الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»
.تفسير الآية رقم (53): {وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (53)}{والمؤتفكة} هي قرى قوم لوط سميت بذلك لأنها ائتفكت بأهلها أي انقلبت بهم، ومنه الإفك لأنه قلب الحق، وجوز أن يراد بالمؤتفكة كل ما انقلبت مساكنه ودثرت أماكنه.وقرأ الحسن والمؤتفكات جمعًا {أهوى} أي أسقطها إلى الأرض بعد أن رفعها على جناح جبيريل عليه السلام إلى السماء، وقال المبرد: جعلها تهوى.والظاهر أن أهوى ناصب للمؤتفكة وأخر العامل لكونه فاصلة، وجوز أن يكون المؤتفكة معطوفًا على ما قبله و{أهوى} مع فاعله جملة في موضع الحال بتقدي قد، أو بدونه توضح كيفية إهلاكهم..تفسير الآية رقم (54): {فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى (54)}{فغشاها مَا غشى} فيه تهويل للعذاب وتعميم لما أصابهم منه لأن الموصول من صيغ العموم العموم والتضعيف في غشاها يحتمل أن يكون للتعدية فيكون {مَا} مفعولًا ثانيًا والفاعل ضميره تعالى، ويحتمل أن يكون للتكثير والمبالغة فـ {مَا} هي الفاعل..تفسير الآية رقم (55): {فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى (55)}{فَبِأَىّ الاء رَبّكَ تتمارى} تتشكك والتفاعل هنا مجرد عن التعدد في الفاعل والمفعول للمبالغة في الفعل، وقيل: إن فعل التماري للواحد باعتبار تعدد متعلقه وهو الآلاء المتماري فيها، والخطاب قيل: لرسول الله صلى الله عليه وسلم على أنه من باب الإلهاب والتعريض بالغير، وقيل: للإنسان على الإطلاق وهو أظهر والاستفهام للإنكار، والآلاء جمع إلى النعم، والمراد به ما عد في الآيات قبل وسمي الكل بذلك مع أن منه نقمًا لما في النقم من العبر والمواعظ للمعتبرين والانتفاع للأنبياء والمؤمنين فهي نعم بذلك الاعتبار أيضًا، وقيل: التعبير بالآلاء للتغليب وتعقب بأن المقام غير مناسب له، وقرأ يعقوب. وابن محيصن ربك تمارى بتاء مشددة..تفسير الآية رقم (56): {هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى (56)}{هذا نَذِيرٌ مّنَ النذر الاولى} الإشارة إلى القرآن. وقال أبو مالك: إلى الأخبار عن الأمم، أو الإشارة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، والنذير يجيء مصدرًا ووصفًا، والنذر جمعه مطلقًا وكل من الأمرين محتمل هنا، ووصف {النذر} جمعًا للوصف بالأولى على تأويل الفرقة، أو الجماعة، واختير على غيره رعاية للفاصلة، وأيًا مّا كان فالمراد {هذا نَذِيرٌ مّنَ} جنس {النذر الاولى}.وفي الكشف أن قوله تعالى: {هذا نَذِيرٌ} إلخ فذلكة للكلام إما لما عدد من المشتمل عليه الصحف وإما لجميع الكلام من مفتتح السورة فتدبر ولا تغفل..تفسير الآية رقم (57): {أَزِفَتِ الْآَزِفَةُ (57)}{أَزِفَتِ الازفة} أي قربت الساعة الموصوفة بالقرب في غير آية من القرآن، فأل في {الازفة} كاللعهد لا للجنس، وقيل: {الازفة} علم بالغلبة للساعة هنا، وقيل: لا بأس بإرادة الجنس ووصف القريب بالقرب للمبالغة..تفسير الآية رقم (58): {لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ (58)}{لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ الله} أي غير الله تعالى أو إلا الله عز وجل: {كَاشِفَةٌ} نفس قادرة على كشفها إذا وقعت لكنه سبحانه لا يكشفها؛ والمراد بالكشف الإزالة، وقريب من هذا ما روى عن قتادة. وعطاء. والضحاك أي إذا غشيت الخلق أهوالها وشدائدها لم يكشفها ولم يردها عنهم أحد، أو ليس لها الآن نفس كاشفة أي مزيلة للخوف منها فإنه باق إلى أن يأتي الله سبحانه بها وهو مراد الزمخشري بقوله: أوليس لها الآن نفس كاشفة بالتأخير، وقيل: معناه لو وقعت الآن لم يردّها إلى وقتها أحد إلا الله تعالى، فالكشف عنى التأخير وهو إزالة مخصوصة، وقال الطبري. والزجاج: المعنى ليس لها من دون الله تعالى نفس كاشفة تكشف وقت وقوعها وتبينه لأنها من أخفى المغيبات، فالكشف عنى التبيين والآية كقوله تعالى: {لاَ يُجَلّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ} [الأعراف: 187] والتاء في {كَاشِفَةٌ} على جميع الأوجه للتأنيث، وهو لتأنيث الموصوف المحذوف كما سمعت، وبعضهم يقدر الموصوف حالًا، والأول أولى؛ وجوز أن تكون للمبالغة مثلها في علامة، وتعقب بأن المقام يأباه لإيهامه ثبوت أصل الكشف لغيره عز وجل وفيه نظر، وقال الرماني. وجماعة: يحتمل أن يكون {كَاشِفَةٌ} مصدرًا كالعافية، وخائنة الأعين أي ليس لها كشف من دون الله تعالى..تفسير الآية رقم (59): {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59)}{أَفَمِنْ هذا الحديث} أي القرآن {تَعْجَبُونَ} إنكارًا..تفسير الآية رقم (60): {وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ (60)}{وَتَضْحَكُونَ} استهزاءًا مع كونه أبعد شيء من ذلك {وَلاَ تَبْكُونَ} حزنًا على ما فرطتم في شأنه وخوفًا من أن يحيق بكم ما حاق بالأمم المذكورة..تفسير الآية رقم (61): {وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ (61)}{وَأَنتُمْ سامدون} أي لاهون كما روى عن ابن عباس جوابًا لنافع بن الأزرق، وأنشد عليه قول هزيلة بنت بكر وهي تبكي قوم عاد:قيل: وفي رواية أنه رضي الله تعالى عنه سئل عن السمود، فقال: البرطمة وهي رفع الرأس تكبرًا أي وأنتم رافعون رؤوسكم تكبرًا، وروى تفسيره بالبرطمة عن مجاهد أيضًا، وقال الراغب: السامد اللاهي الرافع رأسه من سمد البعير في سيره إذا رفع رأسه، وقال أبو عبيدة: السمود الغناء بلغة حمير يقولون: يا جارية اسمدي لنا أي غنى لنا، وروى نحوه عن عكرمة، وأخرج عبد الرزاق. والبزار. وابن جرير. والبيهقي في سننه وجماعة عن ابن عباس أنه قال: هو الغناء باليمانية وكانوا إذا سمعوا القرآن غنوا تشاغلًا عنه، وقييل: يفعلون ذلك ليشغلوا الناس عن استماعه، والجملة الاسمية على جميع ذلك حال من فاعل لا تبكون ومضمونها قيد للنفي والانكار متوجه إلى نفي البكاء ووجود السمود، وقال المبرد: السمود الجمود والخشوع كما في قوله: والجملة عليه حال من فاعل {تبكون} [النجم: 60] أيضًا إلا أن مضمونها قيد للمنفى، والإنكار وارد على نفي البكاء والسمود معًا فلا تغفل، وف حرف أبيّ. وعبد الله تضحكون بغير واو، وقرأ الحسن تعجبون تضحكون بغير واو وضم التاءين وكسر الجيم والحاء، واستدل بالآية كما في أحكام القرآن على استحباب البكاء عند سماع القرآن وقراءته، أخرج البيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة قال: لما نزلت {أَفَمِنْ هذا الحديث} [النجم: 59] الآية بكى أصحاب الصفة حتى جرت دموعهم على خدودهم فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينهم بكى معهم فبكينا ببكائه فقال عليه الصلاة والسلام: «لا يلج النار من بكى من خشية الله تعالى ولا يدخل الجنة مصرّ على معصيته ولو لم تذنبوا لجاء الله تعالى بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم وأخرج أحمد في الزهد. وابن أبي شيبة. وهناد. وغيرهم عن صالح أبي الخليل قال: «لما نزلت هذه الآية {أَفَمِنْ هذا الحديث تَعْجَبُونَ وَتَضْحَكُونَ وَلاَ تَبْكُونَ} [النجم: 59-60] ما ضحك النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إلا أن يتبسم» ولفظ عبد بن حميد: «فما رؤى النبي عليه الصلاة والسلام ضاحكًا ولا متبسمًا حتى ذهب من الدنيا» وفيه سد باب الضحك عند قراءة القرآن ولو لم يكن استهزاءًا والعياذ بالله عز وجل. .تفسير الآية رقم (62): {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (62)}{فاسجدوا لِلَّهِ واعبدوا} الفاء لترتيب الأمر أو موجبه على ما تقرر من بطلان مقابلة القرآن بالتعجب والضحك وحقية مقابلته بما يليق به، ويدل على عظم شأنه أي وإذا كان الأمر كذلك فاسجدوا لله تعالى الذي أنزله واعبدوه جل جلاله، وهذه آية سجدة عند أكثر أهل العلم، وقد سجد النبي صلى الله عليه وسلم عندها.أخرج الشيخان. وأبو داود. والنسائي. وابن مردويه عن ابن مسعود قال: «أول سورة أنزلت فيها سجدة {والنجم} فسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وسجد الناس كلهم إلا رجلًا» الحديث.وأخرج ابن مردويه. والبيهقي في السنن عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: «صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ النجم فسجد بنا فأطال السجود» وكذا عمر رضي الله تعالى عنه، أخرج سعيد بن منصوب عن سبرة قال: صلى بنا عمر بن الخطاب الفجر فقرأ في الركعة الأولى سورة يوسف، ثم قرأ في الثانية سورة النجم فسجد، ثم قام فقرأ إذا زلزلت ثم ركع، ولا يرى مالك السجود هنا، واستدل له بما أخرجه أحمد. والشيخان. وأبو داود. والترمذي. والنسائي والطبراني وغيرهم عن زيد بن ثابت قال: قرأت النجم عند النبي صلى الله عليه وسلم فلم يسجد فيها، وأجيب بأن الترك إنما ينافي وجوب السجود وليس جمع عليه وهو عند القائل به على التراخي في مثل ذلك على المختار وليس في الحديث ما يدل على نفيه بالكلية فيحتمل أنه عليه الصلاة والسلام سجد بعد، وكذا زيد رضي الله تعالى عنه، نعم التأخير مكروه تنزيهًا ولعله فعل لبيان الجواز، أو لعذر لم نطلع عليه، وما أخرجه ابن مردويه عن ابن عباس من قوله: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسجد في شيء من المفصل منذ تحول إلى المدينة» ناف وضعيف، وكذا قوله فيما رواه أيضًا عنه «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد في النجم كة فلما هاجر إلى المدينة تركها» على أن الترك إنما ينافي كما سمعت الوجوب، والله تعالى أعلم..سورة القمر: وتسمى أيضا اقتربت وعن ابن عباس أنها تدعى في التوراة المبيضة تبيض وجه صاحبها يوم تسود الوجوه أخرجه عنه البيهقي في شعب الإيمان لكن قال: إنه منكر.وهي مكية في قول الجمهور.وقيل: مما نزل يوم بدر.وقال مقاتل: مكية إلا ثلاث آيات أم يقولون إلى وأمر واقتصر بعضهم على استثناء سيهزم الجمع إلخ ورد بما أخرجه ابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط وابن مردويه عن أبي هريرة قال: أنزل الله تعالى على نبيه صلى الله تعالى عليه وسلم بمكة قبل يوم بدر سيهزم الجمع ويولون الدبر.وقال عمر بن الخطاب: قلت: يا رسول الله أي جمع يهزم فلما كان يوم بدر وانهزمت قريش نظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثارهم مصلتا بالسيف وهو يقول: سيهزم الجمع ويولون الدبر فكانت ليوم بدر وفي الدر المنثور: أخرج البخاري عن عائشة قالت: نزل على محمد صلى الله تعالى عليه وسلم بمكة وإني لجارية ألعب بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر ويرد به وبما قبله ما حكى عن مقاتل أيضا.وقيل: إلا أن المتقين الآيتين.وآيها خمس وخمسون بالإجماع.ومناسبة أولها لآخر السورة التي قبلها ظاهرة فقد قال سبحانه: ثم {أزفت الآزفة} وهنا {اقتربت الساعة}.وقال الجلال السيوطي: لا يخفى ما في توالي هاتين السورتين من حسن التناسق.للتسمية في التسمية لما بين النجم والقمر من الملابسة وأيضا إن هذه بعد تلك كالأعراف بعد الأنعام وكالشعراء بعد الفرقان وكالصافات بعد يس في أنها تفصيل لأحوال الأمم المشار إلى إهلاكهم في قوله تعالى: {وأنه أهلك عادا الأولى وثمود فما أبقى وقوم نوح} إلى قوله سبحانه: {والمؤتفكة أهوى}.بسم الله الرحمن الرحيم
|