الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
السابع: التبدّل بأزواجه؛ وسيأتي.الثامن: نكاح امرأة تكره صحبته.التاسع: نكاح الحرّة الكتابية.العاشر: نكاح الأمة.وحرّم الله عليه أشياء لم يحرمها على غيره تنزيهًا له وتطهيرًا.فحرّم الله عليه الكتابة وقول الشعر وتعليمه؛ تأكيدًا لحجته وبيانًا لمعجزته؛ قال الله تعالى: {وَمَا كُنتَ تَتْلُواْ مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} [العنكبوت: 48].وذكر النقاش أن النبيّ صلى الله عليه وسلم ما مات حتى كتب؛ والأوّل هو المشهور.وحرم عليه أن يمدّ عينيه إلى ما متّع به الناس؛ قال الله تعالى: {لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ} [الحجر: 88] الآية.وأما ما أحِلّ له صلى الله عليه وسلم فجملته ستة عشر: الأوّل: صَفِيّ المغنم.الثاني: الاستبداد بخمس الخمس أو الخمس.الثالث: الوصال.الرابع: الزيادة على أربع نسوة.الخامس: النكاح بلفظ الهبة.السادس: النكاح بغير ولِيّ.السابع: النكاح بغير صداق.الثامن: نكاحه في حالة الإحرام.التاسع: سقوط القَسْم بين الأزواج عنه؛ وسيأتي.العاشر: إذا وقع بصره على امرأة وجب على زوجها طلاقها؛ وحلّ له نكاحها.قال ابن العربي: هكذا قال إمام الحرمين، وقد مضى ما للعلماء في قصة زيد من هذا المعنى.الحادي عشر: أنه أعتق صفيّة وجعل عتقها صداقها.الثاني عشر: دخوله مكة بغير إحرام، وفي حقنا فيه اختلاف.الثالث عشر: القتال بمكة.الرابع عشر: أنه لا يورث.وإنما ذكر هذا في قسم التحليل لأن الرجل إذا قارب الموت بالمرض زال عنه أكثر ملكه، ولم يبق له إلا الثلث خالصًا، وبقي ملك رسول الله صلى الله عليه وسلم، على ما تقرّر بيانه في آية المواريث، وسورة مريم بيانه أيضًا.الخامس عشر: بقاء زوجيّته من بعد الموت.السادس عشر: إذا طلّق امرأة تبقى حرمته عليها فلا تُنكح.وهذه الأقسام الثلاثة تقدّم معظمها مفصلًا في مواضعها.وسيأتي إن شاء الله تعالى.وأبيح له عليه الصلاة والسلام أخذ الطعام والشراب من الجائع والعطشان، وإن كان من هو معه يخاف على نفسه الهلاك، لقوله تعالى: {النبي أولى بالمؤمنين مِنْ أَنْفُسِهِمْ}.وعلى كل أحد من المسلمين أن يَقِيَ النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه.وأبيح له أن يحمي لِنفسه.وأكرمه الله بتحليل الغنائم.وجعلت الأرض له ولأمته مسجدًا وطهورًا.وكان من الأنبياء مَن لا تصح صلاتهم إلا في المساجد.ونُصِر بالرُّعْب؛ فكان يخافه العدوّ من مسيرة شهر.وبُعث إلى كافة الخلق، وقد كان مَن قبله من الأنبياء يُبعث الواحد إلى بعض الناس دون بعض.وجُعلت معجزاته كمعجزات الأنبياء قبله وزيادة.وكانت معجزة موسى عليه السلام العصا وانفجارَ الماء من الصخرة.وقد انشق القمر للنبي صلى الله عليه وسلم، وخرج الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم.وكانت معجزة عيسى صلى الله عليه وسلم إحياء الموتى وإبراء الأكْمَه والأبرص.وقد سبّح الحصى في يد النبي صلى الله عليه وسلم، وحنّ الجِذع إليه؛ وهذا أبلغ.وفضّله الله عليهم بأن جعل القرآن معجزة له، وجعل معجزته فيه باقية إلى يوم القيامة، ولهذا جُعلت نبوَّته مؤبّدة لا تُنسخ إلى يوم القيامة.السابعة عشرة: قوله تعالى: {أَن يَسْتَنكِحَهَا} أي ينكحها، يقال: نَكَح واستنكح؛ مثل عَجِب واستعجب، وعجِل واستعجل.ويجوز أن يَردِ الاستنكاح بمعنى طلب النكاح، أو طلب الوطء.و{خَالِصَةً} نصب على الحال، قاله الزجاج.وقيل: حال من ضمير متصل بفعل مضمر دلّ عليه المضمر، تقديره: أحللنا لك أزواجك، وأحللنا لك امرأة مؤمنة أحللناها خالصة، بلفظ الهبة وبغير صداق وبغير ولِيّ.الثامنة عشرة: قوله تعالى: {مِن دُونِ المؤمنين} فائدته أن الكفار وإن كانوا مخاطبين بفروع الشريعة عندنا فليس لهم في ذلك دخول، لأن تصريف الأحكام إنما يكون فيهم على تقدير الإسلام.قوله تعالى: {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ في أَزْوَاجِهِمْ} أي ما أوجبنا على المؤمنين، وهو ألا يتزوّجوا إلا أربع نسوة بمهر وبيّنة ووَلِيّ.قال معناه أُبَيّ بن كعب وقتادة وغيرهما.التاسعة عشرة: قوله تعالى: {لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ} أي ضيق في أمر أنت فيه محتاج إلى السّعة، أي بيّنا هذا البيان وشرحنا هذا الشرح {لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ} ف{لكيلا} متعلق بقوله: {إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} أي فلا يضيق قلبك حتى يظهر منك أنك قد أثمت عند ربّك في شيء.ثم آنس تعالى جميع المؤمنين بغفرانه ورحمته فقال تعالى: {وَكَانَ الله غَفُورًا رَّحِيمًا}. اهـ.
.قال أبو السعود: {يا أيها الذين ءامَنُواْ إِذَا نَكَحْتُمُ المؤمنات ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ} أي تجامعوهنَّ وقُرئ تُماسوهنَّ بضمِّ التَّاءِ {فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ} بأيامٍ يتربصنَّ فيها بأنفسهنَّ {تَعْتَدُّونَهَا} تستوفونَ عددَها من عددتُ الدَّراهمَ فاعتدَّها، وحقيقتُه عدُّها لنفسِه وكذلك كِلتُه فاكتَالَهُ والإسنادُ إلى الرَّجالِ للدَّلالةِ على أنَّ العِدَّةَ حقُّ الأزواجِ كما أشعرَ به قولُه تعالى فما لَكُم وقُرئ تَعْتَدُونها على إبدالِ إحدى الدَّالينِ بالتَّاءِ أو على أنَّه من الاعتداءِ بمعنى تعتدُون فيها والخلوةُ الصَّحيحةُ في حكمِ المسِّ، وتخصيصُ المؤمناتِ مع عمومِ الحُكمِ للكتابياتِ للتنبيِه أنَّ المؤمنَ من شأنِه أنْ يتخَّيرَ لنطفتةِ ولا ينكحُ إلاَّ مؤمنةً وفائدةُ ثمَّ إزاحةُ ما عسى يُتوهَّم أنَّ تراخِيَ الطَّلاقِ ريثما تمكنُ الإصابةُ يؤثر في العِدَّةِ كما يُؤثر في النَّسبِ {فَمَتّعُوهُنَّ} أي إنْ لم يكُن مفروضًا لها في العقدِ فإن الواجبَ للمفروضِ لها نصفُ المفروض دُونَ المُتعةِ فإنها مستحبَّةٌ عندنَا في روايةٍ وفي أُخرى غيرُ مستحبَّةٍ {وَسَرّحُوهُنَّ} أخرجُوهنَّ من منازلِكم إذْ ليسَ لكُم عليهنَّ عَّدةٌ {سَرَاحًا جَمِيلًا} من غيرِ ضرارٍ ولا منعِ حقَ ولا مساغَ لتفسيرِه بالطَّلاقِ السُّنيِّ لأنَّه إنَّما يتسنَّى في المدخُولِ بهنَّ.{يا أيها النبى إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أزواجك اللاتى ءاتَيْتَ أُجُورَهُنّ} أي مهورهِنَّ فإنَّها أجورُ الأبضاعِ، وإيتاؤها إمَّا إعطاؤُها معجَّلةً أو تسميتُها في العقدِ، وأيًّا ما كانَ فتقييدُ الإحلالِ له عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ به ليسَ لتوقفِ الحلِّ عليه ضرورةَ أنَّه يصحُّ العقدُ بلا تسميةٍ ويجبُ مهرُ المثلِ أو المتعةُ على تقديرَيْ الدُّخولِ وعدمِه بل لإيثارِ الأفضلِ والأولى له عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ كتقييدِ إحلالِ المملوكةِ بكونِها مسْبيةً في قولِه تعالى: {وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاء الله عَلَيْكَ} فإنَّ المُشتراةَ لا يتحققُ بدءُ أمرِها وما جَرى عليها، وكتقييد القرائبِ بكونهنَّ مهاجراتٍ معه في قولِه تعالى: {وَبَنَاتِ عَمّكَ وَبَنَاتِ عماتك وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خالاتك اللاتى هاجرن مَعَكَ} ويحتملُ تقييدَ الحلِّ بذلكَ في حقِّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ خاصَّة «ويعضدُه قولُ أمِّ هانئ بنتِ أبي طالبٍ خطبني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فاعتذرتُ إليه فعذرَني» ثم أنزلَ الله هذه الآيةَ فلم أحِلَّ له لأنِّي لم أُهاجر معه كنتُ من الطُّلقاءِ {وامرأة مُّؤْمِنَةً} بالنَّصبِ عطفًا على مفعولِ أحللنَا إذْ ليسَ معناهُ إنشاءَ الإحلالِ النَّاجزِ بل إعلامَ مطلقِ الاحلالِ المنتظمِ لما سبقَ ولحقَ. وقُرئ بالرَّفعِ على أنَّه مبتدأٌ خبرُه محذوفٌ أي أحللناهَا لكَ أيضًا {إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِىّ} أي مَّلكتْه بُضعَها بأيِّ عبارةٍ كانتْ بلا مهٍر إنْ اتفقَ ذلك كما يُنبىء عنه تنكيرُها لكنْ لا مطلقًا بل عندَ إرادتِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ استنكاحَها كما نطقَ به قولُه عزَّ وجل: {إِنْ أَرَادَ النبى أَن يَسْتَنكِحَهَا} أي أنْ يتملَّكَ بُضعَها كذلكَ أي بلا مهرٍ فإنَّ ذلكَ جارٍ منه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ مَجرى القبولِ وحيثُ لم يكنُ هذا نصًَّا في كونِ تمليِكها بلفظِ الهبةِ لَم يصلُحْ أنّ يكونَ مَنَاطًا للخلافِ في انعقادِ النِّكاحِ بلفظِ الهبةِ إيحابًا أو سلبًا واختُلف في اتفاقِ هذا العقدِ فعنِ ابن عبَّاسٍ رضي الله عنُهما لم يكُن عندَه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ أحدٌ منهنَّ بالهبةِ وقيل: الموهوبات أربعٌ: ميمونةُ بنتُ الحارثِ وزينب بنتُ خُزيمةَ الأنصاريَّة وأمُّ شريكِ بنتُ جابر وخَوْلةُ بنتُ حكيم. وإبرادُه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ في الموضعينِ بعُنوان النُّبوةِ بطريقِ الالتفاتِ للتكرمةِ والإيذانِ بأنَّها المناطُ لثبوتِ الحُكمِ فيختصُّ به عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ حسب اختصاصها به كما بنطقُ به قولُه تعالى: {خَالِصَةً لَّكَ} أي خلصَ لك إحلالُها خالصةً أي خُلوصًا فإنَّ الفاعلةَ في المصادرِ غيرُ عزيزٍ كالعافيةِ والكاذبةِ أو خلصَ لك إحلالُ ما أحللنَا لكَ من المذكُوراتِ على القُيودِ المذكورةِ خالصةً. ومَعنى قولِه تعالى: {مِن دُونِ المؤمنين} على الأولِ أنَّ الإحلالَ المذكورَ في المادَّةِ المعهُودةِ غيرُ متحقِّقٍ في حقَّهم، وإنَّما المتحقِّقُ هناك الإحلالُ بمهرِ المثلِ وعلى النَّاني أنَّ إحلالَ الجميعِ على القُيودِ المذكورةِ غير متحقِّقٍ في حقِّهم، بل المتحقِّقُ فيه إحلالُ البعضِ المعدودِ على الوجهِ المعهودِ وقُرئ خالصةٌ بالرَّفعِ على أنَّه خبرُ مبتدأ محذوفٍ أي ذلك خلوصٌ لك وخصوصٌ أو هيَ أيْ تلك المرأةُ أو الهبةُ خالصةٌ لك لا تتجاوزُ المؤمنينَ حيثُ لاتحلُّ لهم بغيرِ مهرٍ ولا تصحُّ الهبةُ بل يجبُ مهر المثلِ.وقولُه تعالى: {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ} أي على المؤمنين {فِى أزواجهم} أي في حقِّهنَّ اعتراضٌ مقررٌ لما قبلَه من خلوصِ الإحلالِ المذكورِ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم وعدم تجاوزِه للمؤمنينَ ببيانِ أنَّه قد فُرض عليهم منْ شرائطِ العقدِ وحقوقِه ما لم يُفرضْ عليه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ تكرمةً له وتوسعةً عليهِ أي قد علمنَا ما ينبغِي أنْ يُفرض عليهم في حقِّ أزواجِهم {وَمَا مَلَكَتْ أيمانهم} وعلى أيِّ حدَ وأيِّ صفةٍ يحقُّ أن يُفرضَ عليهم ففرضنا ما فرضنا على ذلك الوجه وخصصناك ببعضِ الخصائصِ {لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ} أي ضيقٌ، واللامُ متعلقةٌ بخالصةٍ باعتبار ما فيها من معَنى ثبوتِ الإحلالِ وحصوله له عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لا باعتبارِ اختصاصه به عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ لأنَّ مدارَ انتفاءِ الحرجِ هو الأوَّلُ لا الثَّانِي الذي هُو عبارةٌ عن عدمُ ثبوتِه لغيرِه {وَكَانَ الله غَفُورًا} لما يعسرُ التَّحرزُ عنه {رَّحِيمًا} ولذلكَ وسَّع الأمرَ في مواقعِ الحَرَجِ. اهـ..قال الألوسي: {يا أيها الذين ءامَنُواْ إِذَا نَكَحْتُمُ المؤمنات ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا}.عود إلى ذكر النساء، والنكاح هنا العقد بالاتفاق واختلفوا في مفهومه لغة فقيل هو مشترك بين الوطء والعقد اشتراكًا لفظيًا، وقيل: حقيقة في العقد مجاز في الوطء، وقيل: بقلبه وقيل هو مشترك بينهما اشتراكًا معنويًا وهو من أفراد المشكل وحقيقته الضم والجمع كما في قوله:ونقل المبرد ذلك عن البصريين وغلام ثعلب الشيخ عمر والزاهد عن الكوفيين، ثم المتبادر من لفظ الضم تعلقه بالأجسام لا الأقوال لأنها أعراض يتلاشى الأول منها قبل وجود الثاني فلا يصادف الثاني ما ينضم إليه وهذا يقتضي كونه مجازًا في العقد، وإن اعتبر الضم أعم من ضم الجسم إلى الجسم والقول إلى القول جاز أن يكون النكاح حقيقة في كل من الوطء والعقد وجاز أن يكون مجازًا على التفصيل المعروف في استعمال العام في كل فرد من أفراده، واختار الراغب القول الثاني من الأقوال السابقة وبالغ في عدم قبول الثالث: فقال هو حقيقة في العقد ثم استعير للجماع ومحال أن يكون في الأصل للجماع ثم استعير للعقد لأن أسماء الجماع كلها كنايات لاستقباحهم ذكره كاستقباح تعاطيه ومحال أن يستعير من لا يقصد فحشًا اسم ما يستفظعونه لما يستحسنه.واختار الزمخشري الثالث فقال: النكاح الوطء وتسمية العقد نكاحًا لملابسته له من حيث أنه طريق له ونظيره تسمية الخمر إثمًا لأنها سبب في اقتراف الاثم، ولم يرد لفظ النكاح في كتاب الله تعالى إلا في معنى العقد لأنه في حق الوطء من باب التصريح به ومن آداب القرآن الكناية عنه بلفظ الملامسة والمماسسة والقربان والتغشي والاتيان، وأراد على ما قيل إنه في العقد حقيقة شرعية منسى فيه المعنى اللغوي، وبحث في قوله لم يرد لفظ النكاح في كتاب الله تعالى إلا في معنى العقد بأنه في قوله تعالى: {حتى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 0 3 2] بمعنى الوطء وهذا ما عليه الجمهور وخالف في ذلك ابن المسيب، وتمام الكلام في موضعه، والمس في الأصل معروف وكنى به هنا عن الجماع، والعدة هي الشيء المعدود وعدة المرأة المراد بها الأيام التي بانقضائها يحل لها التزوج أي يا أيها الذين آمنوا إذا عقدتم على المؤمنات وتزوجتموهن ثم طلقتموهن من قبل أن تجامعوهن فما لكم عليهن من عدة بإيام يتربصن فيها بأنفسهن تستوفون عددها على أن تعتدون مطاوع عد يقال عد الدراهم فاعتدها أي استوفى عددها نحو قولك كلته فأكتلته ووزنته فأتزنته أو تعدونها على أن افتعل بمعنى فعل، وإسناد الفعل إلى الرجال للدلالة على أن العدة حق الأزواج كما أشعر به قوله تعالى: {فَمَا لَكُمْ} واعترض بأن المذكور في كتب الفروع كالهداية وغيرها أنها حق الشرع ولذا لا تسقط لو اسقطها الزوج ولا يحل لها الخروج ولو أذن لها وتتداخل العدتان ولا تداخل في حق العبد وحق الولد أيضًا ولذا قال صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لامرىء مؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقى ماءه زرع غيره» وفرعوا على ذلك أنهما لا يصدقان في إبطالها باتفاقهما على عدم الوطء.وأجيب بأنه ليس المراد أنها صرف حقهم بل أن نفعها وفائدتها عائدة عليهم لأنها لصيانة مياههم والأنساب الراجعة إليهم فلا ينافي أن يكون للشرع والولد حق فيها يمنع إسقاطها ولو فرض أنها صرف حقهم يجوز أن يقال: إن عدم سقوطها بإسقاطهم لا ينافي ذلك إلا إذا ثبت أن كل حق للعبد إذا أسقطه العبد سقط وليس كذلك فإن بعض حقوق العبد لا تسقط بإسقاطه كالإرث وحق الرجوع الهبة وخيار الرؤية، ثم أن في الاستدلال بالحديث على أنها حق الولد تأملًا كما لا يخفى، وتخصيص المؤمنات من عموم الحكم للكتابيان للتنبيه على أن المؤمن شأنه أن يتخير لنطفته ولا ينكح إلا مؤمنة، وحاصله أنه لبيان الأخرى والأليق بعد ما فصل في البقرة نكاح الكتابيات، وفائدة المجيء بثم مع أن الحكم ثابت لمن تزوج امرأة وطلقها على الفور كثبوته لمن تزوجها وطلقها بعد مدة مديدة إزاحة ما عسى يتوهم أن تراخى الطلاق له ودخل في إيجاب العدة لاحتمال الملاقاة والجماع سرًا كما أن له دخلًا في النسب، ويمكن أن تكون الإشارة إلى التراخي الرتبى فإن الطلاق وإن كان مباحًا لا كراهة فيه على ما قيل لقوله تعالى: {لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النساء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 6 23] غير محبوب كالنكاح من حيث أنه يؤدي إلى قطع الوصلة وحل قيد العصمة المؤدي لقلة التناسل الذي به تكثر الأمة ولهذا ورد كما أخرج أبو داود وابن ماجه والحاكم والطبراني وابن عدي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما مرفوعًا «أبغض الحلال إلى الله الطلاق» ورواه البيهقي مرسلًا بدون ابن عمر بل قال العلامة ابن الهمام: الأصح حظره وكراهته إلا لحاجة لما فيه من كفران نعمة النكاح وللأخبار الدالة على ذلك، ويحمل لفظ المباح في الخبر المذكور على ما أبيح في بعض الأوقات أعني أوقات تحقق الحاجة المبيحة وهو ظاهر في رواية لأبي داود ما أحل الله شيئًا أبغض إليه من الطلاق، والفعل لا عموم له في الأزمان والحاجة المبيحة الكبر والريبة مثلًا وعدوا من المبيح عدم اشتهائها بحيث يعجز أو يتضرر بإكراهه نفسه على جماعها مع عدم رضاها بإقامتها في عصمته من غير وطء أو قسم.
|