الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: طبقات الشافعية الكبرى **
روى بالإجازة عن أبي الفرج بن الجوزي وله مسائل جمعها على كتاب المهذب وكان فقيها فاضلا درس بالمدرسة القطبية بالقاهرة مدة ثم توفي بمدينة المحلة في ثالث عشر رمضان سنة خمس وستين وستمائة قاضي القضاة بحلب بهاء الدين أبو المحاسن ابن شداد وابن شداد جده لأمه فنسب إليه ولد في رمضان سنة تسع وثلاثين وخمسمائة بالموصل وحفظ القرآن ولزم يحيى بن سعدون القرطبي فقرأ عليه القرآن والعربية وسمع منه ومن محمد ابن أسعد حفدة العطاري صاحب البغوي ومن ابن ياسر الجياني وأبي الفضل خطيب الموصل وأخيه عبد الرحمن بن أحمد والقاضي أبي الرضا سعيد بن عبد الله الشهرزوري وأبي البركات عبد الله بن الخضر الشيرجي الفقيه ويحيى الثقفي وببغداد من شهدة الكاتبة وأبي الخير القزويني وجماعة وحدث بدمشق ومصر وحلب روى عنه أبو عبد الله الفاسي المقرئ والحافظ المنذري وكمال الدين ابن العديم وابنه مجد الدين وجمال الدين ابن الصابوني والشهابان القوصي والأبرقوهي وسنقر القضائي وجماعة وكان إماما فاضلا ثقة عارفا بالدين والدنيا رئيسا مشارا إليه متعبدا متزهدا نافذ الكلمة وكان يشبه بالقاضي أبي يوسف في زمانه دبر أمور الملك بحلب واجتمعت الألسن على مدحه والقلوب على حبه لمكارمه وأفضاله ونفعه الطلبة في العلم والدنيا وله المصنفات الكثيرة منها كتاب ملجأ الحكام عند التباس الأحكام وكتاب دلائل الأحكام وكتاب الموجز الباهر في الفقه وكتاب سيرة السلطان صلاح الدين وكتاب فضائل الجهاد صنفه للسلطان صلاح الدين وكان من بدء سعادته أنه حج وورد إلى الشام فاستحضره السلطان صلاح الدين وأكرمه وسأله عن جزء حديث ليسمع منه فأخرج له جزءا فقرأه عليه بنفسه ثم جمع كتابه في فضائل الجهاد وقدمه للسلطان ولازمه فولاه قضاء العسكر وقضاء القدس وهو أول قاض ولي القدس بعد فتوح صلاح الدين وكان حاضرا موت صلاح الدين وخدم بعده ولده الملك الظاهر فولاه قضاء مملكته ونظر أوقافها سنة نيف وتسعين وكان القاضي بهاء الدين لا ولد له ولا قرابة وزاد إقبال الملك الظاهر عليه وأقطعه الإقطاعات الهائلة وكان ينعم عليه بعد ذلك بالأموال الجزيلة فتكاثرت أمواله فعمر بحلب مدرسة ثم دار حديث ثم أنشأ بينهما تربة وصار يكثر الأفضال على طلبة العلم والطلبة تقصده من البلاد لثلاث اجتمعن فيه العلم والمال والجاه وهو لا يبخل بشيء منها وطعن في السن واستولت عليه البرودات والضعف فكان يتمثل بقول الشاعر من يتمن العمر فليدرع ** صبرا على فقد أحبائه ومن يعمر يلق في نفسه ** ما يتمناه لأعدائه وقدم مصر رسولا غير مرة وقد أطال ابن خلكان في ترجمته وقال إنه توفي بحلب يوم الأربعاء رابع عشر صفر سنة اثنتين وثلاثين وستمائة ودفن بتربته قيد ابن شداد في كتاب دلائل الأحكام قول الأصحاب إن السلطان أولى بالإمامة من صاحب المنزل وإمام المسجد بالجمعات والأعياد لتعلق هذه الأمور بالسلاطين قال وأما بقية الصلوات فأعلمهم أولى بالإمامة إلا أن تجمع الخصال المذكورة في الإمام فيكون حينئذ أولى ولعله أخذه من كلام الخطابي أحد الأئمة من مشايخ القاهرة نسب إلى كتاب الوجيز لحفظه إياه الأمير الكبير الوزير مقدم جيوش الإسلام الصالحية فخر الدين أبو الفضل الجويني أحد من دان له العباد والبلاد ولد بدمشق سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة وسمع منصور بن أبي الحسن الطبري ومحمد بن يوسف الغزنوي وغيرهما وحدث وكان رئيسا عاقلا مدبرا سمح اليدين بالأموال محببا إلى الناس حبسه السلطان نجم الدين ثلاث سنين وقاسى ضرا وشدائد وكان لا ينام من العمل ثم أخرجه وأنعم عليه وجعله نائب السلطنة فلما توفي السلطان سئل فخر الدين على أن يتسلطن فلم يفعل ولو أجاب لتم له الأمر وقيل إنه قدم دمشق مع السلطان فنزل دار أسامة فدخل عليه العماد النحاس فقال له يا فخر الدين إلى كم ما بقي بعد اليوم شيءٌ فقال يا عماد الدين والله لأسبقنك إلى الجنة فصدق إن شاء الله قوله واستشهد على يد الإفرنج يوم وقعة المنصورة وقيل إن فخر الدين أنفق مرة في العسكر مائتي ألف دينار وكان يركب بالشاويشية وكان في الحقيقة هو السلطان يقف على بابه ويركب في خدمته سبعون أميرا غير مماليكه وخدمه وأبطل كثيرا من المكوس وجرت على يده خيراتٌ حسان ثم اتفق مجيء الإفرنج وانقطاع المسلمين بين أيديهم منهزمين فركب فخر الدين وقت السحر ليكشف الخبر وأرسل النقباء إلى الجيش وساق في طلبه فصادف العدو فحملوا عليه فانهزم أصحابه وطعن هو فسقط وقتل ونهب غلمانه ماله وضرب بالسيف في وجهه ضربتين وكان قد بنى دارا فاخرة بالمنصورة فخربت من يومها وكان قتله يوم رابع ذي القعدة سنة سبع وأربعين وستمائة ومن شعره إذا تحققتم ما عند صاحبكم ** من الغرام فذاك القدر يكفيه أنتم سكنتم فؤادي وهو منزلكم ** وصاحب البيت أدرى بالذي فيه قاضي القضاة بهاء الدين ابن الزكي أبو افضل ولد في ذي الحجة سنة أربعين وستمائة وكان فقيها فاضلا مفتيا متوقد الذهن سريع الحافظة مناضرا محجاجا أخذ العلوم عن القاضي كمال الدين التفليسي وعن والده قيل وكان أفضل من أبيه وسمع الحديث بمصر من ابن رواج وابن الجميزي وبدمشق من إبراهيم ابن خليل وجماعة سمع منه الحافظ علم الدين البرزالي وغيره وولي قضاء دمشق بعد ابن الصائغ سنة اثنتين وثمانين واستمر حاكما إلى أن مات في حادي عشر ذي الحجة سنة خمس وثمانين وستمائة عن خمس وأربعين سنة هو قاضي القضاة بالشام جمال الدين الشيبي الحجازي المليجي المعروف بالجمال المصري سمع من السلفي وغيره واختصر الأم للشافعي وصنف في الفرائض توفي في شهر ربيع الأول سنة ثلاث وعشرين وستمائة صاحب جامع الأصول وغريب الحديث وشرح مسند الشافعي وغير ذلك ولد بجزيرة ابن عمر سنة أربع وأربعين وخمسمائة ونشأ بها ثم انتقل إلى الموصل فسمع من يحيى بن سعدون القرطبي وخطيب الموصل الطوسي وسمع ببغداد من ابن كليب روى عنه ولده والشهاب القوصي وجماعة وآخر من روى عنه بالإجازة فخر الدين ابن البخاري واتصل بخدمة الأمير الكبير مجاهد الدين قايماز إلى أن مات فاتصل بخدمة صاحب الموصل عز الدين مسعود وولي ديوان الإنشاء وله ديوان رسائل ومن تصانيفه غير ما ذكرناه كتاب الإنصاف في الجمع بين الكشف والكشاف تفسيري الثعلبي والزمخشري والمصطفى المختار في الأدعية والأذكار والبديع في شرح فصول ابن الدهان في النحو والفروق والأبنية وكتاب الأذواء والذوات وشرح غريب الطوال وكان بارعا في الترسل وحصل له مرضٌ مزمن أبطل يديه ورجليه وعجز عن الكتابة وأقام بداره وأنشأ رباطا بقرية من قرى الموصل ووقف أملاكه عليه وكان فاضلا رئيسا مشارا إليه توفي سنة ست وستمائة ولد في خامس عشر ذي القعدة سنة سبع وثمانين وخمسمائة وكان بارعا في الفقه مشهور الاسم فيه درس بالمدرسة القطبية بالبندقانيين بالقاهرة وأعاد عند شيخ الإسلام عز الدين ابن عبد السلام بالمدرسة الصالحية وكان ذكي القريحة حاد الذهن كثير الاعتناء بكتاب التنبيه نوزع مرة في مسألة وقيل له ليست هذه في التنيبه فغضب وقال ما من مسألة إلا وهي في التنبيه فقيل له أين في التنبيه إن لكل جرية حكما في الماء الجارى فقال في قوله في الطلاق وإن قال لها وهي في ماء جار إن خرجت من هذا الماء فأنت طالقٌ وإن أقمت فيه فأنت طالق خرجت أو أقامت فقد جعل لكل جرية حكما مات في القاهرة في حادى عشر جمادى الآخرة سنة سبع وستين وستمائة كان فقيها أصوليا قدم بغداد ودرس بالمدرسة الكمالية وسقط في بئر في داره فهلك سنة خمس وعشرين وستمائة أبو المناقب الزنجاني استوطن بغداد قال ابن النجار وبرع في المذهب والخلاف والأصول ودرس بالنظامية وعزل ودرس بالمستنصرية وصنف تفسير القرآن وحدث عن الإمام الناصر لدين الله بالإجازة قال شيخنا الذهبي استشهد في كائنة بغداد سنة ست وخمسين وستمائة مدرس الفلكية بدمشق ولد سنة خمس وستمائة وسمع بحلب من أبي القاسم بن رواحة والقاضي زين الدين بن الأستاذ وغيرهما روى عنه شيخنا المزي وابن العطار والشيخ علم الدين البرزالي وطائفة وكان فقيها أصوليا مناظرا محققا صالحا زاهدا متعبدا عرض عليه قضاء القضاة قامتنع وعرضت عليه مشيخة الشيوخ فامتنع وكانت له حلقة بالجامع الأموي يشتغل فيها توفي في ثالث عشرى ربيع الآخر سنة إحدى وثمانين وستمائة ومن فتاويه في امرأة أشهدت على نفسها أن هذا الرجل ابن عمي وصدقها أن العصوبة تثبت ويرثها إذا ماتت نقله الشيخ برهان الدين ابن الفركاح في تعليقه في باب الإقرار وهي مسألة تعم بها البلوى لا سيما إذا كان المقر له غائبا فكثيرا ما يقر مريضٌ بأن له وارثا غائبا إما ابن عم أو نحوه فيضع وكيل بيت المال يده مدعيا أن بيت المال لا يندفع بهذا القول وقد أفتى الشيخ تاج الدين ابن الفركاح وكيل بيت المال بذلك على تلوم وتوقف عنده وعند ولده الشيخ شهاب الدين فيه وأما أنا فلا وقفة عندى فيه والصواب عندي اندفاع بيت المال بهذا الإقرار وحفظ هذا المال بمجرد هذا الإقرار حتى يحضر الغائب أو يثبت خلاف ما قاله المريض وقد أشبعنا الكلام على هذه المسألة وقلنا إن في كلام القاضي الحسين وشيخه القفال وفي فتاوى ابن الصباغ ما يرشد إلى ما ذكرناه قال شيخنا الذهبي ولد سنة سبع وتسعين وخمسمائة ظنا وسمع الشيخ شهاب الدين السهروردي وصحبه مدة وأبا المعالى صاعد بن علي الواعظ والمحدث ابن أبي المعمر بدلا التبريزي وجماعة حدث عنه أبو الحسن بن العطار وغيره وأجاز لشيخنا الذهبي وحدث بكتاب العوارف عن المصنف وكان إماما بالتقوية وأكثر نهاره بها ومبيته بالسميساطية مات في شهر رمضان سنة أربع وسبعين وستمائة صاحب التحصيل مختصر المحصول في أصول الفقه واللباب مختصرالأربعين في أصول الدين والبيان والمطالع في المنطق وغير ذلك وقيل إنه شرح الوجيز في الفقه قرأ بالموصل علي كمال الدين بن يونس مولده في سنة أربع وتسعين وخمسمائة وتوفي في سنة اثنتين وثمانين وستمائة بمدينة قونية قال شيخنا الذهبي ولد تقريبا سنة أربع وثلاثين وخمسمائة وقدم بغداد فحفظ بها القرآن وتفقه بالنظامية وقرأ القراءات وسمع من أبي الكرم وأبي الوقت وأحمد بن محمد بن الدباس وغيرهم روى عنه ابن الدبيثى والبرزالي وغيرهما توفي في الخامس والعشرين من ربيع الآخر سنة ثمان عشرة وستمائة والخالص الذي ينسب إليه اسم ناحية ونهر شرقي بغداد والمقترح لقب عليه كان إماما في الفقه والخلاف وأصول الدين نظارا على قهر الخصوم وإزهاقهم إلى الانقطاع صنف التصانيف الكثيرة وتخرج به خلقٌ قال الحافظ عبد العظيم سمع بالإسكندرية من أبي الطاهر بن عوف وسمعت منه وحدث بمكة ومصر وكان كثير الإفادة منتصبا لمن يقرأ عليه كثير التواضع حسن الأخلاق جميل العشرة دينا متورعا ولى التدريس بالمدرسة المعروفة بالسلفى بالإسكندرية مدة وتوجه إلى مكة فأشيعت وفاته وأخذت المدرسة فعاد ولم يتفق عوده إليها فأقام بجامع مصر يقرىء واجتمع عليه جماعة كثيرة ودرس بمدرسة الشريف ابن ثعلب وتوفي في شعبان سنة اثنتى عشرة وستمائة الشريف أبو منصور الهاشمي العباسي الواعظ المعروف بالشريف العباسي ولد بإربل سمع ببغداد من ذاكر بن كامل وغيره وحدث بمصر ودمشق قال الحافظ عبد العظيم توفي في شوال سنة أربع وثلاثين وستمائة صاحب المختصر المشهور في الفقه يكنى أبا الخير وقيل أبا الأسعد ومن تصانيفه أيضا التنقيح اختصر فيه المحصول في أصول القفه وله سمط المسائل في القفه في مجلدين وأكثر ولد سنة ثمان وخمسين وخمسمائة وكان من أجل مشايخ العلم في ديار مصر فقيها أصوليا عابدا زاهدا كثير العبادة إماما مناظرا مبرزا تفقه ببغداد على أبي القاسم بن فضلان وأعاد بالمدرسة النظامية وأفتى وناظر وسمع الحديث من أبي الفرج بن كليب وأبي أحمد بن سكينة قال ابن النجار وانتخب بخطه وقرأ كثيرا من الكتب الكبار قلت روى عنه الحافظ زكي الدين المنذري وغيره وحج الشيخ أمين الدين من بغداد ثم قدم مصر ودرس بها بالمدرسة الناصرية المجاورة للجامه العتيق واستوطنها دهرا طويلا يفتى ويفيد ثم سافر إلى العراق ومن العراق إلى شيراز ومات بها في ذى الحجة سنة إحدى وعشرين وستمائة بفتح الحاء والدال المهملتين وإسكان الواو ثم سين مهملة له كتاب الكامل في الفقه وكتاب الموجز في الذكر وكتاب أنس المنقطعين وغير ذلك من المصنفات ولد سنة إحدى وخمسين وخمسمائة وسمع من أبي الربيع سليمان بن خميس ومسلم بن علي السيحي روى عنه الزكي البرزالي والمجد بن العديم والخضر بن عبدان الكاتب وغيرهم وكان إماما عارفا بالمذهب كثير العبادة درس وأفتى وناظر توفي في رمضان أو شعبان سنة ثلاثين وستمائة وفي كتابه الكامل أنه يكره الاستياك بالمبرد من أهل واسط تفقه على أبي جعفر بن البوقي وأفتى وكان نزها خيرا ولد في سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة ومات في حادي عشرى شعبان سنة إحدى وستمائة محتسب الإسكندرية ولد في ثامن صفر سنة سبع وستمائة وسمع من محمد بن عماد الحراني وجعفر الهمداني وابن رواج وجماعة من أصحاب السلفي وببغداد من ابن روزبة والقطيعي وأبي بكر الخازن وجماعة من أصحاب شهدة وبمصر من مرتضى بن أبي الجود وعلي بن عمار وغيرهما وبدمشق من ابن اللتي ومكرم وجماعة وبحلب من ابن خليل وغيره وبغير ذلك من البلدان من جماعات كتب عنه الحافظ الدمياطي والشريف عز الدين وجماعة ودرس بالإسكندرية وخرج وانتقى وعني بفنون الحديث وجمع المعجم لنفسه وخرج الأربعين وصنف تاريخا للإسكندرية في مجلدين توفي ليلة الحادي والعشرين من شوال سنة ثلاث وسبعين وستمائة رحمه الله الشيخ سراج الدين ابن الشيخ مجد الدين وأخو شيخ الإسلام تقي الدين ولد بقوص سنة إحدى وأربعين وستمائة وسمع الحديث من أصحاب السلفي وحدث سمع منه شيخنا أبو حيان النحوي وكان فقيها جيدا ذكي القريحة تصدى بقوص لنشر العلم والفتيا وصنف في الفقه كتاب سماه المغني وهذا الكتاب هو الذي نقل عنه ابن الرفعة فيما إذا نوى المتيمم بتيممه استباحة الفرض والنفل أن سراج الدين ابن دقيق العيد قال : يستبيحهما على أصح الوجهين والمعروف في المذهب أنه يستبيحهما بلا خلاف قاله النووي وقال الإمام إن الطرق اتفقت عليه قال ابن لرفعة وقضية ما نقله سراج الدين أن الوجه الآخر أنه لا يستبيحهما بل أحدهما وقول الغزالي فالصحيح جوازهما لا ينافي دعوى الإمام اتفاق الطرق على جوازهما إذ مقابل الصحيح في كلامه أنه لا بد من تعين الفريضة والمعنى فالصحيح جوازهما وإن لم يعين الفريضة وكلام ابن دقيق العيد يجوز أن يؤول بمثل ما أول به كلام الغزالي ومن شعر سراج الدين وحقك ما أعرضت عنك ملالة ** ولا أنا مما تعلمين مفيق ولكن خشيت الكاشحين لأنني ** على سرنا من أن يذاع شفيق فأصبحت كالظمآن شاهد مشربا ** قريبا ولكن ما إليه طريق مات بقوص سنة خمس وثمانين وستمائة الشيخ العلامة كمال الدين ابن يونس أبو الفتح الموصلي والد شارح التنبيه الشيخ شرف الدين أحمد بن موسى ولد في صفر سنة إحدى وخمسين وخمسمائة بالموصل وتفقه على والده الشيخ رضي الدين يونس ثم توجه إلى بغداد فتفقه بالمدرسة النظامية على معيدها السديد السلماسي وقرأ العربية بالموصل على الإمام يحيى بن سعدون وببغداد على الكمال عبد الرحمن الأنباري ثم عاد إلى الموصل مقيما بها وكان رجلا متبحرا في كثير من فنون العلم موصوفا بالذكاء المفرط إليه مرجع أهل الموصل وما والاها في الفتاوى وأصحابه يعظمونه كثيرا وقد ذكره ابن خلكان في الوفيات وقال إنه درس بعد وفاة والده في موضعه بالمسجد المعروف بالأمير زين الدين صاحب إربل قال وهذا المسجد يعرف الآن بالمدرسة الكمالية لأنه نسب إلى كمال الدين المذكور لطول إقامته به ولما اشتهر فضله انثال عليه الفقهاء وتبحر في جميع فنون العلم وجمع من العلوم ما لم يجمعه أحد وتفرد بعلم الرياضة ولقد رأيته بالموصل في شهر رمضان سنة ست وعشرين وستمائة وترددت إليه دفيعات عديدة لما كان بينه وبين الوالد رحمه الله من المؤانسة والمودة الأكيدة ولم يتفق لي الأخذ عنه لعدم الإقامة وسرعة الحركة إلى الشام وكان الفقهاء يقولون إنه يدري أربعة وعشرين فنا دراية متقنة فمن ذلك المذهب وكان فيه أوحد الزمان وكان جماعة من الطائفة الحنفية يشتغلون عليه بمذهبهم ويحل مسائل الجامع الكبير أحسن حل مع ما يجيء عليه من الإشكال المشهور وكان يتقن فن الخلاف والتجاري وأصول الفقه وأصول الدين ولما وصلت كتب فخر الدين الرازي للموصل وكان بها إذ ذاك جماعة من الفضلاء لم يفهم أحد منهم اصطلاحه فيها سواه وكذلك الإرشاد للعميدي لما وقف عليها حلها في ليلة واحدة وأقرأها على ما قالوا وكان يدري فن الحكمة والمنطق والطبيعى والإلهي وكذلك الطب ويعرف فنون الرياضة من اقليدس والهيئة والمخروطات والمتوسطات والمجسطي وهي لفظة يونانية معناها بالعربية الترتيب ذكر ذلك أبو بكر في كتابه وأنواع الحساب المفتوح منه والجبر والمقابلة والأرثماطيقي وطريق الخطأين والموسيقى والمساحة معرفة لا يشاركه فيها غيره إلا في ظواهر هذه العلوم دون دقائقها والوقوف على حقائقها وبالجملة فلقد كان كما قال الشاعر وكان من العلوم بحيث يقضى ** له في كل علم بالجميع واستخرج في علم الأوفاق طرقا لم يهتد إليها أحد وكان يبحث في العربية والتصريف بحثا تاما مستوفى حتى إنه كان يقرئ كتاب سيبويه والإيضاح والتكملة لأبي علي الفارسي والمفصل للزمخشري وكان له في التفسير والحديث وأسماء الرجال وما يتعلق به يد جيدة وكان يحفظ من التواريخ وأيام العرب ووقائعهم والأشعار والمحاضرات شيئا كثيرا وكان أهل الذمة يقرأون عليه التوراة والإنجيل ويشرح لهما هذين الكتابين شرحا يعترفون أنهم لا يجدون من يوضحهما لهم مثله وكان في كل فن من هذه الفنون كأنه لا يعرف سواه لقوته فيه وبالجملة فإن مجموع ما كان يعلمه من الفنون لم نسمع عن أحد ممن تقدمه أنه كان قد جمعه ولقد جاءنا الشيخ أثير الدين المفضل بن عمر بن المفضل الأبهري صاحب التعليقة في الخلاف والزيج والتصانيف المشهورة من الموصل إلى إربل في سنة ست وعشرين وستمائة وقبلها في سنة خمس وعشرين ونزل بدار الحديث وكنت أشتغل عليه بشيء من الخلاف فبينما أنا يوما عنده إذ دخل عليه بعض فقهاء بغداد وكان فاضلا فتجاريا في الحديث زمانا وجرى ذكر الشيخ كمال الدين في أثناء الحديث فقال له الأثير لما حج الشيخ كمال الدين ودخل بغداد كنت هناك فقال نعم فقال كيف كان إقبال الديون العزيز عليه فقال ذاك الفقيه ما أنصفوه على قدر استحقاقه فقال الأثير ما هذا إلا عجب والله ما دخل بغداد مثل الشيخ فاستعظمت منه هذا الكلام وقلت يا سيدنا كيف تقول كذا فقال يا ولدي ما دخل بغداد مثل أبي حامد الغزالي والله ما بينه وبين الشيخ نسبة وكان الأثير على جلالة قدره في العلوم يأخذ الكتاب ويجلس بين يديه يقرأ عليه والناس يوم ذلك يشتغلون في تصانيف الأثير ولقد شهدت هذا بعيني وهو يقرأ عليه كتاب المجسطي ولقد حكى بعض الفقهاء أنه سأل الشيخ كمال الدين عن الأثير ومنزلته في العلوم فقال ما أعلم فقال وكيف هذا يا مولانا وهو في خدمتك منذ سنين عديدة يشتغل عليك فقال لأنني مهما قلت له تلقاه بالقبول وقال نعم يا مولانا فما جادلني في مبحث قط حتى أعلم حقيقة فضلة ولا شك أنه كان يعتمد هذا القدر مع الشيخ تأدبا وكان معيدا عنده في المدرسة البدرية وكان يقول ما تركت بلادي وقصدت الموصل إلا للاشتغال على الشيخ وكان شيخنا تقي الدين أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن المعروف بابن الصلاح المتقدم ذكره يبالغ في الثناء على فضائله وتعظيم شأنه وتوحده في العلوم فذكره يوما وشرع في وصفه على عادته فقال له بعض الحاضرين يا سيدنا على من اشتغل ومن كان شيخه فقال هذا الرجل خلقه الله إماما عالما في فنونه لايقال على من اشتغل ولا من كان شيخه فإنه أكبر من هذا وحكى لي بعض الفقهاء بالموصل أن ابن الصلاح المذكور سأله أن يقرأ عليه شيئا من المنطق سرا فأجابه إلى ذلك وتردد إليه مدة فلم يفتح عليه بشيء فقال له يا فقيه المصلحة عندي أن تترك الاشتغال بهذا الفن فقال له ولم ذلك يا مولانا فقال لأن الناس يعتقدون فيك الخير وهم ينسبون كل من اشتغل بهذا الفن إلى فساد الاعتقاد فكأنك تفسد عقائدهم فيك ولا يحصل لك من هذا الفن شيء فقبل إشارته وترك قراءته ومن يقف على هذه الترجمة فلا ينسبني إلى المغالاة في حق الشيخ ومن كان من أهل تلك البلاد وعرف ما كان عليه الشيخ عرف أني ما أعرته وصفا ونعوذ من الغلو والتساهل في النقل وقد ذكره أبو البركات ابن المستوفي المتقدم ذكره في تاريخ إربل فقال هو عالم مقدم ضرب في كل علم وهو في علم الأوائل كالهندسة والمنطق وغيرهما ممن يشار إليه حل اقليدس والمجسطي على الشيخ شرف الدين المظفر بن محمد بن المظفر الطوسي الفارابي يعني صاحب الاسطرلاب الخطي المعروف بالعصا قال ابن المستوفي ووردت عليه مسائل من بغداد في مشكلات هذا العلم فحلها واستصغرها ونبه على براهينها بعد أن احتقرها وهو في الفقه والعلوم الإسلامية نسيج وحده ودرس في عدة مدارس بالموصل وتخرج عليه خلق كثير في كل فن ثم قال أنشدنا لنفسه وأنفذها إلى صاحب الموصل يشفع عنده لئن شرفت أرض بمالك رقها ** فمملكة الدنيا بكم تتشرف ومكنت من حفظ البسيطة مثل ما ** تمكن في أمصار فرعون يوسف بقيت بقاء الدهر أمرك نافذ ** وسعيك مشهور وحكمك منصف قلت أنا ولقد أنشدني هذه الأبيات عنه أحد أصحابه بمدينة حلب وكنت بدمشق سنة ثلاث وثلاثين وستمائة وبها رجل فاضل في علوم الرياضة فأشكل عليه مواضع من مسائل الحساب والجبر والمقابلة والمساحة واقليدس فكتب جميعها في درج وسيرها إلى الموصل ثم بعد أشهر عاد جوابه وقد كشف عن خفيها وأوضح غامضها وذكر ما يعجز الإنسان عن وصفه ثم كتب في آخر الجواب فليمهد العذر في التقصير في الأجوبة فإن القريحة جامدة والفطنة خامدة قد استولى عليها كثيرة النسيان وشغلها حوادث الزمان وكثير مما استخرجناه وعرفناه نسيناه بحيث صرنا كأنا ما عرفناه وقال لي صاحب المسائل المذكورة ما سمعت مثل هذا الكلام إلا للأوائل المتقنين لهذه العلوم ما هذا من كلام أبناء هذا الزمان وحكى لي الشيخ الفقيه الرياضي علم الدين قيصر بن أبي القاسم بن عبد الغني بن مسافر الحنفي المقرئ المعروف بتعاسيف وكان إماما في علوم الرياضة قال لما أتقنت علوم الرياضة بالديار المصرية وبدمشق تاقت نفسي إلى الاجتماع بالشيخ كمال الدين لما كنت أسمع من تفرده بهذه العلوم فسافرت إلى الموصل قصدا للاجتماع فلما حضرت في مجلسه وخدمته وجدته على حلية الحكماء المتقدمين وكنت قد طالعت أخبارهم وحلاهم فسلمت عليه وعرفته قصدي له للقراءة عليه فقال لي في أي العلوم تريد تشرع فقلت في الموسيقى فقال مصلحة هو فلي زمان ما قرأه علي أحد فأنا أوثر مذاكرته وتجديد العهد به فشرعت فيه ثم في غيره حتى شققت عليه أكثر من أربعين كتابا في مقدار ستة أشهر وكنت عارفا بهذا الفن لكن كان غرضي الانتساب في القراءة إليه وكان إذا لم أعرف المسألة أوضحها لي وما كنت أجد من يقوم مقامه في ذلك وقد أطلت الشرح في نشر علومه ولعمري لقد اختصرت ولما توفي أخوه الشيخ عماد الدين محمد المتقدم ذكره تولى الشيخ المدرسة العلائية موضع أخيه ولما فتحت المدرسة القاهرية تولاها ثم تولى المدرسة البدرية في ذي الحجة سنة عشرين وستمائة وكان مواظبا على إلقاء الدروس والإفادة وحضر في بعض الأيام دروسه جماعة من المدرسين أرباب الطيالس وكان العماد أبو علي عمر بن عبد النور بن يوسف الصنهاجي النحوي البجائي حاضرا فأنشد على البديهة كمال كمال الدين للعلم والعلى ** فهيهات ساع في مساعيك يطمع إذا اجتمع النظار في كل موطن ** فغاية كل أن تقول ويسمعوا فلا تحسبوهم من غناء تطيلسوا ** ولكن حياء واعترافا تقنعوا وللعماد المذكور فيه أيضا تجر الموصل الأذيال فخرا ** على كل المنازل والرسوم بدجلة والكمال هما شفاء ** لهيم أو لذي فهم سقيم فذا بحر تدفق وهو عذب ** وذا بحر ولكن من علوم وكان الشيخ سامح الله يتهم في دينه لكون العلوم العقلية غالبة عليه وكانت تعتريه غفلة في بعض الأحيان لاستيلاء الفكرة عليه بسبب هذه العلوم فعمل فيه العماد المذكور أجدك أن قد جاد بعد التعبس ** غزال بوصل لي وأصبح مؤنسي وأعطيته صهباء من فيه مزجها ** كرقة شعري أو كدين ابن يونس انتهى كلام ابن خلكان ورأيت بخط الشيخ كمال الدين بن يونس على الجزء الأول من اقليدس إصلاح ثابت بن قرة ما نصه قرأت على الشيخ الإمام العالم الزاهد الورع شرف الدين فخر العلماء تاج الحكماء أبي المظفر أدام الله أيامه بعد عوده من طوس هذا الجزء وكنت حللته عليه نفسي مع كتاب المجسطي وشيء من المخروطات واستنجزته ما كان وعدنا به من كتاب الشكوك فأحضره واستنسخته وكتبه موسى بن يونس بن محمد بن منعة في تاريخه هذا صورة خطه وتاريخ الكتاب المشار إليه تاسع عشر ربيع الأول سنة ست وسبعين وخمسمائة هجرية مولده بالجزيرة في جمادى الآخرة سنة سبعين وخمسمائة وقدم الشام وتفقه على شيخ الإسلام عز الدين ابن عبد السلام وقرأ على السخاوي وكان فقيها بارعا أصوليا أديبا قدم الديار المصرية وولي بها القضاء وسار سيرة مرضية ويقال إن الصاحب بهاء الدين كان يحط عليه فرأى قاضي القضاة صدر الدين رسول الله في النوم وهو يقول له قل للصاحب بهاء الدين بأمارة ما استشفعت بي في قضية كذا لا تتعرض لي فحكاه له فقال نعم كذا جرى ثم ترك التعرض له وأحسن إليه توفي بالقاهرة فجأة في تاسع رجب سنة خمس وستين وستمائة ولد سنة تسع وخمسين وخمسمائة وسمع من عبد الله بن بري النحوي وصحبه مدة ومن عشير بن علي المزارع وفارس بن تركي الضرير روى عنه الحافظ زكي الدين المنذري وغيره وكان فقيها حسنا من أهل الخير والعفاف تصدر بالجامع العتيق بمصر مدة وأعاد بالمدرسة السيفية وجمع مجاميع في الفقه وغيره توفي في شهر ربيع الأول سنة أربع وثلاثين وستمائة تفقه بإربل على عمه أبي العباس الخضر ثم توجه إلى بغداد فتفقه بالنظامية على الأمير أبي نصر بن نظام الملك ثم عاد إلى إربل ودرس بها وأفتى ثم قدم الموصل ومات بها رابع عشر ربيع الآخر سنة تسع عشرة وستمائة من علماء الديار المصرية تفقه على أبي حامد محمد بن محمد البروى وأبي سعد عبد الله بن أبي عصرون وسمع بدمشق من الحافظ ابن عساكر وسكن مصر ودرس بقبة الشافعي ولم تقيد وفاته الفقيه أبو الفتح بن الفقيه أبي الحجاج الحارثي الدمشقي المعروف بابن الإمام تفقه على والده وعلى أبي البركات الخضر بن شبل بن عبد وسمع من أبي الفتح نصر الله المصيصي وهبة الله بن طاوس ورحل فسمع ببغداد من أبي الوقت وغيره وأجاز له أبو عبد الله الفراوي وزاهر بن طاهر وغيرهما وكان يدعى نصرا غير مضاف أيضا روى عنه يوسف بن خليل الدمشقي والزين خالد والتقي اليلداني وأجاز للمنذري ولأبي العباس بن أبي الخير توفي بدمشق في منتصف جمادى الآخرة سنة إحدى وستمائة أحد المشاهير من علماء الصعيد كان إماما عالما عاملا وقد اختلف في مولده فقيل سنة سبع وتسعين وخمسمائة وقيل سنة ستمائة وقيل سنة إحدى وستمائة ولعله الأقرب قدم قوص فتفقه على الشيخ مجد الدين القشيري وقرأ الأصول على قاضيها الإمام شمس الدين الأصبهاني وبرع في الفقه والأصلين والنحو والفرائض والجبر والمقابلة وسمع الحديث من الفقيه أبي الحسن علي بن هبة الله بن سلامة والشيخ مجد الدين القشيري وغيرهما حدث عنه طلحة بن شيخ الإسلام تقي الدين القشيري وغيره وكان قيما بالمدرسة النجيبية بقوص مع براعة في العلم وكان يعلق القناديل والطلبة تقرأ عليه ثم انتهت إليه رياسة المذهب وولي أمانة الحكم بقوص واتفق أنه عمل حساب الأيتام فوقف عليه ثمانمائة درهم فلم يعرف وجه المصروف فبات على أنه يبيع منزلة ويغرم ثمنه في ذلك فقال له أحد الشهود الذين معه النقدة الفلانية فتذكرها ثم قصد التنصل من المباشرة فقيل له متى تنصلت لم تجب ولكن اجتمع بفلان وقل له إن القاضي فيما بلغني يريد عزلي وأظهر التألم من ذلك واسأله الحديث معه في الاستمرار ففعل فقال القاضي قد أورثني هذا الحرص ريبة فعزله ثم توجه إلى إسنا حاكما ومعيدا بالمدرسة العزية عند النجيب ابن مفلح أحد تلامذة القشيري أيضا ثم مات النجيب فأضيف إليه التدريس فصار حاكما مدرسا ونشر السنة بإسنا بعد ما كان التشيع بها فاشيا وصنف كتابا في ذلك سماه النصائح المفترضة في فضائح الرفضة وهموا بقتله فحماه الله تعالى منهم وتاب على يده خلق وأخذ العلم عنه خلق كثير منهم شيخ الإسلام تقي الدين بن دقيق العيد والشيخ الضياء بن عبد الرحيم وصنف في التفسير كتاب وصل فيه إلى سورة كهيعص وله شرح الهادي في الفقه خمس مجلدات ثم شرح عمدة الطبري وشرح مختصر أبي شجاع وشرح مقدمة المطرزي في النحو وكتاب الأنباء المستطابة في فضائل الصحابة والقرابة وغير ذلك وكان الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد يجله وسافر إلى الصعيد سنة تسعين وستمائة لمجرد زيارته ومما حفظ من عبارته لولا البهاء بالصعيد لتحرج أهله بسبب الفتيا وعن الشيخ بهاء الدين أعرف عشرين علما أنسيت بعضها لعدم المذاكرة وكان يستوعب الزمان في العبادة والعلم والحكومة ثم ترك القضاء أخيرا واستمر على العبادة والعلم إلى أن توفي ورأى راء في منامه قائلا يقول له لقد مات الشافعي فانتبه فإذا بقائل يقول مات الشيخ بهاء الدين القفطي ومناقبه كثيرة وبالجملة كان من رجال العلم والدين توفي بإسنا سنة سبع وتسعين وستمائة فعلى القول بأن مولده سنة سبع وتسعين وخمسمائة يكون من أهل المائة تفقه على أبي جعفر بن البوقي ومات في حدود سنة إحدى وستمائة الفقيه الأصولي جلال الدين أبو العزائم المصري إمام الجامع الصالحي بظاهر القاهرة وخطيبه ولد ببلاد الصعيد سنة تسع وخمسين وخمسمائة وقدم القاهرة وقرأ العربية على ابن بري وارتحل إلى العراق فتفقه على المجير البغدادي وابن فضلان وسمع من عبد المنعم بن كليب وغيره روى عنه ابن النجار والحافظ زكي الدين المنذري وغيرهما وله مصنفات في المذهب والأصول وتوفي في شهر ربيع الأول سنة ثلاثين وستمائة وله شعر كثير وله من قصيدة ياقوت ثغرك قد غدا متقمعا ** بزمرد لما توشح جوهرا وحباب ريقك كالنجوم إذا بدت ** من شأنها ماء الحيا أن يقطرا ولد بواسط في شهر رمضان سنة ثمان وعشرين وخمسمائة وقدم بغداد فتفقه بالنظامية على مدرسها الإمام أبي النجيب السهروردي وكان قد تفقه قبله على والده وعلى أبي جعفر بن البوقي ثم رحل إلى نيسابور فتفقه على الإمام محمد بن يحيى صاحب الغزالي ومكث عنده أكثر من سنتين وسمع الكثير من أبي الكرم نصر الله بن مخلد بن الجلخت وعبد الخالق اليوسفي وابن ناصر وأبي الوقت وشيخه محمد بن يحيى وعبد الله بن الفراوي وعبد الخالق بن زاهر وغيرهم بواسط وبغداد ونيسابور وله إجازة من زاهر الشحامي وحدث بالكثير ببغداد وبهراة وبغزنة لما توجه إليها رسولا من الديوان العزيز روى عنه ابن الدبيثي والضياء المقدسي وابن خليل وآخرون وولي تدريس النظامية وكانت بينه وبين ابن فضلان صحبة أكيدة قال الموفق عبد اللطيف لم أر مثلها بين اثنين قط وترافقا في الرحلة إلى محمد بن يحيى وكانا يتناظران بين يديه قال ابن الدبيثي كان يعني ابن الربيع ثقة صحيح السماع عالما بمذهب الشافعي وبالخلاف من الحديث والتفسير كثير الفنون قرأ بالعشر على ابن تركان وكان أبوه من الصالحين ويقال إنهم من ولد عمر بن الخطاب رضى الله عنه وقال أبو شامة كان عالما عارفا بالتفسير والمذهب والأصولين والخلاف دينا صدوقا وقال ابن النجار كان إماما كبيرا وقورا نبيلا حسن المعرفة بمذهب الشافعي محققا مدققا مليح الكلام في المناظرة والجدل مجودا في علم الأصول وعلم الكلام والحساب وقسمة التركات وله معرفة حسنة بالحديث انتهى ثم قال إنه توفي في يوم الأحد السابع والعشرين من ذي القعدة سنة ست وستمائة وصلى عليه يوم الاثنين بالمدرسة النظامية قلت هذا هو الصواب في تاريخ وفاته وذكر غيره أنه توفي في طريق خراسان لما توجه رسولا إلى السلطان شهاب الدين الغوري إلى غزنة وهو وهم فإنه عاد من عند السلطان المذكور إلى بغداد في سنة ثلاث وستمائة وأقام بها إلى أن توفي في سنة ست وستمائة شيخ الإسلام أستاذ المتأخرين وحجة الله على اللاحقين والداعي إلى سبيل السالفين كان يحيى رحمه الله سيدا وحصورا وليثا على النفس هصورا وزاهدا لم يبال بخراب الدنيا إذا صير دينه ربعا معمورا له الزهد والقناعة ومتابعة السالفين من أهل السنة والجماعة والمصابرة على أنواع الخير لا يصرف ساعة في غير طاعة هذا مع التفنن في أصناف العلوم فقها ومتون أحاديث وأسماء رجال ولغة وتصوفا وغير ذلك وأنا إذا أردت أن أجمل تفاصيل فضله وأدل الخلق على مبلغ مقداره بمختصر القول وفصله لم أزد على بيتين أنشدنيهما من لفظه لنفسه الشيخ الإمام وكان من حديثهما أنه أعني الوالد رحمه الله لما سكن في قاعة دار الحديث الأشرفية في سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة كان يخرج في الليل إلى إيوانها ليتهجد تجاه الأثر الشريف ويمرغ وجهه على البساط وهذا البساط من زمان الأشرف الواقف وعليه اسمه وكان النووي يجلس عليه وقت الدرس فأنشدني الوالد لنفسه ( وفي دار الحديث لطيف معنى على بسط لها أصبو وآوي ) ( عسى أني أمس بحر وجهي مكانا مسه قدم النواوي ) ولد النووي في المحرم سنة إحدى وثلاثين وستمائة بنوى وكان أبوه من أهلها المستوطنين بها وذكر أبوه أن الشيخ كان نائما إلى جنبه وقد بلغ من العمر سبع سنين ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان فانتبه نحو نصف الليل وقال يا أبت ما هذا الضوء الذي ملأ الدار فاستيقظ الأهل جميعا قال فلم نر كلنا شيئا قال والده فعرفت أنها ليلة القدر وقال شيخه في الطريقة الشيخ ياسين بن يوسف الزركشي رأيت الشيخ محيي الدين وهو ابن عشر سنين بنوى والصبيان يكرهونه على اللعب معهم وهو يهرب منهم ويبكي لإكراههم ويقرأ القرآن في تلك الحال فوقع في قلبي حبه وجعله أبوه في دكان فجعل لا يشتغل بالبيع والشراء عن القرآن قال فأتيت الذي يقرئه القرآن فوصيته به وقلت له هذا الصبي يرجى أن يكون أعلم أهل زمانه وأزهدهم وينتفع الناس به فقال لي منجم أنت فقلت لا وإنما أنطقني الله بذلك فذكر ذلك لوالده فحرص عليه إلى أن ختم القرآن وقد ناهز الاحتلام
لا يخفى على ذي بصيرة أن لله تبارك وتعالى عناية بالنووي وبمصنفاته وأستدل على ذلك بما يقع في ضمنه فوائد حتى لا تخلو ترجمته عن الفوائد فنقول ربما غير لفظا من ألفاظ الرافعي إذا تأمله المتأمل استدركه عليه وقال لم يف بالاختصار ولا جاء بالمراد ثم نجده عند التنقيب قد وافق الصواب ونطق بفصل الخطاب وما يكون من ذلك عن قصد منه لا يعجب منه فإن المختصر ربما غير كلام من يختصر كلامه لمثل ذلك وإنما العجب من تغيير يشهد العقل بأنه لم يقصد إليه ثم وقع فيه على الصواب وله أمثلة منها قال الرافعي في كتاب الشهادات في فصل التوبة عن المعاصي الفعلية في التائب إنه يختبر مدة يغلب على الظن فيها أنه أصلح عمله وسريرته وأنه صادق في توبته وهل تتقدر تلك المدة قال قائلون لا إنما المعتبر حصول غلبة الظن بصدقه ويختلف الأمر فيه بالأشخاص وأمارات الصدق هذا ما اختاره الإمام والعبادي وإليه أشار صاحب الكتاب بقوله حتى يستبرىء مدة فيعلم إلى آخره وذهب آخرون إلى تقديرها وفيه وجهان قال أكثرهم يستبرأ سنة انتهى بلفظه فإذا تأملت قوله قال أكثرهم وجدت الضمير فيه مستحق العود على الآخرين الذاهبين إلى تقديرها لا إلى مطلق الأصحاب فلا يلزم أن يكون أكثر الأصحاب على التقدير فضلا عن التقدير بسنة بل المقدر بعضهم واختلف المقدرون في المدة وأكثرهم على أنها سنة فهذا ما يعطيه لفظ الرافعي في الشرح الكبير وصرح النووي في الروضة بأن الأكثرين على تقدير المدة بسنة فمن عارض بينها وبين الرافعي بتأمل قضى بمخالفتها له لأن عبارة الشرح لا تقتضي أن أكثر الأصحاب على التقدير وأنه سنة بل إن أكثر المقدرين الذين هم من الأصحاب على ذلك ثم يتأيد هذا القاضي بالمخالفة بأن عبارة الشافعي رضي الله عنه ليس فيها تقدير بسنة ولا بستة أشهر وإنما قال أشهر وأطلق الأشهر رضى الله عنه اطلاقا إلا أن هذا إذا عاود كتب المذهب وجد الصواب ما فعله النووي فقد عزى التقدير وأن مقداره سنة إلى أصحابنا قاطبة فضلا عن أكثرهم الشيخ أبو حامد الإسفرايني في تعليقه وهذه عبارته قال الشافعي ويختبر مدة أشهر ينتقل فيها من السيئة إلى الحسنة ويعف عن المعاصي وقال أصحابنا يختبر سنة انتهى وكذلك قال القاضي الحسين في تعليقته ولفظه قال الشافعي مدة من المدد قال أصحابنا سنة انتهى وكذلك الماوردي ولفظه وصلاح عمله معتبر بزمان اختلف الفقهاء في حده فاعتبره بعضهم بستة أشهر واعتبره أصحابنا بسنة كاملة انتهى وكذلك الشيخ أبو إسحاق فإنه قال في المهذب وقدر أصحابنا المدة بسنة وكذلك البغوي في التهذيب وجماعات كلهم عزوا التقدير بالسنة إلى الأصحاب فضلا عن أكثرهم ولم يقل بعض الأصحاب إلا القاضي أبو الطيب والإمام ومن تبعهما فإنهم قالوا قال بعض أصحابنا تقدر بسنة وقال بعضهم زاد الإمام أن المحققين على عدم التقدير ومن تأمل ما نقلناه أيقن بأن الأكثرين على التقدير بسنة وبه صرح الرافعي في المحرر ولوح إليه تلويحا في الشرح الصغير فظهر حسن صنع النووي وإن لم يقصده عناية من الله تعالى به ولد بدمشق ودخل أصبهان وتفقه بها وقرأ الخلافيات وبرع وسمع الحديث من أبي بكر بن ما شاده وعبد الله بن عمر بن عبد الله المعدل وسمع بالثغر من أبي الطاهر السلفي حدث عنه أبو جعفر بن عميرة الضبي وأبو بكر بن مسدي الحافظ وغيرهما ودخل بلاد المغرب وأخذ ببجاية عن الحافظ عبد الحق الإشبيلي وجال في بلاد الأندلس واستوطن غرناطة وكان فقيها فاضلا زاهدا عابدا مجمعا على دينه وورعه مشهورا بالكرامات والأحوال صنف كتاب الروضة الأنيقة وكتابا في الخلافيات بين الشافعي وأبي حنيفة توفي في سادس شوال سنة ثمان وستمائة بغرناطة قال ابن مسدي قحطنا بغرناطة فنزل أميرها إلى شيخنا أبي زكريا فقال تذكر الناس فلعل الله يفرج عن المسلمين فوعظ فورد عليه وارد سقط وحمل ومات بعد ساعة فلما كفن وأدخل حفرته انفتحت أبواب السماء وسالت الأودية زمانا الشيخ الزاهد العابد صاحب الأحوال والكرامات المجمع على علمه ودينه كان شافعي المذهب أشعري العقيدة ولد بمشهد صفين سنة أربع وثمانين وخمسمائة ثم انتقل إلى مدينة بالس وبها ربي وقد ألف في مناقبه حفيده الشيخ أبو عبد الله محمد بن الشيخ عمر بن الشيخ أبي بكر مصنفا حسنا وأنا أذكر بعض ما فيه قال كان إماما ورعا عالما زاهدا له كرامات وأحوال حسن الأخلاق لطيف الذات والصفات وافر الأدب والعقل دائم البشر مخفوض الجناح كثير التواضع شديد الحياء متمسكا بالآداب الشرعية قال وكان الشيخ أبو بكر يقول كانت الأحوال تطرقني في بداية أمري فكنت أخبر بها شيخي فنهاني عن الكلام فيها وكان عنده سوط يقول متى تكلمت في شيء من هذا ضربتك بهذا السوط ويأمرني بالعمل ويقول لي لا تلتفت إلى شيء من هذه الأحوال فما زلت معه كذلك حتى كنت عنده في بعض الليالي وكانت لي أم ضريرة وكنت بارا بها ولم يكن لها من يخدمها غيري فاستأذنت الشيخ في المضي إليها فأذن لي وقال إنه سيحدث لك في هذه الليلة أمر عجيب فأثبت له ولا تجزع فلما خرجت من عنده وأنا مار إلى جهة أمي سمعت صوتا من جهة السماء فرفعت رأسي فإذا نور كأنه سلسلة متداخل بعضها في بعض فالتفت على ظهري حتى أحسست ببردها في ظهري فرجعت إلى الشيخ فأخبرته بما وقع لي فقال الحمد لله وقبلني بين عيني وقال يا بني الآن تمت النعمة عليك أتعلم ما هذه السلسلة فقلت لا فقال هذه سنة رسول الله وأذن لي في الكلام وكان قد نهاني عنه وكان يقول حضرت بين يدي رسول الله وذلك أن الخضر عليه السلام جاءني في بعض الليالي وقال قم يا أبا بكر فقمت معه فانطلق بي حتى أحضرني بين يدي رسول الله وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي والأولياء رضي الله عنهم فسلمت عليهم فردوا علي السلام فقال رسول الله يا أبا بكر فقلت لبيك يا رسول الله فقال إن الله قد اتخذك وليا فاختر لنفسك واشترط فوفقني الله تعالى وقلت يا رسول الله أختار ما اخترته أنت لنفسك فسمعت قائلا يقول إذا لا نبعث لك من الدنيا إلا قوتك ولا نبعثه إلا على يد صاحب آخرة فقال رسول الله تقدم يا أبا بكر فصل بنا فهبت من رسول الله والصحابة والأولياء أن أتقدم فقلت في نفسي كيف أتقدم على جماعة فيهم رسول الله فقال رسول الله تقدم فإن في تقدمك سر الولاية ولتكون إماما يقتدي بك فتقدمت بأمر رسول الله وصليت بهم ركعتين قرأت في الأولى بالفاتحة وإنا أعطيناك الكوثر وفي الثانية بالفاتحة وقل هو الله أحد
سمعته يوما وقد دخل إلى البيت وهو يقول لزوجته ولدك قد أخذه قطاع الطريق في هذه الساعة وهم يريدون قتله وقتل رفاقه فراعها قول الشيخ رضي الله عنه فسمعته يقول لها لا بأس عليك وإني قد حجبتهم عن أذاه وأذى رفاقه غير أن مالهم يذهب وغدا إن شاء الله يصل هو ورفاقه فلما كان من الغد وصلوا كما ذكر الشيخ وكنت فيمن تلقاهم وأنا يومئذ ابن ست سنين وذلك سنة ست وخمسين وستمائة وحدثني الشيخ شمس الدين الخابوري قال خرجت إلى زيارة الشيخ ووقع في نفسي أن أسألة عن الروح ولما حضرت بين يديه أنسيت من هيبته ما كان وقع في نفسي من السؤال فلما ودعته وخرجت إلى السفر سير خلفي بعض الفقراء فقال لي كلم الشيخ فرجعت إليه فلما دخلت عليه قال لي يا أحمد قلت لبيك يا سيدي قال ما تقرأ القرآن قلت بلى يا سيدي قال اقرأ يا بني وحدثني الشيخ إبراهيم بن الشيخ أبي طالب البطائحي قال كان الشيخ يقف على حلب ونحن معه ويقول والله إني لأعرف أهل اليمين من أهل الشمال منها ولو شئت أن أسميهم لسميتهم ولكن لم نؤمر بذلك ولا انكشف سر الحق في الخلق وحدثني الشيخ معضاد بن حامد بن خولة قال كنا مع الشيخ في حفر النهر الذي ساقه إلى بالس فاجتمع عندنا في بعض الأيام خلق كثير في العمل فبينما نحن نعمل إذ جاءنا راعد قوي فيه برد كبار فقال له الشيخ محمد العقى وكان من أجل أصحابه يا سيدي قد جاء هذا الراعد وربما يعطل الجماعة عن العمل فقال له الشيخ اعمل وطيب قلبك فلما دنا الراعد منا استقبله الشيخ وأشار بيده إليه وقال خذ يمينا وشمالا بارك الله فيك فتفرق عنا بإذن الله وما زلنا نعمل والشمس طالعة علينا ودخلنا إلى البلد ونحن نخوض الماء كما ذكر وكان سبب عمل هذا النهر أنه كان في البلد نهر يعرف بنهر زبيدة وقد تعطل وخرب من سنين كثيرة وكان للناس فيه نفع كثير فشكوا ذلك إلى الملك الناصر فأمر باستخراجه واستخرج منه جانب ثم رأى أنه يغرم عليه مال كثير فتركوه ومضوا فلما علم الشيخ ضرر الناس إليه ونفعهم به خرج في جماعة من الفقراء إلى الفرات وجاء إلى مكان منه وقال هاهنا أستخرج نهرا إلى باب البلد ينتفع الناس به وحفر بيده وحفر الفقراء معه فسمع الناس في الشط وغيره من البلاد الحلبية فجاءوا أرسالا يعملون معه بحيث كان يجتمع في اليوم الواحد ما يزيد على أربع مائة رجل فاستخرجه في مدة يسيرة وانتفع الناس به وهو إلى الآن يعرف بنهر الشيخ وحدثني الشيخ الصالح محمد بن ناصر المشهدي قال كنت عند الشيخ وقد صلى صلاة العصر في المسجد الذي كان يصلي فيه وقد صلى معه خلق كثير فقال له بعض الحاضرين يا سيدي ما علامة الرجل المتمكن وكان في المسجد سارية فقال علامة الرجل المتمكن أن يشير إلى هذه السارية فتشتعل نورا فنظر الناس إلى السارية فإذا هي تشتعل نورا أو كما قال وحدثني الشيخ إبراهيم بن الشيخ أبي طالب البطائحي قال كنت بحضرة الشيخ وقد نازله حال فقال يا إبراهيم أين مراكش فقلت يا سيدي في الغرب قال وبغداد قلت في الشرق قال وعزة المعبود لقد أعطيت في هذه الساعة حالا لو أردت أن أقول لبغداد كوني مكان مراكش ولمراكش كوني مكان بغداد لكانتا وحدثني أيضا قال سئل الشيخ وأنا حاضر عن الرجل المتمكن ما علامته وكان بين يديه طبق فيه شيء من الفاكهة والرياحين فقال أن يشير بسن إلى هذا الطبق فيرقص جميع ما فيه فتحرك جميع ما كان في الطبق ونحن ننظر إليه وسمعت الشيخ الصالح العابد إسماعيل بن أبي الحسن المعروف بابن الكردي يقول حججت مع أبوي فلما كنا بأرض الحجاز وسار الركب في بعض الليالي وكان أبواي راكبين في محارة وكنت أمشي تحتها فحصل لي شيء من القولنج فعدلت إلى مكان وقلت لعلي أستريح ثم ألحق الركب فنمت فلم أشعر إلا والشمس قد طلعت ولم أدر كيف أتوجه ففكرت في نفسي وفي أبوي فإنه لم يكن معهما من يخدمهما ولا من يقوم بشأنهما غيري فبكيت عليهما وعلى نفسي فبينما أنا أبكي إذ سمعت قائلا يقول ألست من أصحاب الشيخ أبي بكر بن قوام فقلت بلى والله فقال سل الله به فإنه يستجاب لك فسألت الله به كما قال فوالله ما استتم الكلام إلا وهو واقف عندي وقال لا بأس عليك ووضع يده في يدي وسار بي يسيرا وقال هذا جمل أبويك فسمعتهما وهما يبكيان علي فقلت لا بأس عليكما وأخبرتهما بما وقع لي وحدثني أيضا قال كنا جلوسا مع الشيخ رضي الله عنه في تربة الشيخ رافع رضي الله عنه ونحن ننظر إلى الفرات إذ لاح لنا على شاطئ الفرات رجل فقال الشيخ أترون ذلك الرجل الذي على شاطئ الفرات فقلنا نعم فقال إنه من أولياء الله تعالى وهو من أصحابي وقد قصد زيارتي من بلاد الهند وقد صلى العصر في منزله وتوجه إلي وقد زويت له الأرض فخطا من منزله خطوة إلى شاطئ الفرات وهو يمشي من الفرات إلى ها هنا تأدبا منه معي وعلامة ما أقول لكم أنه يعلم أني في هذا المكان فيقصده ولا يدخل البلد فلما قرب من البلد عرج عنه وقصد المكان الذي فيه الشيخ والجماعة فجاء وسلم وقال يا سيدي أسألك أن تأخذ علي العهد أن أكون من أصحابك فقال له الشيخ وعزة المعبود أنت من أصحابي فقال الحمد لله لهذا قصدتك واستأذن الشيخ في الرجوع إلى البلد فقال له الشيخ أين أهلك قال في الهند قال متى خرجت من عندهم قال صليت العصر وخرجت لزيارتك فقال له الشيخ أنت الليلة ضيفنا فبات عند الشيخ وبتنا عنده فلما أصبحنا من الغد قال السفر فخرج الشيخ وخرجنا في خدمته لوداعه فلما صرنا في الصحراء وأخذ في وداع الشيخ وضع الشيخ يده بين كتفيه ودفعه فغاب عنا ولم نره فقال الشيخ وعزة المعبود في دفعتي له وضع رجله في باب داره بالهند أو كما قال وسمعت الأمير الكبير المعروف بالأخضري وكان قد أسن يحكي لوالدي قال كنت مع الملك الكامل لما توجه إلى الشرق فلما نزلنا بالس قصدنا زيارة الشيخ مع فخر الدين عثمان وكنا جماعة من الأمراء فبينما نحن عنده إذ دخل رجل من الجند فقال يا سيدي كان لي بغل وعليه خمسة آلاف درهم فذهب مني وقد دللت عليك فقال له الشيخ اجلس وعزة المعبود قد قصرت على آخذه الأرض حتى ما بقى له مسلك إلا باب هذا المكان وهو الآن يدخل فإذا دخل وجلس فأشير إليك بالقيام فقم وخذ بغلك ومالك فلما سمعنا كلام الشيخ قلنا لا تقوم حتى يدخل هذا الرجل فبينما نحن جلوس إذ دخل الرجل فأشار الشيخ إليه فقام وقمنا معه فوجدنا البغل والمال بالباب وأخذه صاحبه فلما حضرنا عند السلطان أخبرناه بما رأينا من الشيخ فقال أحب أن أزوره فقال فخر الدين عثمان إن البلد لا يحمل دخول مولانا السلطان فسير إليه فخر الدين عثمان فقال له السلطان يحب أن يراك وإن البلد لا يحمل دخوله فهل يرى سيدي الشيخ يخرج إليه ليراه فقال له الشيخ يا فخر الدين إذا رحت أنت عند صاحب الروم يطيب للملك الكامل فقال لا قال فكذلك أنا إذا رحت إلى عند الملك الكامل لا يطيب لأستاذي ولم يخرج إليه وحدثني الشيخ الإمام العالم شمس الدين الخابوري قال كنت أكثر من ذكر الشيخ عند الفقهاء بالمدرسة النظامية بحلب فقالوا يجب أن نزوره معك ونسأله عن أشياء من فقه وتفسير وغيرهما فعزمنا على زيارته إلى بالس فبينما نحن عازمون إذ جاء بعض الفقراء فقال الشيخ يدعوك فقلت أين هو فقال في زاوية الشيخ أبي الفتح الكناني وكان من أصحابه رضي الله عنه فخرجت أنا وجماعة من الفقهاء إلى زيارته قال فلما حضرنا عنده قال الشيخ محمد العفتى ما شأن هؤلاء الفقهاء فقلت جاءوا ليزوروا الشيخ ويسلموا عليه فقال قد حدث أمر عجيب قلت وأي شيء قد حدث قال قد ألجم الشيخ كل واحد منهم بلجام وقد مثل سره سبع وهو ينظر في وجه كل واحد منهم فلما طال بنا المجلس ولم يجسر أحد منهم أن يتكلم فقال لهم الشيخ لم لا تتكلموا لم لا تسألوا فما جسر أحد منهم أن يتكلم فقال لهم الشيخ لم لا تتكلموا لم لا تسألوا فما جسر أحد منهم أن يتكلم فقال الشيخ للذي على يمينه مسألتك كذا والجواب عنها كذا فما زال حتى أتى على آخرهم فقاموا بأجمعهم واستغفروا الله تعالى وتابوا وحدثني الشيخ شمس الدين الخابوري قال سألت الشيخ عن قوله تعالى فقال تفسيرها فقلت له يا سيدي أنت لا تعرف تكتب ولا تقرأ فمن أين لك هذا فقال يا أحمد وعزة المعبود لقد سمعت الجواب فيها كما سمعت سؤالك وحدثني بعض التجار من أهل بلدنا قال خرجنا مسافرين من بالس إلى حماة وكان قد بلغنا أن الطريق مخيف ووافينا الشيخ في خروجنا فقلت له يا سيدي قد بلغنا أن الطريق مخيف ونشتهي أن لا تغفل عنا ولا تنام وتدعو لنا فقال إن شاء الله تعالى وسافرنا فلما بلغنا حماة وأنا راكب على دابتي وقد أخذني النعاس وإذا أنا بشخص قد وضع يده في عضدي وقال نحن ما نمنا فلا تنام أنت ففتحت عيني فإذا أنا بالشيخ فسلم علي ومشى معي وقال قد بلغناك إلى حماة وتركني ومضى وحدثني الشيخ تمام بن أبي غانم قال كنا جلوسا مع الشيخ ظاهر البلد في زمن الربيع وحوله جماعة من الناس فقال وعزة المعبود إني لأنظر إلى ساق العرش كما أني أنظر إلى وجوهكم وحكى الحاج أيوب البشمنتي قال حججت في زمن الشيخ رضي الله عنه فلما كان ليالي منى وأنا جالس على راحلتي أتلو شيئا من القرآن وإذا أنا بالشيخ رضي الله عنه قائم إلى جانبي فأخذ بعضدي وسلم علي ومضى فلما قدمنا بالس أخبرني الجماعة قالوا سألنا عنك الشيخ فقال لنا هو جالس بمنى على راحلته وهو يتلو في سورة كذا وكذا وهذه يدي في عضده فقلت لهم والله الأمر كما قال وحدثني بعض التجار من أهل بلدنا قال دخلت إلى حلب مع عمي وكنت شابا فأخذني بعض أهلي إلى مكان وأحضر خمرا وقال لي اشرب فلما تناولت القدح لأشرب إذا أنا بالشيخ واقف بين يدي وضربني في صدري بيده وقال قم واخرج وكنت في مكان عال فسقطت منه على وجهي ورأسي وخرج الدم من وجهي ورأسي فرجعت إلى عمي والدم يقطر مني فسألني من فعل بك هذا فأخبرته بما جرى فقال الحمد لله الذي جعل لأوليائه بك عناية وعليك حماية وحدثني الشيخ شمس الدين الخابوري خطيب جامع حلب قال كنا مع الشيخ فلا يمر على صخر ولا على شيء إلا سلم عليه وكان الشيخ شمس الدين يقول كان في نفسي أن أسأل الشيخ عن خطاب هذه الأشياء له هل يخلق الله تعالى لها في الوقت لسانا تخاطبه به أو يقيم الله تعالى إلى جانبها من يخاطبه عنها ففاتني ولم أسأله عن ذلك وعنه أيضا قال كنا مع الشيخ في بعض أسفاره فدعي إلى مكان فلما دنونا إلى ذلك المكان تغير لونه وجعل يسترجع استرجاعا كثيرا فقلت يا سيدي أي شيء حدث فقال إنا لما أقبلنا على هذه القرية جاءت أرواح الأموات تسلم علي وفيهم شاب حسن الوجه يقول قتلت ظلما قتلني رجلان من أهل هذه القرية كنت أرعى لهما غنما وهما أخوان فقتلاني في زمن الملك العزيز وذلك أنهما اتهماني ببنت لهما وكنت بريئا منها قال الشيخ شمس الدين وكان الرجلان اللذان فعلا ذلك الفعل يسمعان كلام الشيخ وكان بيني وبينهما معرفة فلما خلوت بهما قالا لي يا فلان إن ما قال الشيخ والله إنه لحق وصحيح ونحن قتلناه فقلت لهما ما حملكما على ذلك قالا السبب الذي قاله الشيخ ثم تبين لنا أنه من غيره وأنه كان بريئا منه كما قال الشيخ رضي الله عنه وحدثني الشيخ إبراهيم بن الشيخ أبي طاهر البطائحي المعروف بالضرير قال توفي والدي بدمشق فقال أصحابه لا ندعك تجلس على سجادته حتى تأتينا بإجازة من بيت سيدي أحمد رضي الله عنه فتوجهت لذلك وسافرت إلى البطائح فوافق عبوري على بالس فقصدت زيارة الشيخ ولم أكن رأيته قبل ذلك ولا رآني فلما أقبلت عليه رحب بي وأكرمني وحدثني بجميع ما وقع في أسفاري وأحوالي وما قصدته وقال إنك تقدم العراق وتقضي حاجتك به وتعود إلي سرعة فقلت له يا سيدي وما هي حاجتي فقال أن تعطى إجازة بالمشيخة وأن تكون مكان أبيك وكان الأمر كما قال فلما قدمت البطائح ودفع إلي إجازة وسجادة وخرجت لأتوضأ للصلاة فأوقع الله تعالى في قلبي الشوق إليه فألقيت الإجازة في الماء وتوجهت إليه فلما قدمت عليه وجدت بحضرته خلقا كثيرا وهو يتكلم لهم فجلست مع الناس أسمع كلامه فتكلم طويلا ثم التفت إلي وقال يا إبراهيم قلت لبيك يا سيدي قال أنت لي ومريدي وقال لمن في حضرته انظروا إلى جبهته فنظروا فقال ما تشهدون في جبهته قالوا بأجمعهم نشهد بين عينيه هلال نور فقال هذا شعار أصحابي فتقدمت إليه وأخذ علي العهد وصرت من أصحابه رضي الله عنه وسمعته أيضا قال كنت مقيما عند الشيخ فخطر لي السفر إلى العراق فاستأذنته في السفر فأذن لي وقال إبراهيم أريد أن أخلع عليك خلعة لا تدخل بها على أحد إلا ابتهج بك وخدمك بسببها فكان كما قال ما دخلت على أحد إلا خدمني وأكرمني فلما دخلت بغداد نزلت في بعض الربط فخدموني وأكرموني فدعي أهل الرباط ليلة إلى مكان وكنت في صحبتهم فلما دخلنا إلى المكان الذي دعينا إليه وجلسنا وكان فيه خلق كثير فقام منهم رجل تركي وقال يا أصحابنا على هذا الفقير الشامي خلعة لم أر مثلها فقلت لهم هي من صدقات شيخي علي فقال الجميع أعاد الله علينا من بركته وبركة أمثاله وسمعت والدي رحمه الله يقول لما كان في سنة ثمان وخمسين وستمائة وكان الشيخ في حلب وقد حصل فيها ما حصل من فتنة التتار وكان في المدرسة الأسدية فقال يا بني اذهب إلى الدار التي لنا فلعلك تجد ما نأكل قال فذهبت كما قال إلى الدار فوجدت الشيخ عيسى الرصافي وكان من أصحابه مقتولا في الدار وقد حرق وعليه دلق الشيخ لم يحترق ولم تمسه النار فأخذته وخرجت به فوجدني بعض بني جهبل وكانوا من أصحابه فسألني فأخبرته بخبر الدلق فحلف علي بالطلاق وأخذه مني وحدثني الشيخ الصالح الناسك الشيخ إسماعيل بن سالم المعروف بالكردي قال كان لي غنم وكان عليها راع فسرح بها يوما على عادته فلما كان وقت رجوعه لم يرجع فخرجت في طلبه فلم أجده ولم أجد له خبرا فرجعت إلى الشيخ فوجدته واقفا على باب داره فلما رآني قال لي ذهبت الغنم قلت نعم يا سيدي قال قد أخذها اثنا عشر رجلا وهم قد ربطوا الراعي بوادي كذا وقد سألت الله تعالى أن يرسل عليهم النوم وقد فعل فامض إلى مكان كذا تجدهم نياما والغنم ربطا إلا واحدة قائمة ترضع سخلتها قال فمضيت إلى المكان الذي قال فوجدت الأمر كما قال واحدة قائمة ترضع سخلتها قال فسقت الغنم وجئت إلى البلد رضي الله عنه وحدثني الشيخ شمس الدين الدبالعي قال حدثني فلك الدين ابن الخزيمي قال كنت بالشام في السنة التي أخذت فيها بغداد بعد أن ضاق صدري من جهة ما أصاب المسلمين وأهلي أيضا فسافرت لآخذ خبر أهلي وكان سفري على بالس فقصدت زيارة الشيخ فأتيته فسلمت عليه وجلست بين يديه فحدثني فشرح الله صدري فقال لي أهلك سلموا إلا أخاك مات وأهلك في مكان صفته كذا وكذا والناظر عليهم رجل صفته كذا وقبالة الدرب الذي هم فيه دار فيها شجر فلما قدمت بغداد وجدت الأمر كما أخبرني رضي الله عنه وأنا سكنت الدرب الذي أخبر عنه الشيخ ورأيت الدار التي فيها الشجر وهي شجرة رمان وغيرها وحدثني الشيخ إبراهيم بن الشيخ أبي طالب البطائحي قال كنت جالسا عند الشيخ فجاء إنسان فقال يا سيدي ذهب البارحة لي جمل وعليه حمل فلم يرد الشيخ عليه جوابا فقلت له يا سيدي إن الرجل ملهوف على ذهاب جمله فلعل أن تجيبه فقال لي يا إبراهيم إنه لما قال لي جملي رأيت رسنه بيده فبرز من القتب سيف فقلع رسنه من يده وما بقى له فيه رزق فأستحيي أن أوحشه بالرد ومنه أنه حضر جنازة وكان فيها جماعة من أعيان البلد فلما جلسوا لدفن الميت جلس القاضي والخطيب والوالي في ناحية وجلس الشيخ والفقراء في ناحية وتكلم القاضي والوالي في كرامات الأولياء وأنه ليس لها حقيقة وكان الخطيب رجلا صالحا فلما قاموا ليعزوا أهل الميت جاء الجماعة ليسلموا على الشيخ فقال الشيخ يا خطيب أنا لا أسلم عليك فقال ولم يا سيدي فقال إنك لم ترد غيبة الأولياء ولم تنتصر لهم والتفت الشيخ إلى القاضي والوالي وقال أنتما تنكران كرامات الأولياء فما تحت أرجلكما قالا لا نعلم قال تحت أرجلكما مغارة ينزل إليها بخمس درجات فيها شخص مدفون هو وزوجته وها هو قائم يخاطبني ويقول كنت ملك هذين البلدين نحو ألف عام وهو على سرير وزوجته قبالته ولا تبرح من هذا المكان حتى يكشف عنها فدعا بفؤوس وكشف المكان والجماعة حاضرون فوجدوه كما قال الشيخ والمغارة إلى هذا التاريخ مفتوحة ترى وتشهد على جانب طريق حلب وحدثني الإمام العالم الصاحب محيي الدين ابن النحاس رحمه الله قال كان الشيخ يتردد إلى قرية تريدم وكان لها مسجد صغير من قبلي القرية لا يسع الناس فخطر لي أن أبني مسجدا أكبر منه من شمالي القرية فقال لي الشيخ ونحن جلوس في المسجد يا محمد لم لا تبني مسجدا يكون أكبر من هذا فقلت له يا سيدي قد خطر لي هذا الأمر إن شاء الله تعالى فقال لا تبنه حتى توقفني على المكان الذي تريد أن تبني فيه فقلت نعم فلما أردت أن أبني جئت إليه فقلت له فقام معي وجئنا إلى المكان الذي خطر لي فقلت هذا المكان يا سيدي فرد كمه على أنفه وجعل يقول أف أف لا ينبغي أن يبنى هنا مسجد فإن هذا المكان مسخوط على أهله ومخسوف بهم فتركته ولم أبنه فلما كان بعد مدة احتجنا إلى استعمال لبن من ذلك المكان فلما كشفناه وجدناه كما قال الشيخ رضي الله عنه نواويس مقلبة على وجوهها والمكان إلى هذا التاريخ يعرف بقرية تريدم وحدثني الشيخ الصالح الناسك الورع علي بن سعيد المعروف بالزريزير قال أخذ علي الشيخ العهد وأنا شاب فخطر لي زيارة القدس فاستأذنته في ذلك فقال يا بني أنت شاب وأخشى عليك فألححت عليه فإذن لي وقال سأجعل سري عليك كالقفص الحديد وقال لي إذا قدمت قصير دمشق فادخل القرية واسأل عن الشيخ علي بن الجمل وزره فإنه من أولياء الله تعالى قال فلما دخلت القرية سألت عنه فدللت عليه فلما طرقت الباب خرج إلي بعض أهله وقال لي ادخل يا علي باسمي فإن الشيخ قد أوصى بك وقال يقدم عليكم فقير اسمه علي من أصحاب الشيخ أبي بكر بن قوام فأذنوا له بالدخول حتى أجيء قال فدخلت وجلست حتى جاء الشيخ فقمت وسلمت عليه فرحب بي وقال لي يا علي البارحة جاءني الشيخ وأوصاني بك وأيضا فلا بأس عليك فإن سر الشيخ عليك كالقفص الحديد فأقمت عنده ثم توجهت إلى القدس فلما وصلت إليه وجدت إنسانا خارج البلد وقد حمي الحر فسلمت عليه فرد علي السلام وقال يا بني أبطأت علي فإني من الغداة في هذا الموضع أنتظرك فخفت منه وخشيت أن يكون صاحب ريبة فقال لي يا علي لا تخف فإن الشيخ جاءني وأوصاني بك فسرت معه إلى منزله فوضع لي طعاما وقال كل فأكلت فلما جاء وقت الصلاة قال قم حتى نصلي في الحرم فقمنا ودخلنا الحرم وصلينا الصلوات الخمس وعدنا إلى المنزل فلما جاء الليل قام ولم يزل يصلي حتى طلع الفجر وكلما أحس بي مستقيضا جلس فإذا نمت قام فصلى فأقمت عنده أياما ثم توجهت رإلى زيارة الخليل فخرج معي وودعني فلما كنت قرب الخليل خرج علي أربعة نفر قطاع طريق فلما قربوا مني وإذا بهم قد بهتوا ونظروا إلى ورائي فنظرت فإذا شخص واقف وعليه ثياب بيض وهو ملثم فقال لي امض في طريقك فمضيت ولم يزل معي حتى أشرفت على الخليل ورأيت البلد ورأيته واقفا يدعو فدخلت البلد وزرت فلما عدت إلى بالس بدأت بالسلام على الشيخ فلما سلمت عليه أخبرني بجميع ما وقع لي في سفري وقال لولا ذلك الملثم لأخذ قطاع الطريق ثيابك فعلمت بأنه كان الشيخ رضي الله عنه قلت وهكذا ينبغي أن يكون الشيخ على المريد فإنه قد قيل الشيخ من جمعك في حضورك وحفظك في مغيبك وهذبك بأخلاقه وأدبك بإطراقه وأنار باطنك بإشراقه وسمعت والدي رحمه الله يقول كان من أصحاب الشيخ رجل يقال له الحاج مهدي كثير التردد إلى دمشق فقال له الشيخ يا حاج مهدي إذا قدمت دمشق فقف عند باب مسجد القصب وناد يا شيخ مظفر فسيجيبك فقل له الشيخ أبو بكر بن قوام يسلم عليك ويقول لك أنت من الأولياء الذين لا يعلمون بأنفسهم وأدركنا نحن الشيخ مظفرا وزرناه وكان كما قال الشيخ رضي الله عنه من أولياء الله تعالى وكان يقصد بالزيارة ورأيته ينتمي إلى الشيخ ويقول أنا من أصحابه فإنه أخبرني بحالي ولم يرني وحدثني الشيخ أبو المجد بن أبي الثناء قال كنت عند الشيخ وقد قدم عليه الشيخ نجم الدين البادرائي متوجها إلى بغداد وقد ولاه الخليفة القضاء فسمعته يقول للشيخ يا سيدي قد ولاني الخليفة قضاء بغداد وأنا كارهه فقال له طيب بها قلبك فإنك لا تحكم فيها وحدثه أشياء وسمعت الشيخ يقول له يا شيخ نجم الدين هذا إنسان صفته كذا وكذا من أعيان الناس وهو قريب من الملك الناصر خاطره متعلق بك وهو يشير إليك بخنصره فقال له صدقت يا سيدي هذا الشخص دفع إلي فص خاتم له قيمة وقال لي يكون عندك وديعة والله ما أعلم أحدا من خلق الله تعالى علم بهذا الفص حين دفعه إلي وقد حفظته في مزدوجتي من حذري عليه وكان كما قال الشيخ فإن الشيخ نجم الدين قدم بغداد ومات ولم يحكم بين اثنين وحدثني زكي الدين أبو بكر بن أيوب التكريتي قال كنت في السنة التي أخذت فيها بغداد مع عمي الحاج علي بياع في حلب وكان الشيخ في قرية علم فقال عمي وكان من أصحابه يا بني اذهب إلى الشيخ فسله عن أهلنا ومالنا وعن ولدي حسين وعن سفر بغداد وما كنت رأيت الشيخ قبل وكنت أحب أن أراه قال فخرجت إليه فلما رآني قال أنت أبو بكر بن أيوب فقلت نعم قال أرسلك عمك الحاج علي تسأل عن الأهل والمال وعن ولده حسين وعن السفر إلى بغداد أما الأهل فأسر البعض وسلم البعض وأما المال فإنه مدفون تحت عتبة باب الدار ولم أستثبت ما قال فيه وأما حسين فإنه أسر وسوف تجتمع به وفي جبينه أثر وقع وأما السفر إلى بغداد وقال لي أتعرف دار الشاطبية فقلت أعرفها لكن ما دختلها فقال في هذه الساعة قد أخرجوا التاتار منها بركة ذهب وهم يقتسمونه فأخرجت الدواة وكتبت اليوم والشهر والساعة التي أخبرني فيها قال أبو بكر وكنت شابا حسن الصورة وكان في حلب امرأة قد حصل لها في إرادة فظفرت بي يوما وراودتني عن نفسي فتمنعت عليها فعضتني في كتفي فأثرت فيه وبقيت أياما لا يعلم بها أحد إلا الله فلما أردت السفر من عنده خرج معي لوداعي فلما خلا بي قال ما هذه العضة التي في كتفك فاستحييت منه فقال تب ولا تعد لمثلها وسافرنا إلى بغداد فلما قدمنا سألت عن ذلك الذهب الذي أخذ من دار الشاطبية فدللت على إنسان كان حاضرا فجئت إليه وسألته فقال نعم كنت حاضرا وكتبت اليوم والشهر والساعة فقلت له أخرج لي دستورك فأخرجه وقابلته على دستور فوجدت التاريخ التاريخ لا يزيد عليه ولا ينقص عنه وحدثني الشيخ خزيمة بن نصر البلعرانى قال قدم علينا الشيخ فاجتمع الناس ليسلموا عليه وكنت فيهم وأنا شاب فسمعته يقول قد جاء الأموات يسلموا علي وفيهم شاب أشقر في يده سكين وعليه قميص ملطخ بالدم وهو يقول قتلت بهذه السكين أتعرفونه فسكت الجماعة ولم يجبه أحد منهم فقال مالكم كأنكم ما تعرفونه فقالوا نعم فقال هو يقول اسمي نصر فقلت أنا هو أبي يا سيدي قال صدقت وقال الجماعة كلهم هو أبوه يا سيدي الآن عرفنا فإن أباه قتل وهو شاب وقال أيضا فيهم شيخ طويل يقول أنا أعرف بابن الطحان مت منذ أربعمائة سنة فقال الجماعة عندنا أملاك تعرف بأملاك بني الطحان إلى الآن وسمعت الشيخ إبراهيم بن الشيخ أبي طالب البطائحي فقال قصدت زيارة الشيخ فصحبت في طريقي أقواما فتحدثوا في الخمر ومجالسته وآلته فلما دخلت على الشيخ قال ما هذه الحالة قلت ما هي يا سيدي قال بين يديك خمر وآلته فقلت يا سيدي صحبت أقواما فتحدثوا في الخمر فأثر علي ما قلت قال صدقت يا بني صاحب الأخيار وجانب الأشرار ما استطعت فإن صحبتهم عار في الدنيا والآخرة قلت هذا بعض ما ذكره جامع المناقب ثم عقد بعده فصولا لما كان عليه هذا الشيخ الجليل من المجاهدة والعمل الدائم ولفرائد كلامه وفوائده ولاطراحه للتكلف وتواضعه ورأفته ورقته ثم ذكر أنه توفي يوم الأحد سلخ رجب سنة ثمان وخمسين وستمائة بقرية يقال لها علم بالقرب من حلب ودفن هناك في تابوت لأجل النقلة فإنه أوصي بذلك وقال أنا لا بد أن أنقل إلى الأرض المقدسة وكان كما قال فإنه نقل بعد موته باثنتي عشرة سنة إلى جبل قاسيون ودفن بالزاوية المعروفة بهم وقد زرت قبره مرات
|