في عسكر هؤلاء القوم منذ استولى أبو سعيد على هذه البلاد وولده وزوالها بزواله ورجوعهم عنها واعتذارهم عنها وما وقع عليها من التدبير إلى أن قتل فيما قيل. وعاد الأمر إلى أبي طاهر وغير ذلك من أخبار أصحاب الغرب وحروبهم ومن كان منهم باليمن واتفاق جميع من ذكرنا على سبب واحد وانقيادهم إليه وقولهم به وانتظارهم له وأخبار أبي سعيد الحسن بن بهرام الجنابي ونسبته واتصاله بملوك فارس ومكانه من هذه الدعوة وكيفية دخوله البحرين وما كان من أمره بالقطيف مع بني مسيار واتصاله ببادية بني كلاب وكان أبو زكريا البحراني دعاهم وما كان بين أبي سعيد وبين أبي زكريا وقبض أبي سعيد عليه وهلاكه في يده وفتحه سائر مدن البحرين وكان أهلها في نهاية العدة والقوة كالقطيف وكان بها علي بن مسمار وإخوته وهم من عبد القيس وقتله علياً والزارة وكان بها الحسن بن العوام من الأزد وصفوان وكان بها بنو حفصن وهم من عبد القيس أيضاً والظهران والإحساء وكان بها بنو سعد من تميم وجواثاً وكان بها العريان بن الهيثم الربعي وقد ذكره علي بن محمد المنتمي إلى أبي طالب صاحب الزنج الناجم بالبصرة عند ظهوره بالبحرين في تميم وكلاب ونمير وغيرهم وذلك قبل مصيره إلى البصرة وكان العريان أوقع بهم في عبد القيس وبني عامر بن صعصعة ومحارب بن خصفة بن قيس ابن عيلان وغيرهم وقعات متتابعات فأخرجه عن البحرين ونواحيها وقتل من أصحابه خلقاً كثيراً فلما وقع طرفه بالصمان على الطائر المعروف بالمكاء قال كلمته التي أولها: أيا طائر الصمان مالك مفرداً تأسيت بي أم عاق إلفك عائق فقال فيها: عدمت عتاق الخيل إن لم أزر بها عليها الكماة الدارعون البطارق عليها رجال من تميم وقصرها كليب بن يربوع الكرام الصادق وجثوتها سعد وفي جنباتها نمير وبيض من كلاب عواتق وإن لم أصبح عامراً ومحارباً بخطة خسف أو تعقني العوائق أيحسبني العريان أنسى فوارسي غداة نزال الردم والموت عالق وقال في كلمة أخرى يذكر عبد القيس: أتحسب عبد القيس أني نسيتها ولست بناسيها ولا تاركاً تبلى وهجر وكانت أعظم مدن البحر وكان بها عياش المحاربي وكان أعظمهم عدة وأشدهم شوكة ومواقعة أبي سعيد العباس بن عمرو الغنوي وقد جرده المعتضد للقائه من البصرة في السبخة المعروفة بافان وأفان ماء ونخل أراد العباس نزولها وذلك عند ارتحاله من الماء المعروف بالإعياء فسبقه أبو سعيد إلى الماء وطول هذه السبخة سبعة أميال وبينها وبين البصرة سبعة أيام وهي على يومين من ساحل البحر وهي القطيف وبين القطيف وبين البحر ميل ولها مدينة على الساحل يقال لها عنك وفيها يقول الراجز: طعن غلام لم يجئك بالسمك ولم يعلل بخياشيم عنك فلما توسط العباس السبخة بعث أبا سعيد فغور. ما وراءه من المياه وكانت في أعلى السبخة وهو طريق ضيق وأبو سعيد في سبعمائة فارس وراجل من كلاب وعقيل وبحرانيين والعباس في سبعة آلاف من الجند ومطوعة البصرة والبحرانيين الذين كانوا خلوا عن البحرين وغيرهم. فأسر العباس وأتى على أكثر من كان معه ولم ينج إلا الشريد وذلك في رجب من سنة 87. وما كان من سريته إلى صحار وهي قصبة عمان مرة بعد أخرى ودخوله إياها عنوة وبين البحرين وعمان مسيرة عشرة أيام رمال ودهاس وفي بعض المواضع ماء مالح وإلى بلاد الفلج وهي على ثلاثة أيام من اليمامة وإلى يبرين وهي من اليمامة على مثل ذلك أيضاً فأباد أهلها وكانت من أطيب بلاد الله وكثرها وأهلاً وعمائر ونخلاً وشجراً فلا أنبس بها إلى هذا الوقت وفيها يقول جرير فقلت للركب إذ جد المسير بنا يا بعد يبرين من باب الفراديس وسبب فتك الخادمين الصقلبيين الذي كان أخذهما حين واقع بدر المحلي وكان جاء من عمان في البحر لقتاله وكان اصطنعهما فقتلاه في الحمام في ذي القعدة سنة 300 وعدة من خواص أصحابه من القطيفين معه وهم حمدان وعلي ابنا سنبر وبشر وأبو جعفر ابنا نصير وهما خالا ولد أبي سعيد المعروف بابن جنان ومحمد بن إسحاق وكان مدة أبي سعيد مذ ظهرت دعوته بالقطيف وافتتح سائر مدن البحرين وآخرتها هجر إلى أن قتل سبعاً وعشرين سنة وقد ذكرنا في كتاب خزائن الدين وسر العالمين عند ذكرنا أرباب النحل ورؤساء الملل وما أحدثوه عن الآراء والمذاهب ما ذكره من خالف هذه الطائفة ورد عليهم وحكى عنهم وأن هذه الدعوة أحدثت بأصبهان سنة 360 وما الغرض بها والمقصد منها وتسليمهم ظاهر الشريعة وقولهم في تأويل معانيها وأمرهم المدعو عند أخذ العهد عليه بستر ما يكشفونه له من تأويل كتاب الله ومنهم من يقول للمدعو عند ذلك استر ما أكشفه لك من تأويل كتاب الله وتأويل التأويل وتبليغه إلى مراتب ينتهون به إليها يسمونها البلاغ وغير ذلك من دعواتهم ووجوه سياساتهم وأسرارهم في ذلك ورموزهم. وقد صنف متكلموا فرق الإسلام من المعتزلة والشيعة والمرجئة والخوارج والنابتة ممن تقدم كتباً في المقالات وغيرها من الرد على المخالفين كاليمان بن رئاب الخارجي وزرقان غلام إبراهيم بن سيار النظام ومحمد بن شبيب صاحب النظام أيضاً وعباد بن سلمان الصيمري صاحب هشام بن عمرو الفوطي صاحب أبي الهذيل محمد بن الهذيل العبدي العلاف البصري ومحمد بن عيسى بن غوث صاحب الحسين بن محمد النجار وأبي عيسى محمد ابن هارون الوراق وأحمد بن الحسن بن سهل المصمعي المعروف بابن أخي زرقان وغيرهم ممن شاهدناه كأبي علي محمد بن عبد الوهاب الجبائي في كتابه في الرد على أصحاب التناسخ والخرمية وغيرهم من أهل الباطن وأبي القاسم البلخي وأبي العباس عبد الله بن محمد الناشي والحسين بن موسى النوبختي في كتابه في الآراء والديانات وفي كتابه في الرد على الغلاة وغيرهم من الباطنية وأبي محمد عبد الله بن محمد الخالدي وأبي الحسن بن أبي بشر الأشعري البصري الكلابي وغير هؤلاء فلم يعرض أحد منهم بوصف مذاهب هذه الطائفة ورد عليهم آخرون مثل قدامة بن يزيد النعماني وابن عبدك الجرجاني وأبي الحسن ابن زكريا الجرجاني وأبي عبد الله محمد بنعلي بن رزام الطائي الكوفي وأبي جعفر الكلابي الرازي وغيرهم فكل يصف من مذاهبهم ما لا يحكيه الآخر مع إنكار هذه الطائفة حكاية من ذكرنا وتركهم الاعتراف بها ونحن فلم نقصد في كتابنا هذا حكاية مذاهبهم ولا الرد عليهم وكان مقتل محمد بن علي الشلمغاني الكاتب المعروف بابن أبي العزاقر يوم الثلاثاء غرة ذي القعدة سنة 322 فقطعت يداه ورجلاه وضربت عنقه وأحرق في مجلس الشرطة في الجانب الغربي لأمور ديانية أحدثها ومقالات فيما ذكر ذكرها وأظهرها كثر المستجيبون له إليها وقتل معه رجل من أتباعه يقال له ابن أبي عون ويعرف بابن النجم الكاتب مثل ذلك. وقد أتينا على ما ظهر من قوله وحكاه من هذا عن نفسه في رسالته المعروفة بالمذهبة وكتابه فيالوصية وكتاب الغيبة وكتاب التسليم وغير ذلك من كتبه في كتابنا في المقالات في أصول الديانات عند ذكرنا مذاهب الشيعة وغلاتهم.
وبويع المتقي إبراهيم بن المقتدر ويكنى أبا إسحاق وأمه أم ولد تسمى خلوب يوم الخميس لتسع بقين من شهر ربيع الأول سنة 329 وخلع وسملت عيناه يوم السبت لعشر ليال بقين من صفر سنة 333 وله ثلاثون سنة وأشهر وكانت خلافته ثلاث سنين وعشرة أشهر وعشرين يوماً وكان أبيض صافي اللون أشهل في شعره شقرة وهو حي إلى وقتنا هذا - وهو سنة 345 مكرم على ما ينمى إلينا من أخباره واستوزر سليمان بن الحسن بن مخلد ثم أبا الحسين أحمد بن محمد بن ميمون ثم أبا جعفر محمد بن القاسم الكرخي بعد أن دبر الأمور أبو الحسن علي بن عيسى بن داود بن الجراح وميسم الوزارة لأخيه عبد الرحمن بن عيسى ثم أبا إسحاق محمد بن أحمد القراريطي ثم أبا العباس أحمد بن عبد الله الأصبهاني ثم أبا الحسين علي بن محمد بن علي ابن مقلة وكان نقش خاتمه المتقي بالله وقاضيه المعروف بالخرقي وحاجبه سلامة مولاه المؤتمن المعروف بأخي نجح ثم بدر الخرشني ثم أحمد بن خاقان ومن الحوادث العظيمة التي كانت في أيامه في الملك مما لم يجر مثله على أحد من خلفاء بني العباس. دخول أبي الحسين البريدي إلى مدينة السلام في جيوشه في الماء وعلى الظهر يوم السبت لتسع بقين من جمادى الآخرة سنة 33 وهرب المتقي عن دار ملكه ومعه محمد بن رائق يريدان الموصل وانتهبت دار الخلافة وغيرها من دور الأولياء وانتهك الحريم بعد ممانعة عظيمة وحروب وقتل من الناس وغرق نحو من عشرة آلاف وقيل أكثر من ذلك
وبويع المستكفي عبد الله بن علي المكتفي ويكنى أبا القاسم وأمه أم ولد رومية تسمى غصن في الموضع المعروف بالبثق على نهر عيسى بإزاء القرية المعروفة بالسندية في الوقت الذي سملت فيه عينا المتقي وخلع يوم الخميس لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة 334 وسملت عيناه وله ثمان وقيل ثلاثة وأربعون سنة وأشهر وكانت خلافته سنة وشهرين وثمانية وعشرين يوماً. وكان أبيض اللون حسن الوجه صغير الفم بعارضه شيب وكان المدبر للأمور في أيامه أبو جعفر محمد بن شيرزاد كاتب توزون التركي وقد كان أبو الفرج أحمد بن محمد السامري خلع عليه ووزر سبعة وأربعين يوماً وهو آخر ثم الشيرازي أبو أحمد الفضل بن عبد الرحمن نفذت الكتب عنه باسمه ثم غلب ابن شيرزاد على الأمر وكان نقش خاتمه المستكفي بالله وقاضيه ابن أبي الشوارب وابن أبي موسى الهاشمي وحاجبه أحمد بن خاقان المفلحي.
وبويع المطيع الفضل بن جعفر المقتدر بالله ويكنى أبا القاسم وأمه أم ولد صقلبية تسمى مشعلة - يوم الخميس لثمان ليال بقين من جمادى الآخرة سنة 334. ولخمس سنين خلت من خلافته أعيد الحجر الأسود إلى موضعه من البيت الحرام في ذي الحجة سنة 339 وكان أخذه في سنة 317 على ما قدمنا في خلافة المقتدر في هذا الكتاب. وقد ذكرنا في كتاب مروج الذهب ومعادن الجوهر أخبار الحجر في الجاهلية ومن تداوله من الأمم من جرهم وإياد والعماليق وخزاعة وكم مرة أزيل من موضعه ثم رد إليه وغير ذلك من أخبار مكة والبيت الحرام. والغالب على أمر المطيع والقيم بتدبير الحضرة إلى هذا الوقت أحمد بن بويه الديلمي المسمى وزالت أكثر رسوم الخلافة والوزارة في وقتنا هذا وهو سنة 345 على ما ينمى إلينا من أخبارهم ويتصل بنا من أحوالهم لطول غيبتنا عن العراق ومقامنا بأرض مصر والشأم قال المسعودي أبو الحسن علي بن الحسين بن علي: ولم نعرض لوصف أخلاق المتقي والمستكفي والمطيع ومذاهبهم إذ كانوا كالمولى عليهم لا أمر ينفذ لهم. أما ما نأى عنهم من البلدان فتغلب على أكثرها المتغلبون واستظهروا بكثرة الرجال والأموال واقتصروا على مكاتبتهم بأمرة المؤمنين والدعاء لهم وأما بالحضرة فتفرد بالأمور غيرهم فصاروا مقهورين خائفين قد قنعوا باسم الخلافة ورضوا بالسلامة. وما أشبه أمور الناس بالوقت إلا بما كانت عليه ملوك الطوائف بعد قتل الإسكندر بن فيلبّس الملك داريوش وهو دارا بن دارا ملك بابل إلى ظهور أردشير بن بابك الملك كل قد غلب على صقعه يحامي عنه ويطلب الازدياد إليه مع قلة العمارة وانقطاع السبل وخراب كثير من البلاد وذهاب الأطراف وغلبة الروم وغيرهم من الممالك على كثير من ثغور الإسلام ومدنه وقد أتينا على شرح جميع ما ذكرنا في هذا الكتاب وإيضاحه وأخبار من ذكرنا والغرر من وما كان من الكوائن والهرج والأحداث في أعصارهم وغير ذلك من أخبار الشرق والغرب والشمال والجنوب وما كان فيها من الفتن والحروب في كتابنا في أخبار الزمان ومن أباده الحدثان من الأمم الماضية والأجيال الخالية والممالك الداثرة وفيما تلاه من الكتاب الأوسط وفي كتاب مروج الذهب ومعادن الجوهر وفي كتاب فنون المعارف وما جرى في الدهور السوالف وفي كتاب ذخائر العلوم وما جرى في سالف الدهور وفي نظم الجواهر في تدبير الممالك والعساكر وفي كتاب الاستذكار لما جرى في سالف الأعصار الذي كتابنا هذا تال له ومبني عليه. وغيرها من كتبنا. وأودعنا كتابنا هذا لمعاً من ذلك استذكاراً لما تقدم من كتبنا منبهين على ما سلف من تصنيفنا. وقد كان سلف لنا قبل تقرير هذه النسخة نسخة على الشطر منها وذلك في سنة 344 ثم زدنا فيها ما رأينا زيادته وكمال الفائدة به فالمعول من هذا الكتاب على هذه النسخة دون المتقدمة وكان فراغ علي بن الحسين بن علي المسعودي من تأليف هذا الكتاب بفسطاط مصر سنة 45 للهجرة في خلافة المطيع. والملك على الروم قسطنطين ابن لاون بن بسيل وهي سنة 1702 لبختنصر وسنة 1268 للإسكندر بن فيلبس الرومي وسنة 673 لأردشير بن بابك وسنة 24 ليزدجرد بن شهريار بن كسرى أبرويز آخر ملوك فارس والله ولي التوفيق.
|