الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الفوائد (نسخة منقحة)
.من صفات التوحيد: وهذه الآثار والطبوع التي تحصل فيه: منها ما يكون سريع الحصول سريع الزوال، ومنها ما يكون سريع الحصول بطيء الزوال، ومنها ما يكون بطيء الحصول سريع الزوال، ومنها ما يكون بطيء الحصول بطيء الزوال. ولكن من الناس من يكون توحيده كبيرا عظيما، ينغمر فيه كثير من تلك الآثار، ويستحيل فيه بمنزلة الماء الكثير الذي يخالطه أدنى نجاسة أو وسخ فيغتر به صاحب التوحيد الذي هو دونه، فيخلط توحيده الضعيف بما خلط به صاحب التوحيد العظيم الكثير توحيده، فيظهر من تأثيره فيه ما لم يظهر في التوحيد الكثير. وأيضا فإن المحل الصافي جدا يظهر لصاحبه مما يدنسه ما لا يظهر في المحل الذي لم يبلغ في الصفاء مبلغه فيتدراكه بالإزالة دون هذا فإنه لا يشعر به. وأيضا فإن قوة الإيمان والتوحيد إذا كانت قوية جدا أحالت المواد الرديئة وقهرتها بخلاف القوة الضعيفة. وأيضا فإن صاحب المحاسن الكثيرة والغامرة للسيئات ليسامح بما لا يسامح به من أتى مثل تلك السيئات وليست له مثل تلك المحاسن، كما قيل: وأيضا فإن صدق الطلب وقوة الإرادة وكمال الانقياد يحيل تلك العوارض والغواشي الغريبة إلى مقتضاه وموجبه، كما أن الكذب وفساد القصد وضعف الانقياد يحيل الأقوال والأفعال الممدوحة إلى مقتضاه وموجبه، كما يشاهد ذلك في الأخلاط الغالبة وإحالتها لصالح الأغذية إلى طبعها. .لا يجمع الله ذخائره في قلب فيه سواه: وبالجملة، فلا يرى الحياة إلا به ومعه، والموت والألم والهم والغم والحزن، إذا لم يكن معه، فهذا له جنتان: جنة في الدنيا معجلة، وجنة يوم القيامة. .الإنابة والاعتكاف: .من كلام الشيخ علي: وإن ركنت إلى العلم أوقفناك معه، وإن ركنت إلى المخلوقين وكلناك إليهم، ارضنا لك ربا نرضاك لنا عبدا. .الشهقة عند سماع القرآن: أحدها: أن يلوح له عند السماع درجة ليست له فيرتاح إليها فتحدث له الشهقة فهذه شهقة شوق. وثانيها: أن يلوح له ذنب ارتكبه فيشهق خوفا وحزنا على نفسه، وهذه شهقة خشية. وثالثها: أن يلوح له نقص فيه لا يقدر على دفعه عنه فيحدث له ذلك حزنا فيشهق شهقة حزن. ورابعها: أن يلوح له كمال محبوبه ويرى الطريق إليه مسدودة عنه فيحدث ذلك شهقة آسف وحزن. وخامسها: أن يكون قد توارى عنه محبوبه واشتغل بغيره فذكره السماع محبوبه، فلاح له جماله ورأى الباب مفتوحا والطريق ظاهرة، فشهق فرحا. وسرورا بما لاح له. وبكل حال: فسبب الشهقة قوة الوارد وضعف المحل عن الاحتمال. والقوة أن يعمل ذلك الوارد عمله داخلا ولا يظهر عليه، وذلك أقوى له وأدوم، فإنه إذا أظهره ضعف أثره وأوشك انقطاعه. هذا حكم الشهقة من الصادق، فإن الشاهق إما صادق وإما سارق وإما منافق. .أنواع الفكر: وهذه الأفكار تعلي همته وتحييها بعد موتها وسفولها وتجعله في واد والناس في واد. وبإزاء هذه الأفكار الأفكار الرديئة التي تجول في قلوب أكثر هذا الخلق كالفكر فيما لم يكلف الفكر فيه ولا أعطي الإحاطة به من فضول العلم الذي لا ينفع، كالفكر في كيفية ذات الرب وصفاته، مما لا سبيل للعقول إلى إدراكه. ومنها الفكر في الصناعات الدقيقة التي لا تنفع بل تضر، كالفكر في الشطرنج والموسيقى وأنواع الأشكال والتصاوير. ومنها الفكر في العلوم التي لو كانت صحيحة لم يعط الفكر فيها النفس كمالا ولا شرفا، كالفكر في دقائق المنطق والعلم الرياضي والطبيعي، وأكثر علوم الفلاسفة التي لو بلغ الإنسان غاياتها لم يكمل بذلك ولم يزك نفسه. ومنها الفكر في الشهوات واللذات وطرق تحصيلها، وهذا وإن كان للنفس فيه لذة لكن لا عاقبة له ومضرته في عاقبة الدنيا قبل الآخرة أضعاف مسرته. ومنها الفكر فيما لم يكن لو كان كيف كان يكون، كالفكر فيما إذا صار ملكا أو وجد كنزا أو ملك ضيعة ماذا يصنع وكيف يتصرف ويأخذ ويعطي وينتقم ونحو ذلك من أفكار السفل. ومنها الفكر في جزئيات أحوال الناس وما جراياتهم ومداخلهم ومخارجهم وتوابع ذلك من فكر النفوس المبطلة الفارغة من الله ورسوله والدار الآخرة. ومنها الفكر في دقائق الحيل والمكر التي يتوصل بها إلى أغراضه وهواه مباحة كانت أو محرمة. ومنها الفكر في أنواع الشعر وصروفه وفانينه في المدح والهجاء والغزل والمراثي ونحوها، فإنه يشغل الإنسان عن الفكر فيما فيه سعادته وحياته الدائمة. ومنها الفكر في المقدرات الذهنية التي لا وجود لها في الخارج ولا بالناس حاجة إليها ألبتة، وذلك موجود في كل علم حتى في علم الفقه والأصول والطب، فكل هذه الأفكار مضرتها أرجح من منفعتها، ويكفي في مضرتها شغلها عن الفكر فيما هو أولى به وأعود عليه بالنفع عاجلا وآجلا. .الطلب والصبر: وحسن الظن بالله لقاح الافتقار والاضطرار إليه، فإذا اجتمعا أثمرا إجابة الدعاء. والخشية لقاح المحبة، فإذا اجتمعا أثمرا امتثال الأوامر واجتناب المناهي. والصبر لقاح اليقين، فإذا اجتمعا أورثا الإمامة في الدين، قال تعالى: {وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون} سورة السجدة: الآية رقم: 24.وصحة الاقتداء بالرسول لقاح الإخلاص، فإذا اجتمعا أثمرا قبول العمل والاعتداد به. والعمل لقاح العلم، فإذا اجتمعا كان الفلاح والسعادة، وإن انفرد أحدهما عن الآخر لم يفد شيئا. والحلم لقاح العلم، فإذا اجتمعا حصلت سيادة الدنيا والآخرة وحصل الانتفاع بعلم العالم، وإن انفرد أحدهما عن صاحبه فات النفع والانتفاع. والعزيمة لقاح البصيرة، فإذا اجتمعا نال صاحبهما خير الدنيا والآخرة وبلغت به همته من العلياء كل مكان، فتخلف الكمالات إما من عدم البصيرة وإما من عدم العزيمة. وحسن القصد لقاح لصحة الذهن، فإذا فقدا فقد الخير كله، وإذا اجتمعا أثمرا أنواع الخيرات. وصحة الرأي لقاح الشجاعة، فإذا اجتمعا كان النصر والظفر، وإن فقدا فالخذلان والخيبة، وإن وجد الرأي بلا شجاعة فالجبن والعجز، وإن حصلت الشجاعة بلا رأي فالتهور والعطب، والصبر لقاح البصيرة، فإذا اجتمعا فالخير في اجتماعهما. قال الحسن: إذا شئت أن نرى بصيرا لا صبر له رأيته، وإذا شئت أن ترى صابرا لا بصيرة له رأيته، فإذا رأيت صابرا بصيرا فذاك. والنصيحة لقاح العقل، فكلما قويت النصيحة قوى العقل واستنار. والتذكر والتفكر كل منهما لقاح الآخر، إذا اجتمعا أنتجا الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة. والتقوى لقاح التوكل، فإذا اجتمعا استقام القلب. ولقاح أخذ أهبة الاستعداد للقاء قصر الأمل، فإذا اجتمعا فالخير كله في اجتماعهما والشر في فرقتهما. ولقاح الهمة العالية النية الصحيحة، فإذا اجتمعا بلغ العبد غاية المراد. .موقف العبد بين يدي الله: .لذة الآخرة أبقى: وإذا تقررت هذه القاعدة فلذة الآخرة أعظم وأدوم، ولذة الدنيا أصغر وأقصر، وكذلك ألم الآخرة وألم الدنيا، والمعول في ذلك على الإيمان واليقين، فإذا قوي اليقين وباشر القلب آثر الأعلى على الأدنى في جانب اللذة واحتمل الألم الأسهل على الأصعب، والله المستعان. .مناداة أيوب ربه: .دعاء يوسف: .وإن من شيء إلا عندنا خزائنه: .من أسرار التوحيد: العبد دائما متقلب بين أحكام الأوامر وأحكام النوازل، فهو محتاج بل مضطر إلى العون عند الأوامر، وإلى اللطف عند النوازل، وعلى قدر قيامه بالأوامر يحصل له من اللطف عند النوازل، فإن كمل القيام بالأوامر ظاهرا وباطنا ناله اللطف ظاهرا وباطنا، وإن قام بصورها دون حقائقها وبواطنها ناله اللطف في الظاهر وقل نصيبه من اللطف في الباطن. فإن قلت: وما اللطف الباطن؟ فهو ما يحصل للقلب عند النوازل من السكينة والطمأنينة وزوال القلق والاضطراب والجزع، فيستخذى بين يدي سيده ذليلا له مستكينا ناظرا إليه بقلبه ساكنا إليه بروحه وسره، قد شغله مشاهدة لطفه به عن شدة ما هو فيه من الألم، وقد غيبه عن شهود ذلك معرفته بحسن اختياره له وأنه عبد محض يجري عليه سيده أحكامه رضي أو سخط، فإن رضي نال الرضا وإن سخط فحظه السخط، فهذا اللطف الباطن ثمرة تلك المعاملة الباطنة يزيد بزيادتها وينقص بنقصانها. .محبة الله: فهذا معنى اتصال العمل بأمره ونهيه، وحقيقة زوال العلل الباعثة على الفعل والترك من الأغراض والحظوظ العاجلة، ويتصل التوكل والحب به بحيث يصير واثقا به سبحانه مطمئنا إليه راضيا بحسن تدبيره له غير متهم له في حال من الأحوال، ويتصل فقره وفاقته به سبحانه دون من سواه، ويتصل خوفه ورجاؤه وفرحه وسروره وابتهاجه به وحده، فلا يخاف غيره ولا يرجوه ولا يفرح به كل الفرح ولا يسر به غاية السرور. وإن ناله بالمخلوق بعض الفرح والسرور فليس الفرح التام والسرور الكامل والابتهاج والنعيم وقرة العين وسكون القلب إلا به سبحانه، وما سواه إن أعان على هذا المطلوب فرح به وسر به، وإن حجب عنه فهو بالحزن به والوحشة منه واضطراب القلب بحصوله أحق منه بأن يفرح به، فلا فرحة ولا سرور إلا به أو بما أوصل إليه أعان على مرضاته. وقد أخبر سبحانه أنه لا يحب الفرحين بالدنيا وزينتها، وأمر بالفرح بفضله ورحمته وهو الإسلام والإيمان والقرآن، كما فسره الصحابة والتابعون. والمقصود أن من اتصلت له هذه الأمور بالله سبحانه فقد وصل، وإلا فهو مقطوع عن ربه متصل بحظه ونفسه ملبس عليه في معرفته وإرادته وسلوكه. .النعم كلها من الله: والذنوب من خذلانه وتخليه عن عبده وتخليته بينه وبين نفسه، وإن لم يكشف ذلك عن عبده فلا سبيل له إلى كشفه عن نفسه فإذا هو مضطر إلى التضرع والابتهال إليه أن يدفع عنه أسبابها حتى لا تصدر منه، وإذا وقعت بحكم المقادير ومقتضى البشرية فهو مضطر إلى التضرع والدعاء أن يدفع عنه موجباتها وعقوباتها فلا ينفك العبد عن ضرورته إلى هذه الأصول الثلاثة، ولا فلاح له إلا بها: الشكر، وطلب العافية، والتوبة النصوح. ثم فكرت فإذا مدار ذلك على الرغبة والرهبة، وليسا بيد العبد بل بيد مقلب القلوب ومصرفها كيف يشاء، فإن وفق عبده بقلبه إليه وملأه رغبة ورهبة، وإن خذله تركه ونفسه ولم يأخذ بقلبه إليه ولم يسأله ذلك، وما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
|