فصل: تفسير الآية رقم (186):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآية رقم (186):

{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)}
قوله: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي} يحتمل أن السؤال عن القرب والبعد كما يدل عليه قوله: {فَإِنّي قَرِيبٌ} ويحتمل أن السؤال عن إجابة الدعاء، كما يدل على ذلك قوله: {أُجِيبُ دَعْوَةَ الداع} ويحتمل أن السؤال عما هو أعمّ من ذلك، وهذا هو الظاهر، مع قطع النظر عن السبب الذي سيأتي بيانه. وقوله: {فَإِنّي قَرِيبٌ} قيل: بالإجابة. وقيل: بالعلم. وقيل: بالإنعام. وقيل في الكشاف: إنه تمثيل لحاله في سهولة إجابته لمن دعاه، وسرعة إنجاحه حاجة من سأله بمن قرب مكانه، فإذا دعى أسرعت تلبيته.
ومعنى الإجابة: هو معنى ما في قوله تعالى: {ادعونى أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] وقيل: معناه: أقبل عبادة من عبدني بالدعاء، لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من «أن الدعاء هو العبادة» كما أخرجه أبو داود، وغيره من حديث النعمان بن بشير، والظاهر أن الإجابة هنا هي باقية على معناها اللغوي؛ وكون الدعاء من العبادة لا يستلزم أن الإجابة هي: القبول للدّعاء: أي: جعله عبادة متقبلة، فالإجابة أمر آخر غير قبول هذه العبادة. والمراد: أنه سبحانه يجيب بما شاء، وكيف شاء، فقد يحصل المطلوب قريباً، وقد يحصل بعيداً، وقد يدفع عن الداعي من البلاء ما لا يعلمه بسبب دعائه، وهذا مقيد بعدم اعتداء الداعي في دعائه، كما في قوله سبحانه: {ادعوا ربكم تضرّعاً وخفية إنه لا يحب المعتدين} [الأعراف: 55] ومن الاعتداء أن يطلب ما لا يستحقه، ولا يصلح له، كمن يطلب منزلة في الجنة مساوية لمنزلة الأنبياء، أو فوقها. وقوله: {فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِى} أي: كما أجبتهم إذا دعوني، فليستجيبوا لي فيما دعوتهم إليه من الإيمان والطاعات، وقيل: معناه: أنهم يطلبون إجابة الله سبحانه لدعائهم باستجابتهم له: أي: القيام بما أمرهم به، والترك لما نهاهم عنه. والرشد خلاف الغيّ، رشد يرشد رَشَداً. ورُشداً. قال الهروي: الرُّشد، والرَّشَد، والرشاد: الهدى، والاستقامة. قال: ومنه هذه الآية.
وقد أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، وابن مردويه من طريق الصلب بن حكيم عن رجل من الأنصار عن أبيه عن جدّه؛ قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله أقريب ربنا، فنناجيه أم بعيد، فنناديه؟ فسكت النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، عن الحسن قال: سأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أين ربنا؟ فأنزل الله هذه الآية.
وأخرج ابن مردويه، عن أنس أنه سأل أعرابيّ النبي صلى الله عليه وسلم أين ربنا؟ فنزلت.
وأخرج ابن عساكر في تاريخه، عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تعجزوا عن الدعاء، فإن الله أنزل عليَّ» {ادعونى أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] فقال رجل: يا رسول الله ربنا يسمع الدعاء أم كيف ذلك، فأنزل الله هذه الآية.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن عطاء أنه بلغه لما نزلت: {ادعونى أَسْتَجِبْ لَكُمْ} قالوا: لو نعلم أيّ ساعة ندعو، فنزلت.
وقد ثبت في الصحيح من حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم، ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث خصال: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدّخر له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها» وثبت في الصحيح أيضاً من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يستجاب لأحدكم ما لم يَعْجَل، يقول دعوت، فلم يستجب لي».
وأخرج ابن أبي حاتم، عن أنس في قوله: {فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِى} قال: ليدعوني: {وَلْيُؤْمِنُواْ بِى} أي: أنهم إذا دعوني استجبت لهم.
وأخرج ابن جرير، عن مجاهد قال: {فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِى} أي: فليطيعوني.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، عن الربيع بن أنس في قوله: {لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} قال: يهتدون.

.تفسير الآية رقم (187):

{أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187)}
قوله: {أُحِلَّ لَكُمُ} فيه دلالة على أن هذا الذي أحله الله كان حراماً عليهم، وهكذا كان كما يفيده السبب لنزول الآية، وسيأتي. والرفث: كناية عن الجماع. قال الزجاج: الرفث كلمة جامعة لكل ما يريد الرجل من امرأته، وكذا قال الأزهري، ومنه قول الشاعر:
ويُرَيْنَ من أنْس الحَدِيثِ زَوَانياً ** وبهنَّ عَنْ رَفَث الرجالِ نِفَارُ

وقيل: الرفث: أصله قول الفحش، رفث وأرفث: إذا تكلم بالقبيح، وليس هو المراد هنا، وعدّى الرفث بإلى لتضمينه معنى الإمضاء. وجعل النساء لباساً للرجال؛ والرجال لباساً لهنّ لامتزاج كل واحد منهما بالآخر عند الجماع كالامتزاج الذي يكون بين الثوب، ولابسه. قال أبو عبيدة، وغيره: يقال للمرأة لباس، وفراش، وإزار. وقيل: إنما جل كل واحد منهما لباساً للآخر، لأنه يستره عند الجماع، عن أعين الناس.
وقوله: {تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ} أي: تخونونها بالمباشرة في ليالي الصوم، يقال خان، واختان بمعنى، وهما من الخيانة. قال القتيبي: أصل الخيانة أن يؤتمن الرجل على شيء، فلا يؤدي الأمانة فيه. انتهى. وإنما سماهم خائنين لأنفسهم؛ لأن ضرر ذلك عائد عليهم، وقوله: {فَتَابَ عَلَيْكُمْ} يحتمل معنيين: أحدهما قبول التوبة من خيانتهم لأنفسهم، والآخر التخفيف عنهم بالرخصة، والإباحة كقوله: {عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ} [المزمل: 20] يعني: تخفف عنكم، وكقوله: {فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مّنَ الله} [النساء: 92] يعني تخفيفاً، وهكذا قوله: {الضر عَنْكُمْ} يحتمل العفو من الذنب، ويحتمل التوسعة، والتسهيل. وقوله: {وابتغوا} قيل: هو الولد، أي: ابتغوا بمباشرة نسائكم حصول ما هو معظم المقصود من النكاح، وهو حصول النسل. وقيل: المراد: ابتغوا القرآن بما أبيح لكم فيه، قاله الزجاج وغير. وقيل: ابتغوا الرخصة، والتوسعة. وقيل: ابتغوا ما كتب لكم من الإماء، والزوجات. وقيل: غير ذلك مما لا يفيده النظم القرآني، ولا دل عليه دليل آخر. وقرأ الحسن البصري: {واتبعوا} بالعين المهملة من الإتباع. وقوله: {حتى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخيط الأبيض مِنَ الخيط الأسود مِنَ الفجر} هو: تشبيه بليغ، والمراد هنا بالخيط الأبيض هو: المعترض في الأفق، لا الذي هو كذَنَب السِّرْحان، فإنه الفجر الكذاب، الذي لا يحلّ شيئاً، ولا يحرمه. والمراد بالخيط الأسود: سواد الليل، والتبين: أن يمتاز أحدهما عن الآخر، وذلك لا يكون إلا عند دخول وقت الفجر. وقوله: {ثُمَّ أَتِمُّواْ الصيام إِلَى اليل} فيه التصريح بأن للصوم غاية هي الليل، فعند إقبال الليل من المشرق، وإدبار النهار من المغرب يفطر الصائم، ويحلّ له الأكل، والشرب وغيرهما. وقول: {وَلاَ تباشروهن وَأَنتُمْ عاكفون فِي المساجد} قيل: المراد: بالمباشرة هنا الجماع. وقيل: تشمل التقبيل، واللمس إذا كانا لشهوة لا إذا كانا لغير شهوة، فهما جائزان كما قاله عطاء، والشافعي، وابن المنذر، وغيرهم، وعلى هذا يحتمل ما حكاه ابن عبد البر من الإجماع على أن المعتكف لا يباشر، ولا يقبل، فتكون هذه الحكاية للإجماع مقيدة بأن يكونا لشهوة، والاعتكاف في اللغة: الملازمة، يقال عكف على الشيء: إذا لازمه، ومنه قول الشاعر:
وَظَلَّ بَنَاتُ اللَّيْلِ حَوْلي عُكَّفاً ** عُكُوفَ البَواكِي حَوْلَهُنَّ صَرِيع

ولما كان المعتكف يلازم المسجد قيل له: عاكف في المسجد، ومعتكف فيه؛ لأنه يحبس نفسه لهذه العبادة في المسجد، والاعتكاف في الشرع: ملازمة طاعة مخصوصة على شرط مخصوص.
وقد وقع الإجماع على أنه ليس بواجب، وعلى أنه لا يكون إلا في مسجد، وللاعتكاف أحكام مستوفاة في كتب الفقه، وشروح الحديث.
وقوله: {تِلْكَ حُدُودُ الله} أي: هذه الأحكام حدود الله، وأصل الحدّ: المنع، ومنه سمي البواب، والسجان: حداداً، وسميت الأوامر والنواهي حدود الله؛ لأنها تمنع أن يدخل فيها ما ليس منها، وأن يخرج عنها ما هو منها، ومن ذلك سميت الحدود حدوداً؛ لأنها تمنع أصحابها من العود. ومعنى النهي عن قربانها: النهي عن تعدّيها بالمخالفة لها، وقيل: إن حدود الله هي محارمه فقط، ومنها المباشرة من المعتكف، والإفطار في رمضان لغير عذر، وغير ذلك مما سبق النهي عنه، ومعنى النهي عن قربانها على هذا واضح. وقوله: {كذلك يُبَيّنُ الله آيَاتِهِ} أي: كما بين لكم هذه الحدود يبين لكم العلامات الهادية إلى الحق.
وقد أخرج البخاري، وأبو داود، والنسائي، وغيرهم عن البراء بن عازب؛ قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان الرجل صائماً، فحضر الإفطار، فنام قبل أن يفطر لم يأكل ليلته، ولا يومه حتى يمسي، وإن قيس بن صِرْمَة الأنصاري كان صائماً، فكان يومه ذلك يعمل في أرضه، فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال: هل عندك طعام؟ قالت لا، ولكن أنطلق، فأطلب لك، فغلبته عينه، فنام، وجاءت امرأته، فلما رأته نائماً قالت: خيبة لك أنمت؟ فلما انتصف النهار غُشِي عليه، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصيام} إلى قوله: {مِنَ الفجر} ففرحوا بها فرحاً شديداً.
وأخرج البخاري أيضاً من حديثه قال: لما نزل صوم شهر رمضان كانوا لا يقربون النساء رمضان كله، فكان رجال يخونون أنفسهم، فأنزل الله: {عَلِمَ الله أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ} الآية.
وقد روى في بيان سبب نزول هذه الآية أحاديث عن جماعة من الصحابة نحو ما قاله البراء.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس قال: كان الناس أوّل ما أسلموا إذا صام أحدهم يصوم يومه حتى إذا أمسى طعم من الطعام، ثم قال: وإن عمر بن الخطاب أتى امرأته، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول إني أعتذر إلى الله، وإليك من نفسي، وذكر ما وقع منه، فنزل قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصيام} الآية.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عنه قال: إن المسلمين كانوا في شهر رمضان، إذا صلوا العشاء حرم عليهم النساء، والطعام والشراب إلى مثلها من القابلة، ثم إن ناساً من المسلمين أصابوا النساء، والطعام في رمضان بعد العشاء، منهم عمر بن الخطاب، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصيام} الآية.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طرق، عن ابن عباس قال: الرفث الجماع.
وأخرج ابن المنذر، عن ابن عمر مثله.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر، والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال: الدخول، والتفشي، والإفضاء، والمباشرة، والرفث، واللمس، والمس هذا الجماع؛ غير أن الله حَيِي كريم يكني بما شاء عما شاء.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه عن ابن عباس، في قوله: {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ} قال: هنّ سكن لكم، وأنتم سكن لهنّ.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن مجاهد في قوله: {تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ} قال: تظلمون أنفسكم.
وأخرج ابن جرير، عن ابن عباس في قوله: {فالن باشروهن} قال: انكحوهنّ.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عنه في قوله: {وابتغوا مَا كَتَبَ الله لَكُمْ} قال: الولد.
وأخرج عبد بن حميد، عن مجاهد، وقتادة والضحاك مثله.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله تعالى: {وابتغوا مَا كَتَبَ الله لَكُمْ} قال: ليلة القدر.
وأخرج البخاري في تاريخه، عن أنس مثله.
وأخرج عبد الرزاق، عن قتادة قال: {وابتغوا} الرخصة التي كتب الله لكم.
وأخرج البخاري، ومسلم، وغيرهما، عن سهل بن سعد. قال: أنزلت: {وَكُلُواْ واشربوا حتى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخيط الأبيض مِنَ الخيط الأسود} ولم ينزل: {مِنَ الفجر} فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض، والخيط الأسود، فلا يزال يأكل، ويشرب حتى يتبين له رؤيتهما، فأنزل الله: {مِنَ الفجر} فعلموا أنه يعني الليل والنهار.
وفي الصحيحين، وغيرهما عن عديّ بن حاتم، أنه جعل تحت وساده خيطين أبيض وأسود، وجعل ينظر إليهما فلا يتبين له الأبيض من الأسود، فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره، فقال: «إن وسادك إذا لعريض، إنما ذلك بياض النهار من سواد الليل» وفي رواية في البخاري، وغيره. إنه قال له: «إنك لعريض القفا». وفي رواية عند ابن جرير، وابن أبي حاتم: أنه ضحك منه.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، عن الضحاك قال: كانوا يجامعون، وهم معتكفون حتى نزلت: {وَلاَ تباشروهن وَأَنتُمْ عاكفون فِي المساجد}.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، عن قتادة نحوه.
وأخرج ابن جرير، عن الربيع نحوه.
وأخرج ابن جرير، عن ابن عباس نحوه.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، عن ابن عباس قال: «إذا جامع المعتكف بطل اعتكافه ويستأنف».
وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله: {تِلْكَ حُدُودُ الله} قال: يعني طاعة الله.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن الضحاك قال: {حُدُودَ الله} معصية الله: يعني المباشرة في الاعتكاف.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن مقاتل أنها الجماع.
وأخرج أيضاً عن سعيد بن جبير في قوله: {كذلك} يعني: هكذا يبين الله.

.تفسير الآية رقم (188):

{وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188)}
هذا يعم جميع الأمة، وجميع الأموال، لا يخرج عن ذلك إلا ماورد دليل الشرع بأنه يجوز أخذه، فإنه مأخوذ بالحق لا بالباطل، ومأكول بالحل لا بالإثم، وإن كان صاحبه كارهاً كقضاء الدين إذا امتنع منه مَنْ هو عليه، وتسليم ما أوجبه الله من الزكاة ونحوها، ونفقة من أوجب الشرع نفقته. والحاصل أن ما لم يبح الشرع أخذه من مالكه، فهو مأكول بالباطل، وإن طابت به نفس مالكه: كمهر البغيّ، وحلوان الكاهن، وثمن الخمر. والباطل في اللغة: الذاهب الزائل.
وقوله: {وَتُدْلُواْ} مجزوم عطفاً على تأكلوا، فهو من جملة المنهي عنه، يقال أدلى الرجل بحجته، أو بالأمر الذي يرجو النجاح به تشبيهاً بالذي يرسل الدلو في البئر، يقال أدلى دلوه: أرسلها، والمعنى أنكم لا تجمعوا بين أكل الأموال بالباطل، وبين الإدلاء بها إلى الحكام بالحجج الباطلة، وفي هذه الآية دليل أن حكم الحاكم لا يحلل الحرام، ولا يحرم الحلال من غير فرق بين الأموال والفروج، فمن حكم له القاضي بشيء مستنداً في حكمه إلى شهادة زور أو يمين فجور، فلا يحلّ له أكله، فإن ذلك من أكل أموال الناس بالباطل، وهكذا إذا أرشى الحاكم، فحكم له بغير الحق، فإنه من أكل أموال الناس بالباطل. ولا خلاف بين أهل العلم ان حكم الحاكم لا يحلل الحرام، ولا يحرم الحلال.
وقد روى عن أبي حنيفة ما يخالف ذلك، وهو مردود لكتاب الله تعالى، ولسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما في حديث أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنكم تختصمون إليّ، ولعلّ بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه بشيء، فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار» وهو في الصحيحين، وغيرهما.
وقوله: {فَرِيقاً} أي: قطعة أو جزءاً أو طائفة، فعبر بالفريق عن ذلك، وأصل الفريق: القطة من الغنم تشذ عن معظمها. وقيل: في الكلام تقديم وتأخير والتقدير: لتأكلوا أموال فريق من الناس بالإثم، وسمي الظلم، والعدوان إثماً باعتبار تعلقه بفاعله. وقوله: {وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} أي: حال كونكم عالمين أن ذلك باطل ليس من الحق في شيء، وهذا أشدّ لعقابهم. وأعظم لجرمهم.
وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله: {وَلاَ تَأْكُلُواْ أموالكم} الآية، قال: هذا في الرجل يكون عليه مال، وليس عليه بينة، فيجحد المال ويخاصم إلى الحكام، وهو يعرف أن الحق عليه.
وروى سعيد بن منصور وعبد بن حميد، عن مجاهد قال: معناها: لا تخاصم وأنت تعلم أنك ظالم.
وأخرج ابن المنذر، عن قتادة نحوه.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن سعيد بن جبير؛ أن امْرَأ القيس بن عابس، وعيدان بن أشوع الحضرمي اختصما في أرض، وأراد امرؤ القيس أن يحلف، فنزلت: {وَلاَ تَأْكُلُواْ أموالكم} الآية.