الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
من كل عبل الشوى مسابق للنجم إذا هوى سامي التليل عريض ما تحت الشليل ممسوحة أعطافه بمنديل النسيم البليل من أحمر كالمدام تجلى على الندام عقب الفدام أتحف لونه بالورد في زمن البرد وحيي أفق محياه بكوكب السعد وتشوف الواصفون إلى عد محاسنه فأعيت على العد بحر يساجل البحر عند المد وريح تباري الريح عند الشد بالذراع الأشد حكم له مدير فلك الكفل باعتدال فضل القد وميزه قدره المميز عند الاستباق بقصب السباق عند اعتبار الحد وولد مختط غرته أشكال الجمال على الكمال بين البياض والحمرة ونقاء الخد وحفظ رواية الخلق الوجيه عن جده الوجيه ولا تنكر الرواية على الحافظ ابن الجد وأشقر أبي الخلق والوجه الطلق أن يحفر كأنما صيغ من العسجد وطرف بالدر وأنعل بالزبرجد ووسم في الحديث بسمة اليمن والبركة واختص بفلج الخصام عند اشتجار المعركة وانفرد بمضاعف السهام المنكسرة على الهام في الفرائض المشتركة واتصف فلك كفله بحركتي الإرادة والطبع من أصناف الحركة أصغى إلى السماء بأذن ملهم وأغرى لسان الصهيل - عند التباس معاني الهمز والتسهيل - ببيان المبهم وفتنت العيون من ذهب جسمه ولجين نجمه بالدينار والدرهم فإن انقض فرجم أو ريح لها حجم وإن اعترض فشفق لاح به للنجم نجم وأصفر قيد الأوابد الحرة وأمسك المحاسن وأطلق الغرة وسئل من أنت في قواد الكتائب وأولي الأخبار العجائب؟ فقال: أنا المهلب بن أبي صفرة نرجس هذه الألوان في رياض الأكوان تحثى به وجوه الحرب العوان أغار بنخوة الصاثل على معصفرات الأصائل فارتداها وعمد إلي خيوط شعاع الشمس عند جانحة الأمس فألحم منها حلته واسداها واستعدت عليه تلك المحاسن فما أعداها فهو أصيل تمسك بذيل الليل عرفه وذيله وكوكب يطلعه من الفتام ليله فيحسده فرقد الأفق وسهيله وأشهب تغشى من لونه مفاضة وتسربل منه لأمة فضفاضة قد احتفل زينه لما رقم بالنبال لجينه فهو الأشمط الذي حقه لا يغمط والدارع المسارع والأعزل الذارع وراقي الهضاب الفارع ومكتوب الكتيبة البارع وأكرم به من مرتاض سالك ومجتهد على غايات السابقين الأولين متهالك وأشهب يروي من الخليفة ذي الشيم المنيفة عن مالك وحباري كلما سابق وبارى استعار جناح الحبارى فإذا أعملت الحسبة قيل من هنا جاءت النسبة طرد النمر لما عظم أمره وأمر فنسخ وجوده بعدمه وابتزه الفروة ملطخة بدمه وكأن مضاعف الورد نثر عليه من طبقه أو الفلك لما ذهب الحلك مزج فيه بياض صبحه بحمرة شفقه وقرطاسي حقه لا يجهل متى ما ترقى العين فيه تسفل إن نزع عنه جله فهو نجم كله انفرد بمادة الألوان قبل أن تشوبها يد الأكوان أو تمزجها أقلام الملوان يتقدم الكتيبة منه لواء ناصع أو أبيض مناصع لبس وقار المشيب في ريعان العمر القشيب وأنصتت الآذان من صهيلة المطيل المطيب لما ارتدى بالبياض إلى نغمة الخطيب وإن تعتب منه للتأخير متعتب قلنا: الواو لا ترتب ما بين فحل وحرة وبهرمانة ودرة ويا الله من ابتسام غرة ووضوح يمن في طرة وبهجة للعين وقرة وإن ولع الناس بامتداح القديم وخصوا الحديث بفري الأديم وأوجف المتعصب وإن أبى المنصب مرتبة التقديم وطمح إلى رتبة المخدوم طرف الخديم وقورن المثري بالعديم وبخس في سوق الكسد الكيل ودجا الليل وظهره في فلك الأنصاف الميل لما تذوكرت الخيل فجيء بالوجيه والخطار والذائد وذي الخمار وداحس والسكب والأبجر وزاد الركب والجموح واليحموم والكميت ومكتوم والأعوج وحلوان ولاحق والغضبان وعفرز والزعفران والمحبر واللعاب والأغر والغراب وشعلة والعقاب والفياض واليعبوب والمذهب واليعسوب والصموت والقطيب وهيدب والصبيب وأهلوب وهداج والحرون وخراج وعلوى والجناح والأحوى ومجاح والعصا والنعامة والبلقاء والحمامة وسكاب والجرادة وخوصاء والعرادة فكم بين الشاهد والغائب والفروش والرغائب وفرق ما بين الأثر والعيان غني عن البيان وشتان بين الصريح والمشتبة ولله در القائل: والناسخ يختلف به الحكم وشر الدواب عند التفضيل بين هذه الدواب الصم البكم إلا ما ركبه نبي أو كان له يوم الافتخار وبرهان خفي ومفضل ما سمع على ما رأى غبي فلو أنصفت محاسنها التي وصفت لأقضمت حب القلوب علفا وأوردت ماء الشبيبة نطفا واتخذت لها من عذر الخدود الملاح عذر موشية وعللت بصفير الحان القيان كل عشية وأنعلت بالأهلة وغطيت بالرياض بدل الأجلة إلى الرقيق الخليق بالحسن الحقيق يسوقه إلى مثوى الرعاية روقه الفتيان رعاته ويهدي عقيقها من سبحه أشكالا تشهد للمخترع سبحانه بإحكام مخترعاته وقفت ناظر الاستحسان لا يريم لما بهره منظرها الوسيم وتخامل الظليم وتضاؤل الريم وأخرس مفوه اللسان وهو بملكات البيان الحفيظ العليم وناب لسان الحال عن لسان المقال عند الاعتقال فقال يخاطب المقام الذي أطلعت أزهارها غمائم جوده واقتضت اختيارها بركات وجوده: لو علمنا أيها الملك الأصيل الذي كرم منه الاجمال والتفصيل أن الثناء يوازيها لكلنا لك بكيلك أو الشكر يعادلها ويجازيها لتعرضنا بالوشل إلى نيل نيلك أو قلنا هي التي أشار إليها مستصرخ سلفك المستنصر بقوله:ادرك بخيلك حين شرق بدمعه الشرق وانهزم الجمع واستولى الفرق واتسع فيه - والحكم لله - الخرق ورأى أن مقام التوحيد بالمظاهرة على التثليث وحزبه الخبيث الأولى والأحق.والآن قد أغنى الله بتلك النية عن اتخاذ الطوال الردينية وبالدعاء من تلك المثابة الدينية إلى رب المنية وعن الجرد العربية في مقاود الليوث الأبية وجدد برسم هذه الهدية مراسيم العهود الودية والذمم الموحدية لتكون علامة على الأصل ومكذبة لدعوى الوقف والفصل وإشعارا بالألفة التي لا تزال ألفها ألف الوصل ولأمها حراما على النصل.وحضر بين يدينا رسولكم فقرر من فضلكم ما لا ينكره من عرف علو مقداركم وأصالة داركم وفلك إبداركم وقطب مداركم وأجبناه عنه بجهد ما كنا لنقنع من جناه المهتصر بالمقتضب المختصر ولا لنقابل طول طوله بالقصر لولا طرو الحصر.وقد كان بين الأسلاف - رحمة الله عليهما ورضوانه - ود أبرمت من أجل الله معاقده ووثرت للخلوص الجلي النصوص مضاجعه القارة ومراقده وتعاهد بالجميل يوجع لفقده فاقده أبى الله إلا أن يكون لكم الفضل في تجديده والعطف بتوكيده فنحن الآن لا ندري أي مكارمكم نذكر أو أي فواضلكم نشرح أو نشكر أمفاتحتكم التي هي في الحقيقة عندنا فتح أم هديتكم وفي وصفها للأقلام سبح ولعدو الإسلام بحكمة حكمتها كبح إنما نكل الشكر لمن يوفي في جزاء الأعمال البرة ولا يبخس مثقال الذرة ولا أدنى من مثقال الذرة ذي الرحمة الثرة والألطاف المتصلة المستمرة لا إله إلا هو.وإن تشوفتم إلى الأحوال الراهنة وأسباب الكفر الواهية بقدرة الله - الواهنة فنحن نطرفكم بطرفها ونطلعكم على سبيل الإجمال بطرفيها وهو أننا لما أعادنا الله من التمحيص إلى مثابة التخصيص من بعد المرام العويص كحلنا بتوفيق الله بصر البصيرة ووقفنا على سبيله مساعي الحياة القصيرة ورأينا كما نقل إلينا وكرر على من قبلنا وعلينا - أن الدنيا - وإن غر الغرور وأنام على سرر الغفلة السرور فلم ينفع الخطور على أجداث الأحباب والمرور - جسر يعبر ومتاع لا يغبط من حبي ولا يحبر إنما هو خير يخبر وأن الحسرة بمقدار ما على تركه يجبر وأن الأعمار أحلام وأن الناس نيام وربما رحل الراحل عن الخان وقد جلله بالأذى والدخان أو ترك به طيبا وثناء يقوم بعد للآتي خطيبا فجعلنا العدل في الأمور ملاكا والتفقد للثغور مسواكا وضجيع المهاد حديث الجهاد وأحكامه مناط الاجتهاد وقوله: {يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة} من حجج الاستشهاد وبادرنا رمق الحصون المضاعة وجنح التقية دامس وعواريها لا ترد يد لامس وساكنها بائس والأعصم في شعفاتها من العصمة يائس فزينا ببيض الشرفات ثناياها وأفعمنا بالعذب الفرات ركاياها وغشينا بالصفيح المضاعف أبوابها واحتسبنا عند موفي الأجور ثوابها وبيضنا بناصع الكلس أثوابها فهي اليوم توهم حس العيان أنها قطع من بيض العنان وتكاد تناول قرص البدر بالبنان متكفلة للمؤمنين من فزع الدنيا والآخرة بالأمان وأقرضنا الله قرضا وأوسعنا مدونة الجيش عرضا وفرضنا إنصافه مع الاهلة فرضا واستندنا من التوكل على الله الغني الحميد إلى ظل لواء ونبذنا إلى الطاغية عهده على سواء وقلنا: ربنا أنت العزيز وكل جبار لعزك ذليل وحزبك هو الكثير وما سواه قليل أنت الكافي ووعدك الوعد الوافي فأفض علينا مدارع الصابرين واكتبنا من الفائزين بحظوظ رضاك الظافرين وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين.فتحركنا أول الحركات وفاتحة مصحف البركات في خف من الحشود واقتصار على ما بحضرتنا من العساكر المظفرة والجنود إلى حصن آشر البازي المطل وركاب العدو الضال المضل ومهدي نفثات الصل على امتناعه وارتفاعه وسمو يفاعه وما بذل العدو فيه من استعداده وتوفير أسلحته وأزواده وانتخاب أنجاده فصلينا بنفسنا ناره وزاحمنا عليه الشهداء نصابر أواره ونلقى بالجوارح العزيزة سهامه المسمومة وجلا مده الملمومة وأحجاره حتى فرعنا بحول من لا حول ولا قوة إلا به - أبراجه المنيعة وأسواره وكففنا عن البلاد والعباد أضراره بعد أن استضفنا إليه حصن السهلة جاره ورحلنا عنه بعد أن شحناه رابطة وحامية وأزوادا نامية وعملنا بيدنا في رم ما ثلم القتال وبقر من بطون مسابقة الرجال واقتدينا بنبينا - صلوات الله عليه وسلامه - في الخندق لما حمى ذلك المجال ووقع الارتجاز المنقول حديثه والارتجال وما كان ليقر للإسلام مع تركه القرار وقد كثب الجوار وتداعى الدعرة وتعاوى الشرار.وقد كنا أغرينا من بالجهة الغربية من المسلمين بمدينة برغه التي سدت بين القاعدتين رندة ومالقة الطريق وألبست ذل الفراق ذلك الفريق ومنعتهما أن يسيغا الريق فلا سبيل إلى الإلمام لطيف المنام إلا في الأحلام ولا رسالة إلا أجنحة هدل الحمام فيسر الله فتحها وعجل منحها بعد حرب انبتت فها النحور وتزينت الحور وتبع هذه الأم بنات شهيرة وبقع للزرع والضرع خيرة فشفي الثغر من بوسه وتهلل وجه الإسلام بتلك الناحية الناجية بعد عبوسة.ثم أعملنا الحركة إلى مدينة إطريرة على بعد المدى وتغلغلها في بلاد العدا واقتحام هول الفلا وغول الردى مدينة تبنتها حمص فأوسعت الدار وأغلت الشوار وراعت الاستكثار وبسطت الاعتمار رجح لدينا قصدها على البعد والطريق الجعد ما أسفت به المسلمين من اسئصال طائفة من أسراهم مروا بها آمنين وبطائرها المشئوم متيمنين قد أنهكهم الاعتقال والقيود الثقال وأضرعهم الأسار وجللهم الإنكسار فجدلوهم في مصرع واحد وتركوهم عبرة للرائي والمشاهد وأهدوا بوقيعتهم إلى الإسلام ثكل الواجد وترة الماجد فكبسناها كبسا وفجأناها بإلهام من لا يضل ولا ينسى وصبحتها الخيل ثم تلاحق الرجل لما جن الليل وحاق بها الويل فأبيح منها الذمار وأخذها الدمار ومحقت من مصانعها البيض الأهلة وخسفت الأقمار وشفيت من دماء أهلها الضلوع الحرار وسلطت على هياكلها النار واستولى على الآلاف العديدة من سبيها وانتهى إلى إشببلية الثكلى المغار فجلل وجوه من بها من كبار النصرانية الصغار واستولت الأيدي على ما لا يسعه الوصف ولا تقله الأوقار وعدنا والأرض تموج سبيا لم نترك بعفرين شبلا ولا بوجرة ظبيا والعقائل حسرى والعيون يبهرها الصنع الأسرى وصبح السرى قد حمد من بعد المسرى فسبحان الذي أسرى ولسان الحمية ينادي في تلك الكنائس المخربة والنوادي: يا لثارات الأسرى!ولم يكن إلا أن نفلت الأنفال ووسمت بالأوضاح الأغفال وتميزت الهوادي والأكفال وكان إلى غزو مدينة جيان الاحتفال قدنا الله الجرد تلاعب الظلال نشاطا والأبطال تقتحم الأخطار رضى بما عند الله واغتباطا والمهندة الدلق تسبق إلى الرقاب استلالا واختراطا واستكثرنا من عدد القتال احتياطا وأزحنا العلل عمن أراد جهادا منجيا غباره من دخان جهنم ورباطا ونادينا الجهاد! الجهاد! يا أمة الجهاد! راية النبي الهادي! الجنة تحت ظلال السيوف الحداد! فهز النداء إلى الله تعالى كل عارم وغامر وائتمر الجم من دعوى الحق إلى أمر آمر وأتى الناس من الفجوج العميقة رجالا وعلى كل ضامر وكاثرت الرايات أزهار البطاح لونا وعدا وسدت الحشود مسالك الطريق العريضة سدا ومد بحرها الزاخر مدا فلا يجد لها الناظر ولا المناظر حدا.وهذه المدينة هي الأم الولود والجنة التي في النار لسكانها من الكفار الخلود وكرسي الملك ومجنبة الوسطى من السلك باءت بالمزايا العديدة ونجحت وعند الوزان بغيرها من أمات البلدان رجحت غاب الأسود وجحر الحيات السود ومنصب التماثيل الهائلة ومعلق النواقيس المصلصلة.فأدنينا إليها المراحل وعنينا ببحار المحلات المستقلات منها الساحل ولما أكثبنا جوارها وكدنا نلتمح نارها تحركنا إليها ووشاح الأفق المرقوم بزهر النجوم قد دار دائره والليل من خوف الصباح على سطحه المستباح قد شابت غدائره والنسر يرفرف باليمن طائره والسماك الرامح يثأر بعز الاسلام ثائره والنعائم راعدة فرائص الجسد من خوف الأسد والقوس يرسل سهم السعادة بوتر العادة إلى أهداف النعم المعادة والجوزاء عابرة نهر المجرة والزهرة تغار من الشعري العبور بالضرة وعطارد يسدي في حبل الحروب على البلد المحروب ويلحمه ويناظر على أشكالها الهندسية فيفحمه والأحمر يبهر ويعلمه الأبيض يغري وينهر والمشتري يبديء في فضل الجهاد ويعيد ويزاحم في الحلقات على ما للسعادة من الصفقات ويزيد وزحل عن الطالع منزحل وعن العاشر مرتحل وفي زلق السعود وحل والبدر يطالع حجر المنجنيق كيف يهوي إلى النيق ومطلع الشمس يرقب وجدار الأفق يكاد بالعيون عنها ينقب.ولما فشا سر الصباح واهتزت أعطاف الرايات بتحيات مبشرات الرياح أطلننا عليه إطلال الأسود على الفرائس والفحول على العرائس فنظرنا منظرا يروع بأسا ومنعة ويروق وضعا وصنعة تلفعت معاقله الشم للسحاب ببرود ووردت من غدر المزن في برود وأشرعت لاقتطاف أزهار النجوم والذراع بين النطاق معاصم رود وبلدا يحيي الماسح والذارع وينظم المحاني والأجارع فقلنا: اللهم نفله أيدي عبادك وأرنا فيه آية من آيات جهادك ونزلنا بساحتها العريضة المتون نزول الغيث الهتون وتيمنا من فحصها بسورة {التين والزيتون} متبرئة من أمان الرحمان للبلد المفتون وأعجلنا الناس بحمية نفوسهم النفيسة وسجية شجاعتهم البئيسة عن أن تبوأ للقتال المقاعد وتدني بأسماع شهير النفير منهم الأباعد وقبل أن يلتقي الخديم بالمخدوم ويركع المنجنيق ركعتي القدوم فدفعوا من أصحر إليهم من الفرسان.وسبق إلى حومة الميدان حتى أحجروهم في البلد وسلبوهم لباس الجلد في موقف يذهل الوالد عن الولد صابت السهام فيه غماما وطارت كأسراب الحمام تهدى حماما واضحت القنا قصدا بعد أن كانت شهابا رصدا وماج بحر القتام بأمواج النصول وأخذ الأرض الرجفان لزلزال الصياح الموصول فلا ترى إلا شهيدا تظلل مصرعه الحور وصريعا تقذف به إلى الساحل تلك البحور ونواشب تبأى بها الوجوه الوجيهة عند الله والنحور فالمقضب فوده يخضب والأسمر غصنه يستثمر والمغفر حماه يخفر وظهور القسي تقصم وعصم الجند الكوافر تفصم وورق اليلب في المنقلب يسقط والبيض تكتب والسمر تنقط فاقتحم الربض الأعظم لحينه وأظهر الله لعيون المبصرين والمستبصرين عزة دينه وتبرأ الشيطان من خدينه ونهب الكفار وخذلوا وبكل مرصد جدلوا ثم دخل البلد بعده غلابا وجلل قتلا واستلابا فلا تسل إلا الظبا والأسل عن قيام ساعته وهول يومها وشناعته وتخريب المبائت والمباني وغنى الأيدي من خزائن تلك المغاني ونقل الوجود الأول إلى الوجود الثاني وتخارق السيف فجاء بغير المعتاد ونهلت القنا الردينية من الدماء حتى كادت تورق كالأغصان المغترسة والأوتاد وهمت أفلاك القسي وسحت وأرنت حتى بحت ونفدت موادها فشحت مما ألحت وسدت المسالك جثث القتلى فمنعت العابر واستأصل الله من عدوه الشأفة وقطع الدابر وأزلف الشهيد وأحسب الصابر وسبقت رسل الفتح الذي لم يسمع بمثله في الزمن الغابر تنقل البشرى من أفواه المحابر إلى آذان المنابر.أقمنا بها أياما نعقر الأشجار ونستأصل بالتخريب الوجار ولسان الانتقام من عبدة الأصنام ينادي: يا لثارات الإسكندرية تشفيا من الفجار ورعيا لحق الجار وقفلنا وأجنحة الرايات برياح العنايات خافقة وأوفاق التوفيق الناشئة من خطوط الطريق موافقة وأسواق العز بالله نافقة وحملاء الرفق مصاحبة - والحمد لله مرافقة وقد ضاقت ذروع الجبال عن أعناق الصهب السبال ورفعت على الأكفال ردفاء كرائم الأنفال وقلقلت من النواقيس أجرام الجبال بالهندام والاحتيال وهلك بمهلك هذه الأم هذه الأم بنات كن يرتضعن ثديها الحوافل ويستوثرن حجرها الكافل شمل التخريب أسوارها وعجلت النار بوارها.ثم تحركنا بعدها حركة الفتح وأرسلنا دلاء الأدلاء قبل المتح فبشرت بالمنح وقصدنا مدينة أبدة وهي ثانية الجناحين وكبرى الأختين ومساهمة جيان في حين الحين مدينة أخذت عرض الفضاء الأخرق وتمشت فيه أرباضها تمشي الكتابة الجامحة في المهرق المشتملة على المتاجر والمكاسب والوضع المتناسب والفلح المعيي ريعه عمل الحاسب وكوارة الدبر اللاسب المتعددة اليعاسب فأناخ العفاء بربوعها العامرة ودارت كؤوس عقار الحتوف ببنان السيوف على متديريها المعاقرة وصبحتها طلائع الفاقرة وأغريت ببطون أسوارها عوج المعاول الباقرة ودخلت مدينتها عنوة السيف في أسرع من خطرة الطيف ولا تسأل عن الكيف فلم يبلغ العفاء من مدينة حافلة وعقيلة في حلل المحاسن رافلة ما بلغ من هذه البائسة التي سجدت لآلهة النيران أبراجها وتضاءل بالرغام معراجها وضفت على أعطافها ملابس الخذلان وأقفر من كنائسها كناس الغزلان.
|