الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: القول المفيد على كتاب التوحيد **
قوله: {وما قدروا}. الضمير يعود على المشركين، و{قدروا}: عظموا، أي: ما عظموا، أي: ما عظموا الله حق تعظيمه حيث أشركوا به ما كان من مخلوقاته. قوله: ويحتمل أن تكون للاستئناف، لبيان عظمة الله عز وجل، وهذا أقوي، لأنه يعم هذه الحال وغيرها. والقبضة: هي ما يقبض باليد، وليس المراد بها الملك كما قيل، نعم، لو قال: والأرض في قبضته، لكان تفسيرها بالملك محتملًا. قوله: "جميعًا". حال من الأرض، فيشمل بحارها وأنهارها وأشجارها وكل ما فيها، الأرض كلها جميعًا قبضته يوم القيامة، والسماوات على عظمها وسعتها مطويات بيمينه، قال الله عز وجل: قوله: {سبحانه وتعالى}. هذا تنزيه له عن كل نقص وعيب، ومما ينزه عنه هذه الأنداد، ولهذا قال: {وتعالى}، أي: ترفع. قوله: {عما يشركون}. أي: عن كل شرك يشركونه به، سواء جعلوا الخالق كالمخلوق أو العكس. عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: " جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فقال: يا محمد ! إنا نجد أن الله يجعل السماوات على إصبع، والأرضيين على إصبع، والشجر على إصبع، والثري على إصبع، وسائر الخلق على إصبع، فيقول: أنا الملك. فضحك النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حتى بدت نواجذه، تصديقًا لقول الحبر، ثم قرأ: قوله " حبر ". الحبر هو العالم الكثير العلم، والحبر يشابه البحر في اشتقاق الحروف، ولهذا كان العالم أحيانًا يسمي بالحبر وأحيانًا بالبحر. قوله: " إنا نجد ". أي: في التوراة. قوله: الجواب: ليس عنده في ذلك شك، ولما مر بهما مجزز المدجلي وهو من أهل القيافة وقد تغطيا بقطيفة لم يبد منهما إلا أقدامهما، فنظر إلى أقدامهما، فقال: إن الأقدام بعضها من بعض، فسر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ سرورًا عظيمًا حتى دخل على عائشة مسرورًا تبرق أسارير وجهه، وقال: قوله: " أصبع ". واحدة الأصابع، وهي مثلثة الأول والثالث، ففيها تسع لغات، والعاشر أصبوع، وفي هذا يقول الناظم: قوله: " أنا الملك ". هذه الجملة تفيد الحصر، لأنها اسمية معرفة الجزئين، ففي ذلك اليوم لا ملك لأحد، قال تعالى: وقوله: " الملك ". أي: ذو السلطان، وليس مجرد المتصرف بل هو المتصرف فيما يملك على وجه السلطة والعلو، وأما " المالك " فدون ذلك، ولهذا يمتدح نفسه تعالى بأنه الملك، وقوله تعالى: فملك الله تعالى متضمن لكمال السلطان والتدبير والملك، بخلاف غيره، فإن من ملوك الدنيا من يكون ملكًا لا يملك التصرف، ومنهم المالك وليس بملك. قوله: " حتى نواجذه ". أي ظهرت، ونواجذ: جمع ناجذ، وهو أقصي الأضراس. وهذا الضحك من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ تقرير لقول الحبر، ولهذا قال ابن مسعود: قوله: ثم قرأ: هذا معني الآية التي لا تحتمل غيره، وأن السماوات مطويات كطي السجل للكتب بيمينه، أي: يده تبارك وتعالى، لأن ذلك تفسيره ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وتفسيره في الدرجة الثانية من حيث الترتيب، لكنه كالقرآن في الدرجة الأولى من حيث القبول والحجة. وأما تفسير أهل التحريف، فيقول بعضهم: " قبضته "، أي: في قبضته وملكه وتصرفه، وهو خطأ، لأن الملك والتصرف كائن يوم القيامة وقبله. وقول بعضهم: " السماوات مطويات "، أي: تالفة وهالكة، كما تقول أنطوي ذكر فلان، أي: زال ذكره. و" بيمينه "، أى: بقسمه، لأنه قال تعالى: فيقال لهم: هل أنتم أعلم بالله من الله؟ إن قالوا: نعم، كفروا، وإن قالوا: لا، قلنا هل أنتم أفصح في التعبير عن المعاني من الله؟ إن قالوا: نعم، كفروا، وإن قالوا لا، خصموا، وقلنا لهم: إن الله بين ذلك أبلغ بيان بأن الأرض جميعًا قبضته يوم القيامة، والرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أقر الحبر على ما ذكر فيما يطابق الآية: وهل أنتم أنصح من الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لعباد الله؟ فسيقولن: لا. فإذا كان كلامه تعالى أفصح الكلام، وأصدقه، وأبينه، وأعلم بما يقول لزم علينا أن نقول مثل ما قال عن نفسه، ولسنا بمذنبين، بل الذنب على من صرف كلامه عن حقيقه التي أراده الله بها. * ومن فوائد الحديث: إثبات الأصابع لله عز وجل لإقراره ـ صلى الله عليه وسلم ـ هذا الحبر على ما قال. والإصبع إصبع حقيقي يليق بالله عز وجل، كاليد، وليس المراد بقوله: " علي إصبع " سهولة التصرف في السماوات والأرض، كما يقوله أهل التحريف، بل هذا خطأ مخالف لظاهر اللفظ والتقسيم، ولأنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أثبت ذلك بإقراره، ولقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: وقوله: " بين أصبعين " لا يلزم من البينية المماسة، ألا ترى قوله تعالى: فتبين بهذا أن هؤلاء المحرفين على ضلال، وأن من قال: إن طريقتهم أعلم وأحكم، فقد ضل. ومن المشهور عندهم قولهم: طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم، وهذا القول على ما فيه من التناقض قد يوصل إلى الكفر، فهو: أولًا: فيه تناقض، لأنهم قالوا طريقة السلف أسلم، ولا يعقل أن تكون الطريقة أسلم وغيرها أعلم وأحكم، لأن الأسلم يستلزم أن يكون أعلم وأحكم فلا سلامة إلا بعلم بأسباب السلامة وحكمة في سلوك هذه الأسباب. ثانيًا: أين العلم والحكمة من التحريف والتعطيل؟ ثالثًا: يلزم منه أن يكون هؤلاء الخالفون أعلم بالله من رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحاب، لأن طريقة السلف هي طريقة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه. رابعًا: أنها قد تصل الكفر، لأنها تستلزم تجهيل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتسفيهه، فتجهيله ضد العلم، وتسفيهه ضد الحكمة، وهذا خطر عظيم. فهذه العبارة باطلة حتى وإن أرادوا بها معني صحيحًا، لأن هؤلاء بحثوا وتعمقوا وخاضوا في أشياء كان السلف لم يتكلموا فيها، فإن خوضهم في هذه الأشياء هو الذين ضرهم وأوصلهم إلى الحيرة والشك، وصدق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين قال: وهذا من شدة ما وجدوا من الشك والقلق والحيرة، ولا تظن أن العقيدة الفاسدة يمكن أن يعيش الإنسان عليها أبدًا، لا يمكن أن يعيش الإنسان إلا على عقيدة سليمة، وإلا ابتلي بالشك والقلق والحيرة، وقد قال بعضهم: أكثر الناس شكًا عند الموت أهل الكلام، وما بالك والعياذ بالله بالشك عند الموت يختم للإنسان بضد الإيمان.
لكن لو أخذنا العقيدة من كتاب الله وسنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بسهولة وبما جري عليه السلف، ونقول كما قال الرازي وهو من علمائهم ورؤسائهم: رأيت أقرب الطرق طريقة القرآن: أقرأ في الإثبات: والحاصل أن هؤلاء المنكرين لما جاء في الكتاب والسنة من صفات الله عز وجل اعتمادًا على هذا الظن الفاسد أنها تقتضي التمثيل قد ضلوا ضلالًا مبينًا، فالصحابة رضي الله عنهم هل ناقشوا الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في هذا؟ والذي نكاد نشهد به إن لم نشهد به أنه حين يمر عليهم مثل هذا الحديث يقبلونه على حقيقته، لكن يعلمون أن الله لا مثل له، فيجمعون بين الإثبات وبين النفي. إذا موقفنا من هذا الحديث الذي فيه إثبات الأصابع لله عز وجل أن نقر به ونقبله، وأن لا نقتصر على مجرد إمراره بدون معني فنكون بمنزلة الأميين الذين لا يعلمون الكتاب إلا أماني، بل نقرؤه ونقول: المراد به أصبع حقيقي يجعل الله عليه هذه الأشياء الكبيرة، ولكن لا يجوز أبدًا أن نتخيل بأفهامنا أو أن نقول بألسنتنا: إنه مثل أصابعنا، بل نقول: الله أعلم بكيفية هذه الأصابع، فكما أننا لا نعلم ذاته المقدسة، فكذلك لا نعلم كيفية صفاته، بل نكل علمها إلى الله سبحانه وتعالى. وفي رواية لمسلم: وفي رواية للبخاري: قوله: " ثم يهزين ". أي: هزًا حقيقيًا، ليبين للعباد في ذلك الموقف العظيم عظمته وقدرته، وكان الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقرأ هذه الآية ويقبض أصابعه ويبسطها، فصار المنبر يتحرك ويهتز (3) لأنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يتكلم بهذا الكلام وقلبه مملوء بتعظيم الله تعالى. فإن قلت: هل نفعل أيدينا كما فعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؟ فالجواب: إن هذا يختلف بحسب ما يترتب عليه، فليس كل ما شاهد أو سمع يتقبل ذهنه ذلك بغير أن يشعر بالتمثيل، فينبغي أن نكف لأن هذا ليس بواجب حتى نقول: يجب علينا أن نبلغ كما بلغ الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالقول والفعل، أما إذا كنا نتكلم مع طلبة علم أو مع إنسان مكابر ينفي هذا ويريد أن يحول المعني إلى غير الحقيقة، فحينئذ نفعل كما فعل الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ. فلو قال قائل: إن الله سميع بصير، لكن قال: سميع بلا سمع وبصير بلا بصر، مع أن الرسول عليه الصلاة والسلام حين قرأ تعالى: وكذلك الذي ينكر حقيقة اليد ويقول: إن الله لا يقبض السماوات بيمينه، و معني قبضته، أي: في تصرفه، فهذا نقول له كما فعل الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ. فالمقام ليس بالأمر بالسهل، بل هو أمر صعب ودقيق للغاية، فإنه يخشي من أن يقع أحد في محذور كان بإمكانك أن تمسك عنه، وهذا هو فعل الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في جميع تصرفاته إذا تأملتها، حتى الأمور العملية قد يؤجلها إذا خاف من فتنة أو من شيء أشد ضررًا، كما أخر بناء الكعبة على قواعد إبراهيم خوفًا من أن يكون فتنة لقريش الذين أسلموا حديثًا (5). قوله: ولمسلم عن ابن عمر مرفوعًا: قوله: "ولمسلم عن ابن عمر مرفوعًا: " يطوي الله السماوات.. ". سبق معني هذا الحديث، وأن المراد بالطي الطي الحقيقي. قوله: "ثم يقول: أنا الملك". يقول ذلك ثناء علي نفسه سبحانه، وتنبيهًا على عظمته الكاملة وعلي ملكه الكامل، وهو السلطان، فهو مالك ذو سلطان، وهذه الجملة كلا جزأيها معرفة، وإذا كان المبتدأ والخبر كلاهما معرفة، فإن ذلك من طرق الحصر، أي: أنا الذي لي الملكية المطلقة والسلطان التام لا ينازعني فيهما أحد. قوله: " أين الجبارون؟ ". الأستفهام للتحدي، فيقول: أين الملوك الذين كانوا في الدنيا لهم السلطة والتجبر والتكبر على عباد الله؟ وفي ذلك الوقت يحشرون أمثال الذر يطأهم الناس بأقدامهم. قوله: " يطوي الأرضين السبع ". أشار الله في القرآن إلى أن الأرضين سبع، ولم يرد العدد صريحًا في القرآن، قال تعالى: قوله: " ثم يأخذهن بشماله ". كلمة (شمال) اختلف فيها الرواة، فمنهم من أثبتها، ومنهم من أسقطها، وقد حكموا على من أثبتها بالشذوذ، لأنه خالف ثقتين في روايتها عن ابن عمر. ومنهم من قال: إن ثقة ولكنه قالها من تصرفه. وأصل هذه التخطئة هو ما ثبت في "صحيح مسلم " أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ولكن إذا كانت لفظة "شمال محفوظة، فهي عندي لا تنافي " كلتا يديه يمين "، لأن المعني أن اليد الأخري ليست كيد الشمال بالنسبة للمخلوق ناقصة عن اليمني، فقال: " كلتا يديه يمين "، أي: ليس فيها نقص، ويؤيد هذا قوله في حديث آدم: وعلى كل، فإن يديه سبحانه اثنتان بلا شك، وكل واحدة غير الأخري، وإذا وصفنا اليد الأخري بالشمال، فليس المراد أنها أقل قوة من اليد اليمني، بل كلتا يديه يمين. والواجب علينا أن نقول: إن ثبتت عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فنحن نؤمن بها، ولا منافاة بينها وبين قوله: وروي عن ابن عباس، قال: قوله: " في كف الرحمن " هكذا ساقه المولف، والذي في ابن جرير " في يد الله ". ففيما ساقه المؤف إثبات الكف لله تعالى، إن كان السياق محفوظًا وإلا ففيه إثبات اليد. أما الكف فقد ثبت في أحاديث أخري صحيحة. قوله: " إلا كخردلة ". هي حبة نبات صغيرة جدًا، يضرب بها المثل في الصغر والقلة، وهذا يدل على عظمته سبحانه، وأنه سبحانه لا يحيط به شيء، والأمر أعظم من هذا التمثيل التقريبي، لأنه تعالى لا تدركه الأبصار ولا تحيط به الإفهام. وقال ابن جرير: حدثني يوسف، أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: حدثني أبي، قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: قال: وقال أبو ذر رضي الله عنه: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: قوله: " قال ابن جرير ". هو المفسر المشهور رحمه الله، وله تفسير أثري يعتمد فيه على الآثار، لكن آفته أنه لم يمحص هذه الآثار، وأتي بالصحيح والضعيف وما دون الضعيف أيضًا، وكأنه رحمه الله أراد أن يقيد هذا وجعل الحكم بالصحة والضعف موكولًا إلى القارئ، وربما كان يريد أن يرجع إليه مرة ثانية، ويمحصه، ولكن لم يتيسر ذلك. قوله: "ما السماوات السبع في الكرسي إلا كدراهم سبعة ألقيت في ترس ". الكرسي: موضع قدمي الله تعالى، هكذا قال ابن عباس رضي الله عنهما، والدراهم: جمع درهم، وهو النقد من الفضة، والترس: شيء من جلد أو خشب يحمل عند القتال يتقي به السيف والرمح ونحوهما. قوله: وهذا الحديث يدل على عظمته عز وجل، فيكون مناسبًا لتفسير الآية التي جعلها المؤلف ترجمة للباب. وعن ابن مسعود، قال: عن حماد بن سلمة عن عاصم عن زر عن عبد الله. ورواه بنحوه المسعودي عن عاصم عن أبي وائل عن عبد الله . قاله الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى، قال: (وله طرق) [ ] (2) قوله: "وعن ابن مسعود" . هذا الحديث على ابن مسود، لكنه من الأشياء التي لا مجال للرأي فيها، فيكون له حكم الرفع، لأن ابن مسعود رضى الله لم يعرف بالأخذ عن الإسرائيليات. قوله: " بين السماء الدنيا والتي تليها خمسمائة عام ". وعلى هذا تكون المسافة بين السماء الدنيا والماء أربعة آلاف سنة، وفي حديث آخر: فإن قيل: يرد على هذا ما ذكره المعاصرون اليوم من أن بيننا وبين بعض النجوم والمجرات مسافات عظيمة؟ يقال في الجواب: أنه إذا صحت الأحاديث عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فإنا نضرب بما عارضها عرض الحائط، لكن إذا قدر أننا رأينا الشيء بأعيننا، وأدركنا بأبصارنا وحواسنا، ففي هذه الحال يجب أن نسلك أحد أمرين: الأول: محاولة الجمع بين النص والواقع إن أمكن الجمع بينهما بأي طريق من طرق الجمع. الثاني: إن لم يمكن الجمع تبين ضعف الحديث، لأنه لا يمكن للأحاديث الصحيحة أن تخالف شيئًا حسيًا واقعًا أبدًا، كما قال شيخ الإسلام في كتابه " العقل والنقل ": " لا يمكن للدليلين القطعيين أن يتعارضا أبدًا، لأن تعارضها يقتضي إما رفع النقيضين أو جمع النقيضين، وهذا مستحيل، فإن ظن التعارض بينهما، فإما أن لا يكون الخطأ من الفهم، وإما إن يكون أحدهما ظنيًا والآخر قطعيًا ". فإذا جاء الأمر الواقع الذي لا إشكال فيه مخالفًا لظاهر شيء من الكتاب أو السنة، فإن ظاهر الكتاب يؤول حتى يكون مطابقًا للواقع، مثال ذلك قوله تعالى: والآية الثانية أشد إشكالًا من الآية الأولى، لأن الأولى يمكن أن نقول: المراد بالسماء العلو، ولكن الآية الثانية هى المشكلة جدًا، والمعلوم بالحس المشاهد أن القمر ليس في السماء نفسها، بل هو في فلك بين السماء والأرض. والجواب أن يقال: إن كان القرآن يدل على أن القمر مرصع في السماء كما يرصع المسمار في الخشبة دلالة قطعية، فإن قولهم: إننا وصلنا القمر ليس صحيحًا، بل وصلوا جرمًا في الجو ظنوه القمر. لكن القرآن ليس صريحًا في ذلك، وليست دلالته قطعية في أن القمر مرصع في السماء، فآية الفرقان قال الله فيها: وأما قوله: قوله: أ) علو الصفة، وهذا لا ينكره أحد ينتسب للإسلام، والمراد به كمال صفات الله، كما قال تعالى: ب) علو الذات، وهذا أنكره بعض المنتسبين للإسلام، فيقولون كل العلو الوارد المضاف إلى الله به علو الصفة، فيقولون في قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ولا شك أن هذا تحريف في النصوص وتعطيل في الصفات. والذين أنكروا علو الله بذاته انقسموا إلى قسمين: أ) من قال: إن الله بذاته في كل مكان، وهذا لا شك ضلال مقتض للكفر. ب) من قال: إنه لا فوق ولا تحت ولا يمين ولا شمال ولا متصل بالخلق ولا منفصل عن الخلق، وهذا إنكار محض لوجود الله والعياذ بالله، ولهذا قال بعض العلماء: لو قيل لنا: صفوا العدم، ما وجدنا أبلغ من هذا الوصف. ففروا من شيء دلت عليه النصوص والعقول والفطر إلى شيء تنكره النصوص والعقول والفطر. قوله: وعن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: قوله: " العباس " يقال: العباس، وعباس، و(أل) هنا لا تفيد التعريف، لأن عباس معرفة لكونه علمًا، لكنها للمح الأصل، كما يقال: الفضل: لفضله، والعباس لعبوسه على الأعداء، قال ابن مالك: قوله: " هل تدرون ". " هل ": استفهامية يراد بها أمران: أ) التشويق لما سيذكر. ب) التنبيه إلى ما سيلقيه عليهم، وهذا كقوله تعالى: وقوله تعالى: هذا تنبيه وتشويق على شيء من آيات الله الشرعية وهو الإيمان والعمل الصالح. وقوله: وقوله : واختلاف هذه المعاني بحسب القرائن والسياق، وإلا، فالأصل في الاستفهام أنه طلب العلم بالشيء. قوله: " كم ". استفهامية. قوله: " قلنا: الله ورسوله أعلم ". جاء العطف بالواو، لأن علم الرسول من علم الله، فهو الذي يعلمه بما لا يدركه البشر. وكذلك في المسائل الشرعية يقال: الله ورسوله أعلم، لأنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أعلم الخلق بشرع الله، وعلمه به من علم الله، وما قاله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الشرع فهو كقول الله وليس هذا كقوله: ومن هنا نعرف خطأ وجهل من يكتب على بعض الأعمال: قوله: " خمسمائة سنة ". الميم الثانية في خمسمائة مكسورة والألف لا ينطق بها. قوله: " وبين السماء السابعة والعرش بحر بين أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض ". وذلك خمسمائة سنة. قوله: " والله تعالى فوق ذلك ". هذا دليل على العلو العظيم لله عز وجل، وأنه سبحانه فوق كل شيء ولا يحبط به شيء من مخلوقاته، لا السماوات ولا غيرها، وعليه، فإنه سبحانه لا يوصف بأنه في جهة تحيط به، لأن ما فوق السماوات والعرش عدم، ليس هناك شيء حتى يقال: إن الله أحاط به شيء من مخلوقاته. ولهذا جاء في بعض كتب أهل الكلام يقولون: لا يجوز أن يوصف الله بأنه في جهة مطلقًا، وينكرون العلو ظنًا منهم أن إثبات الجهة يستلزم الحصر. وليس كذلك، لأننا نعلم أن ما فوق العرش عدم لا مخلوقات فيه، ما ثم إلا الله، ولا يحيط به شيء من مخلوقاته أبدًا. فالجهة إثباتها لله فيه تفصيل، أما إطلاق لفظها نفيًا وإثباتًا فلا نقول به، لأنه لم يرد أن الله في جهة، ولا أنه ليس في جهة، ولكن نفصل، فنقول: إن الله في جهة العلو، لأن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال للجارية: " أين الله؟ " وأين يستفهم بها عن المكان، فقالت: في السماء. فأثبتت ذلك، فأقرها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عليه، وقال وأهل التحريف يقولون: " أين " بمعني " من "، أي: من الله؟ قالت: في السماء، أي: هو من السماء، وينكرون العلو. وقد رد عليهم ابن القيم رحمه الله في كتبه ومنها " التونية " وقال لهم: اللغة العربية لا تأتي فيها " أين " بمعني، " من "، وفرق بين " أين و من ". فالجهة لله ليست جهة سفل، وذلك لوجوب العلو له فطرة وعقلًا وسمعًا، وليست جهة علو تحيط به، لأنه تعالى وسع كرسيه السماوات والأرض، وهو موضع قدميه، فكيف يحيط به تعالى شيء من مخلوقاته؟ ! فهو في جهة علو لا تحيط به، ولا يمكن أن يقال: إن شيئًا يحيط به، لأننا نقول: إن ما فوق العرش عدم ليس ثم إلا الله سبحانه، ولهذا قال: " والله تعالى فوق ذلك ". قوله: " وليس يخفي عليه شيء من أعمال بني آدم ". وقوله " أعمال " إن قرنت بالأقوال صار المراد بها: أعمال الجوارح، والأقوال للسان، وإن أفردت شملت أعمال الجوارح وأقوال اللسان وأعمال القلوب، وهي هنا مفردة، فتشمل كل ما يتعلق باللسان أو القلب أو الجوارح، بل أبلغ من ذلك أنه لا يخفي عليه شيء من أعمال بني آدم في المستقبل، فهو يعلم ما يكون فضلًا عما كان، قال تعالى: والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ صدر هذا الأمر بهل الدالة على التشويق والتنبيه من أجل أن يثبت عقيدة عظيمة، وهو أنه تعالى فوق كل شيء بذاته، وأنه محيط بكل شيء علمًا، لقوله: " وليس يخفى عليه شيء من أعمال بني آدم "، فإذا علمنا ذلك، أوجب لنا تعظيمه والحذر من مخالفته، لأنه فوقنا، فهو عال علينا، وأمره محيط بنا. وفي الحديث صفتان لله: ثبوتية، وهي العلو المستفاد من قوله: " والله فوق ذلك ". وسلبيه المستفاد من قوله: " ليس يخفي عليه شيء من أعمال بني آدم "، ولا يوجد في صفات الله عز وجل صفة سلبية محضة، بل صفاته السلبية التي هي النفي متضمنة لثبوت ضدها على وجه الكمال، فينفي عنه الخفاء لكمال علمه، وينفي عنه اللغوب لكمال قوته، وينفي عنه العجز لكمال قدرته، وما أشبه ذلك. فإذا نفي الله عن نفسه شيئًا من الصفات، فالمراد انتفاء تلك الصفة عنه لكمال ضدها، كما قال تعالى: وليس في صفات الله محض، لأن النفي المحض عدم لا ثناء فيه ولا كمال، بل هو لا شيء، ولأن النفي أحيانًا يرد لكون غير قابل له، مثل قولك: الجدار لا يظلم. وقد يكون نفي الذم ذمًا، كما في قوله: وقال آخر: يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة ومن إساءة أهل السوء إحسانا فنفي أن يكون يد في الشر، وبين أن ذلك لعجزهم عن الانتصار لأنفسهم، وتمني أن يكون له قوم خير منهم وأقوي. * فيه مسائل: الأولى: تفسير قوله تعالى: فيه مسائل: * الأولى: تفسير قوله تعالى: * الثانية: أن هذه العلوم وأمثالها باقية عند اليهود الذين في زمنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم ينكروها ولم يتأولوها. كأنه يقول: إن اليهود خير من أولئك المحرفين لها، لأنهم لم يكذبوها ولم يتأولوها. كأنه يقول: إن اليهود خير من أولئك المحرفين لها، لأنهم لم يكذبوها ولم يتأولوها، وجاء قوم من هذه الأمة، فقالوا: ليس لله أصابع، وإن المراد بها القدرة، فكأنه يقول: اليهود خير منهم في هذا وأعرف بالله. * الثالثة: أن الحبر لما ذكر للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ صدقه، ونزل القرآن بتقرير ذلك. ظاهر كلام المؤلف بقوله: " ونزل القرآن " أنه بعد كلام الحبر، وليس كذلك، لأنه في حديث ابن مسعود قال: ثم قرأ قوله: * الرابعة: وقوع الضحك من الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما ذكر الحبر هذا العلم العظيم. ففيه دليل على جواز الضحك في تقرير الأشياء، لأن الضحك يدل على الرضا وعدم الكراهة * الخامسة: التصريح بذكر اليدين، وأن السماوات في اليد اليمني والأرضين في الأخري. وقد ثبتت اليدان لله تعالى بالكتاب والسنة وإجماع السلف. وقوله: " في الأخري " لا يعني أنه ينفي ذكر الشمال لما ذكره في المسألة التالية، وهي * السادسة: التصريح بتسميتها الشمال. وقد سبق الكلام على ذلك. * السابعة: ذكر الجبارين والمتكبرين عند ذلك. ووجه ذكرهم أنه إذا كان لهم تجبر وتكبر الآن، فليقوموا بذلك. * الثامنة: قوله: " كخردلة في كف أحدهم ". يعني بذلك قوله في الحديث: * التاسعة: عظم الكرسي بالنسبة إلى السماء. حيث ذكر أنها بالنسبة للكرسي كدراهم سبعة ألقيت في ترس. * العاشرة: عظم العرش بالنسبة إلى الكرسي. لأنه جعل الكرسي كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض بالنسبة للعرش. * الحادية عشرة: أن العرش غير الكرسي والماء. ولم أر من قال: إن العرش هو الماء، لكن هناك من قال: إن العرش هو الكرسي، لحديث: وكذلك زعم بعض الناس أن الكرسي هو العلم، فقالوا في قوله تعالى: والصواب: أن الكرسي موضع القدمين، والعرش هو الذين استوي عليه الرحمن سبحانه، والعلم صفة في العلم صفة في العالم يدرك بها المعلوم. * الثانية عشرة: كم بين كل سماء إلى سماء. وهو خمسمائة عام. * الثالثة عشرة: كم بين السماء والكرسي. وهو خمسمائة عام. * الرابعة عشرة: كم بين الكرسي والماء. وهو خمسمائة عام. * الخامسة عشرة: أن العرش فوق الماء. وهي ظاهرة. * السادسة عشرة: أن الله فوق العرش. وهي ظاهرة. * السابعة عشرة: كم بين السماء والأرض. وهو خمسمائة عام. ? الثامنة عشرة: كثف كل سماء خمسمائة سنة. * التاسعة عشرة: أن البحر الذي فوق السماوات بين أسفله وأعلاه خمسمائة سنة. وقد سبق الكلام على جميع هذه المسائل بأدلتها. ويستفاد من أحاديث الباب: 1. أن الله لا يخفي عليه شيء من أعمال بني آدم. 2. التحذير من مخالفة الله عز وجل. والله أعلم، والحمد لله رب العالمين، وصلي الله وسلم على نبينا محمد، وأسال الله أن يختم لنا ولكم بالتوحيد، آمين.
|