الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (نسخة منقحة)
.فَصْلٌ: [الثَّانِي نَفَسٌ فِي حِينِ التَّجَلِّي]: قَالَ: وَالنَّفَسُ الثَّانِي: نَفَسٌ فِي حِينِ التَّجَلِّي، وَهُوَ نَفَسٌ شَاخِصٌ عَنْ مَقَامِ السُّرُورِ إِلَى رَوْحِ الْمُعَايَنَةِ، مَمْلُوءٌ مِنْ نُورِ الْوُجُودِ، وَهِيَ النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ شَاخِصٌ إِلَى مُنْقَطَعِ الْإِشَارَةِ.هَذَا النَّفَسُ أَعْلَى مِنَ الْأَوَّلِ، فَإِنَّ الْأَوَّلَ فِي حِينِ اسْتِتَارٍ وَظُلْمَةٍ، وَهَذَا نَفَسٌ فِي حَالِ تَجَلٍّ وَنُورِهِ، وَحِينَ التَّجَلِّي: هُوَ زَمَانُ حُصُولِ الْكَشْفِ، وَالتَّجَلِّي مُشْتَقٌّ مِنَ الْجِلْوَةِ، قِيلَ: وَحَقِيقَتُهُ إِشْرَاقُ نُورِ الْحَقِّ عَلَى قُلُوبِ الْمُرِيدِينَ.فَإِنْ أَرَادُوا إِشْرَاقَ نُورِ الذَّاتِ فَغَلَطٌ شَنِيعٌ مِنْهُمْ، وَلِهَذَا قَالَ: احْتَرِزْ مِنْهُمْ عَنْ ذَلِكَ إِشْرَاقُ نُورِ الصِّفَاتِ.فَإِنْ أَرَادُوا أَيْضًا إِشْرَاقَ نَفْسِ الصِّفَةِ فَغَلَطٌ كَذَلِكَ، فَإِنَّ التَّجَلِّيَ الذَّاتِيَّ وَالصِّفَاتِيَّ لَا يَقَعُ فِي هَذَا الْعَالَمِ، وَلَا تَثْبُتُ لَهُ الْقُوَى الْبَشَرِيَّةُ.وَالْحَقُّ أَنَّهُ إِشْرَاقُ نُورِ الْمَعْرِفَةِ وَالْإِيمَانِ، وَاسْتِغْرَاقُ الْقَلْبِ فِي شُهُودِ الذَّاتِ الْمُقَدَّسَةِ وَصِفَاتِهَا اسْتِغْرَاقًا عِلْمِيًّا، نَعَمْ هُوَ أَرْفَعُ مِنَ الْعِلْمِ الْمُجَرَّدِ لِأَسْبَابٍ.مِنْهَا: قُوَّتُهُ، فَإِنَّ الْمَعَارِفَ وَالْعُلُومَ تَتَفَاوَتُ.وَمِنْهَا: صَفَاءُ الْمَحَلِّ وَنَقَاؤُهُ مِنَ الْكَدَرِ الْمَانِعِ مِنْ ظُهُورِ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ فِيهِ.وَمِنْهَا: التَّجَرُّدُ عَنِ الْمَوَانِعِ وَالشَّوَاغِلِ.وَمِنْهَا: كَمَالُ الِالْتِفَاتِ وَالتَّحْدِيقِ نَحْوَ الْمَعْرُوفِ الْمَشْهُودِ.وَمِنْهَا: كَمَالُ الْأُنْسِ بِهِ وَالْقُرْبُ مِنْهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْبَابِ الَّتِي تُوجِبُ لِلْقَلْبِ شُهُودًا وَكَشْفًا وَرَاءَ مُجَرَّدِ الْعِلْمِ.قَوْلُهُ: وَهُوَ نَفَسٌ شَاخِصٌ عَنْ مَقَامِ السُّرُورِ؛ أَيْ: صَادِرٌ عَنْ مَقَامِ السُّرُورِ، وَالشُّخُوصُ الْخُرُوجُ، يُقَالُ: شَخَصَ فُلَانٌ إِلَى بَلَدِ كَذَا؛ إِذَا خَرَجَ إِلَيْهِ.وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ هَذَا النَّفَسَ صَدَرَ عَنْ سُرُورٍ وَفَرَحٍ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ صَدَرَ عَنْ ظُلْمَةٍ وَوَحْشَةٍ أَثَارَتْ حُزْنًا، فَهَذَا النَّفْسُ صَدَرَ عَنْ سَمَاعِ الْإِجَابَةِ الَّذِي يَمْحُو آثَارَ الْوَحْشَةِ.قَوْلُهُ: إِلَى رَوْحِ الْمُعَايَنَةِ هُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ، وَهُوَ النَّعِيمُ وَالرَّاحَةُ الَّتِي تَحْصُلُ بِالْمُعَايَنَةِ ضِدَّ الْأَلَمِ وَالْوَحْشَةِ الْحَاصِلَيْنِ فِي حِينِ الِاسْتِتَارِ، فَهَذَا النَّفَسُ مَصْدَرُهُ السُّرُورُ، وَنِهَايَتُهُ رَوْحُ الْمُعَايَنَةِ صَادِرًا عَنْ مَسَرَّةٍ، طَالِبًا الْمُعَايَنَةَ.وَأَصَحُّ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ كَلَامُ الشَّيْخِ، وَأَمْثَالُهُ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِقَامَةِ فِي الْمُعَايَنَةِ أَنَّهَا تَزَايُدُ الْعِلْمِ حَتَّى يَصِيرَ يَقِينًا، وَلَا يَصِلُ أَحَدٌ إِلَى عَيْنِ الْيَقِينِ فِي هَذِهِ الدَّارِ.وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ مَنْ خَالَفَ، فَالْغَلَطُ مِنْ لَوَازِمِ الطَّبِيعَةِ، وَالْعِلْمُ يُمَيِّزُ بَيْنَ الْغَلَطِ وَالصَّوَابِ.وَقَدْ أَشْعَرَ كَلَامُ الشَّيْخِ هَاهُنَا بِأَنَّ التَّجَلِّيَ دُونَ الْمُعَايَنَةِ، فَإِنَّ التَّجَلِّيَ قَدْ يَكُونُ مِنْ وَرَاءِ سِتْرٍ رَقِيقٍ وَحَاجِزٍ لَطِيفٍ، وَالْكَشْفُ وَالْعِيَانُ هُوَ الظُّهُورُ مِنْ غَيْرِ سِتْرٍ، فَإِذَا كَانَ مَسْرُورًا بِحَالِ التَّجَلِّي كَانَتْ أَنْفَاسُهُ مُتَعَلِّقَةً بِمَقَامِ الْمُعَايَنَةِ الَّذِي هُوَ فَوْقَ مَقَامِ التَّجَلِّي، وَلِهَذَا جَعَلَهُ شَاخِصًا إِلَيْهَا.قَوْلُهُ: مَمْلُوءٌ مِنْ نُورِ الْوُجُودِ يُرِيدُ: أَنَّ هَذَا النَّفَسَ مَمْلُوءٌ مِنْ نُورِ الْوُجُودِ، وَالْوُجُودُ عِنْدَهُ: هُوَ حَضْرَةُ الْجَمْعِ، فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: هَذَا النَّفَسُ مُنْصَبِغٌ مُكْتَسٍ بِنُورِ الْوُجُودِ، فَإِنَّ صَاحِبَهُ لَمَّا تَنَفَّسَ بِهِ كَانَ فِي مَقَامِ الْجَمْعِ وَالْوُجُودِ.قَوْلُهُ: شَاخِصٌ إِلَى مُنْقَطَعِ الْإِشَارَةِ لَمَّا كَانَ قَلْبُهُ مَمْلُوءًا مِنْ نُورِ الْوُجُودِ وَكَانَ شَاخِصًا إِلَى الْمُعَايَنَةِ مُسْتَفْرِغًا بِكُلِّيَّتِهِ فِي طَلَبِهَا، كَانَ شَاخِصًا إِلَى حَضْرَةِ الْجَمْعِ، الَّتِي هِيَ مُنْقَطَعُ الْإِشَارَةِ عِنْدَهُمْ، فَضْلًا عَنِ الْعِبَارَةِ، فَلَا إِشَارَةَ هُنَاكَ وَلَا عِبَارَةَ وَلَا رَسْمَ، بَلْ تَفْنَى الْإِشَارَاتُ وَتَعْجَزُ الْعِبَارَاتُ، وَتَضْمَحِلُّ الرُّسُومُ..فَصْلٌ: [الثَّالِثُ نَفَسٌ مُطَهَّرٌ بِمَاءِ الْقُدْسِ]: قَوْلُهُ: وَالنَّفَسُ الثَّالِثُ: نَفَسٌ مُطَهَّرٌ بِمَاءِ الْقُدْسِ، قَائِمٌ بِإِشَارَاتِ الْأَزَلِ، وَهُوَ النَّفَسُ الَّذِي يُسَمَّى بِصِدْقِ النُّورِ وَهِيَ النَّفْسُ الرَّاضِيَةُ الْمَرْضِيَّةُ.الْقُدْسُ: الطَّهَارَةُ، وَالتَّقْدِيسُ: التَّطْهِيرُ وَالتَّنْزِيهُ، وَمُرَادُهُ بِالْقُدْسِ هَاهُنَا: الشُّهُودُ الَّذِي يَفْنَى الْحَادِثُ الَّذِي لَمْ يَكُنْ، وَيَبْقَى الْقَدِيمُ الَّذِي لَمْ يَزَلْ، فَكَأَنَّ صِفَاتِ الْحُدُوثِ عِنْدَهُمْ: مِمَّا يُتَطَهَّرُ مِنْهَا بِالتَّجَلِّي الْمَذْكُورِ، فَالتَّجَلِّي يُطَهِّرُ الْعَبْدَ مِنْهَا، فَإِنَّهُ مَا دَامَ فِي الْحِجَابِ فَهُوَ بَاقٍ مَعَ إِنِّيَّتِهِ وَصِفَاتِهِ، فَإِذَا أَشْرَقَ عَلَيْهِ نُورُ التَّجَلِّي طَهَّرَهُ مِنْ صِفَاتِهِ وَشُهُودِهَا وَتَوْسِيطِهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَشْهُودِهِ الْحَقُّ.وَحَاصِلُ كَلَامِهِ: أَنَّ هَذَا النَّفَسَ صَادِرٌ عَنْ مُشَاهَدَةِ الْأَزَلِ الْمَاحِي لِلْحَوَادِثِ الْمُفْنِي لَهَا، فَهَذَا النَّفَسُ مُطَهَّرٌ بِالطُّهْرِ الْمُقَدَّسِ عَنْ كُلِّ غَيْرٍ، وَعَنْ مُلَاحَظَةِ كُلِّ مَقَامٍ، بَلْ هُوَ مُسْتَغْرِقٌ بِنُورِ الْحَقِّ، وَآثَارِ الْحَقِّ تَنْطِقُ عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ»، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَا كُنَّا نُبْعِدُ أَنَّ السَّكِينَةَ تَنْطِقُ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ. وَهَذَا نُطْقٌ غَيْرُ النُّطْقِ النَّفْسَانِيِّ الطَّبِيعِيِّ، وَلِهَذَا سُمِّيَ هَذَا النَّفَسُ بِصِدْقِ النُّورِ لِصِدْقِ شِدَّةِ تَعَلُّقِهِ بِالنُّورِ، وَمُلَازَمَتِهِ لَهُ.قَوْلُهُ: قَائِمٌ بِإِشَارَاتِ الْأَزَلِ أَيْ: هَذَا النَّفَسُ مُنَزَّهٌ مُطَهَّرٌ عَنْ إِشَارَاتِ الْحُدُوثِ، فَقَدْ تَرَحَّلَ عَنْهَا وَفَارَقَهَا إِلَى إِشَارَاتِ الْأَزَلِ، وَيَعْنِي بِإِشَارَاتِ الْأَزَلِ أَنَّهُ قَدْ فَنِيَ فِي عِيَانِهِ الَّذِي شَخَصَ إِلَيْهِ مَنْ لَمْ يَكُنْ وَبَقِيَ مَنْ لَمْ يَزَلْ، فَصَارَتْ أَنْفَاسُهُ مِنْ جُمْلَةِ إِشَارَاتِ الْأَزَلِ.وَلَمْ يُرِدِ الشَّيْخُ: أَنَّ أَنْفَاسَهُ تَنْقَلِبُ أَزَلِيَّةً، فَمَنْ هُوَ دُونَ الشَّيْخِ لَا يَتَوَهَّمُ هَذَا بَلْ أَنْفَاسُ الْخَلْقِ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَنْ لَمْ يَكُنْ، وَهَذَا نَفَسُهُ مُتَعَلِّقٌ بِمَنْ لَمْ يَزَلْ.وَبَعْدُ، فَلِلْمُلْحِدِ هَاهُنَا مَجَالٌ، لَكِنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ وَهْمٌ بَاطِلٌ وَخَيَالٌ.وَفِي قَوْلِهِ: يُسَمَّى بِصِدْقِ النُّورِ لَطِيفَةٌ، وَهِيَ أَنَّ السَّالِكَ يَلُوحُ لَهُ فِي سُلُوكِهِ النُّورُ مِرَارًا، ثُمَّ يَخْتَفِي عَنْهُ كَالْبَرْقِ يَلْمَعُ ثُمَّ يَخْتَفِي، فَإِذَا قَوِيَ ذَلِكَ النُّورُ وَدَامَ ظُهُورُهُ، صَارَ نُورًا صَادِقًا.قَوْلُهُ: فَالنَّفَسُ الْأَوَّلُ: لِلْعُيُونِ سِرَاجٌ. وَالثَّانِي: لِلْقَاصِدِ مِعْرَاجٌ. وَالثَّالِثُ: لِلْمُحَقِّقِ تَاجٌ.أَيِ: النَّفَسُ الْأَوَّلُ: سِرَاجٌ فِي ظُلْمَةِ السُّلُوكِ، لِتَعَلُّقِهِ بِالْعِلْمِ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَالْعِلْمُ سِرَاجٌ يُهْتَدَى بِهِ فِي طُرُقَاتِ الْقَصْدِ، وَيُوَضِّحُ مَسَالِكَهَا، وَيُبَيِّنُ مَرَاتِبَهَا، فَهُوَ سِرَاجٌ لِلْعُيُونِ.وَالنَّفَسُ الثَّانِي: لِلْقَاصِدِ مِعْرَاجٌ، فَإِنَّهُ أَعْلَى مِنَ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ نُورِ الْمَعْرِفَةِ الرَّافِعَةِ لِلْحِجَابِ.وَالنَّفَسُ الثَّالِثُ لِلْمُحَقِّقِ تَاجٌ؛ لِأَنَّهُ نَفَسٌ مُطَهَّرٌ مِنْ أَدْنَاسِ الْأَكْوَانِ، وَمُتَّصِلٌ بِالْكَائِنِ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، وَالْمُكَوِّنِ لِكُلِّ شَيْءٍ، وَالْكَائِنِ بَعْدَ كُلِّ شَيْءٍ، فَهَذَا تَاجٌ لِقَلْبِهِ بِمَنْزِلَةِ التَّاجِ عَلَى رَأْسِ الْمَلِكِ.وَالنَّفَسُ الْأَوَّلُ يُؤَمِّنُ السَّالِكَ مِنْ عَثْرَتِهِ، وَالثَّانِي يُوصِلُهُ إِلَى طِلْبَتِهِ، وَالثَّالِثُ: يَدُلُّهُ عَلَى عُلُوِّ مَرْتَبَتِهِ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ..فَصْلٌ: الْغُرْبَةِ: قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: بَابُ الْغُرْبَةِ وَالْغُرَبَاءُ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ حَقِيقَتُهُمْ وَصِفَاتُهُمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ}.اسْتِشْهَادُهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي هَذَا الْبَابِ يَدُلُّ عَلَى رُسُوخِهِ فِي الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ وَفَهْمِ الْقُرْآنِ، فَإِنَّ الْغُرَبَاءَ فِي الْعَالَمِ هُمْ أَهْلُ هَذِهِ الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْآيَةِ، وَهُمُ الَّذِينَ أَشَارَ إِلَيْهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: «بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ، قِيلَ: وَمَنِ الْغُرَبَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الَّذِينَ يُصْلِحُونَ إِذَا فَسَدَ النَّاسُ».وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو- مَوْلَى الْمُطَّلِبِ بْنِ حَنْطَبٍ-، عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ حَنْطَبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «طُوبَى لِلْغُرَبَاءِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَنِ الْغُرَبَاءُ؟ قَالَ: الَّذِينَ يَزِيدُونَ إِذَا نَقَصَ النَّاسُ».فَإِنْ كَانَ هَذَا الْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ مَحْفُوظًا- لَمْ يَنْقَلِبْ عَلَى الرَّاوِي لَفْظُهُ وَهُوَ: الَّذِينَ يَنْقُصُونَ إِذَا زَادَ النَّاسُ- فَمَعْنَاهُ: الَّذِينَ يَزِيدُونَ خَيْرًا وَإِيمَانًا وَتُقًى إِذَا نَقَصَ النَّاسُ مِنْ ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.وَفِي حَدِيثِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْإِسْلَامَ بَدَأَ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ، قِيلَ: وَمَنِ الْغُرَبَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: النُّزَّاعُ مِنَ الْقَبَائِلِ».وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ يَوْمٍ وَنَحْنُ عِنْدَهُ- طُوبَى لِلْغُرَبَاءِ، قِيلَ: وَمَنِ الْغُرَبَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَاسٌ صَالِحُونَ قَلِيلٌ فِي نَاسٍ كَثِيرٍ، مَنْ يَعْصِيهِمْ أَكْثَرُ مِمَّنْ يُطِيعُهُمْ.وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ جَمِيلٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ هُرْمُزَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ أَحَبَّ شَيْءٍ إِلَى اللَّهِ الْغُرَبَاءُ، قِيلَ: وَمَنِ الْغُرَبَاءُ؟ قَالَ: الْفَرَّارُونَ بِدِينِهِمْ، يَجْتَمِعُونَ إِلَى عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ قِيلَ: وَمَنِ الْغُرَبَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الَّذِينَ يُحْيُونَ سُنَّتِي وَيُعَلِّمُونَهَا النَّاسَ.وَقَالَ نَافِعٌ، عَنْ مَالِكٍ: دَخَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الْمَسْجِدَ، فَوَجَدَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ جَالِسًا إِلَى بَيْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَبْكِي، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا يُبْكِيكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ هَلَكَ أَخُوكَ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنَّ حَدِيثًا حَدَّثَنِيهِ حَبِيبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا فِي هَذَا الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: مَا هُوَ؟ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْأَخْفِياءَ الْأَحْفِيَاءَ الْأَتْقِيَاءَ الْأَبْرِيَاءَ الَّذِينَ إِذَا غَابُوا لَمْ يُفْتَقَدُوا، وَإِذَا حَضَرُوا لَمْ يُعْرَفُوا، قُلُوبُهُمْ مَصَابِيحُ الْهُدَى يَخْرُجُونَ مِنْ كُلِّ فِتْنَةٍ عَمْيَاءَ مُظْلِمَةٍ».فَهَؤُلَاءِ هُمُ الْغُرَبَاءُ الْمَمْدُوحُونَ الْمَغْبُوطُونَ، وَلِقِلَّتِهِمْ فِي النَّاسِ جِدًّا؛ سُمُّوا غُرَبَاءَ، فَإِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الصِّفَاتِ، فَأَهْلُ الْإِسْلَامِ فِي النَّاسِ غُرَبَاءُ، وَالْمُؤْمِنُونَ فِي أَهْلِ الْإِسْلَامِ غُرَبَاءُ، وَأَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْمُؤْمِنِينَ غُرَبَاءُ.وَأَهْلُ السُّنَّةِ- الَّذِينَ يُمَيِّزُونَهَا مِنَ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ- فَهُمْ غُرَبَاءُ، وَالدَّاعُونَ إِلَيْهَا الصَّابِرُونَ عَلَى أَذَى الْمُخَالِفِينَ هُمْ أَشَدُّ هَؤُلَاءِ غُرْبَةً، وَلَكِنَّ هَؤُلَاءِ هُمْ أَهْلُ اللَّهِ حَقًّا، فَلَا غُرْبَةَ عَلَيْهِمْ، وَإِنَّمَا غُرْبَتُهُمْ بَيْنَ الْأَكْثَرِينَ، الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمْ: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}، فَأُولَئِكَ هُمُ الْغُرَبَاءُ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَدِينِهِ، وَغُرْبَتُهُمْ هِيَ الْغُرْبَةُ الْمُوحِشَةُ، وَإِنْ كَانُوا هُمُ الْمَعْرُوفِينَ الْمُشَارُ إِلَيْهِمْ، كَمَا قِيلَ:وَلَمَّا خَرَجَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ هَارِبًا مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ انْتَهَى إِلَى مَدْيَنَ عَلَى الْحَالِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ، وَهُوَ وَحِيدٌ غَرِيبٌ خَائِفٌ جَائِعٌ، فَقَالَ: يَا رَبِّ وَحِيدٌ مَرِيضٌ غَرِيبٌ، فَقِيلَ لَهُ: يَا مُوسَى الْوَحِيدُ: مَنْ لَيْسَ لَهُ مِثْلِي أَنِيسٌ، وَالْمَرِيضُ: مَنْ لَيْسَ لَهُ مِثْلِي طَبِيبٌ، وَالْغَرِيبُ: مَنْ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ مُعَامَلَةٌ. .[أَنْوَاعُ الْغُرْبَةِ]: .[الْأَوَّلُ: غُرْبَةُ أَهْلِ اللَّهِ وَأَهْلِ سُنَةِ رَسُولِهِ بَيْنَ هَذَا الْخَلْقِ]: فَالْغُرْبَةُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: غُرْبَةُ أَهْلِ اللَّهِ وَأَهْلِ سُنَّةِ رَسُولِهِ بَيْنَ هَذَا الْخَلْقِ، وَهِيَ الْغُرْبَةُ الَّتِي مَدَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَهَا، وَأَخْبَرَ عَنِ الدِّينِ الَّذِي جَاءَ بِهِ: أَنَّهُ بَدَأَ غَرِيبًا وَأَنَّهُ سَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ وَأَنَّ أَهْلَهُ يَصِيرُونَ غُرَبَاءَ.وَهَذِهِ الْغُرْبَةُ قَدْ تَكُونُ فِي مَكَانٍ دُونَ مَكَانٍ، وَوَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ، وَبَيْنَ قَوْمٍ دُونَ قَوْمٍ، وَلَكِنَّ أَهْلَ هَذِهِ الْغُرْبَةِ هُمْ أَهْلُ اللَّهِ حَقًّا، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَأْوُوا إِلَى غَيْرِ اللَّهِ، وَلَمْ يَنْتَسِبُوا إِلَى غَيْرِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَدْعُوا إِلَى غَيْرِ مَا جَاءَ بِهِ، وَهُمُ الَّذِينَ فَارَقُوا النَّاسَ أَحْوَجَ مَا كَانُوا إِلَيْهِمْ، فَإِذَا انْطَلَقَ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ آلِهَتِهِمْ بَقُوا فِي مَكَانِهِمْ، فَيُقَالُ لَهُمْ: أَلَا تَنْطَلِقُونَ حَيْثُ انْطَلَقَ النَّاسُ؟ فَيَقُولُونَ: فَارَقْنَا النَّاسَ وَنَحْنُ أَحْوَجُ إِلَيْهِمْ مِنَّا الْيَوْمَ، وَإِنَّا نَنْتَظِرُ رَبَّنَا الَّذِي كُنَّا نَعْبُدُهُ.فَهَذِهِ الْغُرْبَةُ لَا وَحْشَةَ عَلَى صَاحِبِهَا، بَلْ وَآنَسُ مَا يَكُونُ إِذَا اسْتَوْحَشَ النَّاسُ، وَأَشَدُّ مَا تَكُونُ وَحْشَتُهُ إِذَا اسْتَأْنَسُوا، فَوَلِيُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا، وَإِنْ عَادَاهُ أَكْثَرُ النَّاسِ وَجَفَوْهُ.وَفِي حَدِيثِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «عَنِ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّ أَغْبَطَ أَوْلِيَائِي عِنْدِي: لَمُؤْمِنٌ خَفِيفُ الْحَاذِّ ذُو حَظٍّ مِنْ صَلَاتِهِ، أَحْسَنَ عِبَادَةَ رَبِّهِ، وَكَانَ رِزْقُهُ كَفَافًا، وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ غَامِضًا فِي النَّاسِ، لَا يُشَارُ إِلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ، وَصَبَرَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ، ثُمَّ حَلَّتْ مَنِيَّتُهُ، وَقَلَّ تُرَاثُهُ، وَقَلَّتْ بَوَاكِيهِ».وَمِنْ هَؤُلَاءِ الْغُرَبَاءِ: مَنْ ذَكَرَهُمْ أَنَسٌ فِي حَدِيثِهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رُبَّ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، ذِي طِمْرَيْنِ لَا يُؤْبَهُ لَهُ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ».وَفِي حَدِيثِ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ عَنْ مُلُوكِ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: كُلُّ ضَعِيفٍ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ لَا يُؤْبَهُ لَهُ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ» وَقَالَ الْحَسَنُ: الْمُؤْمِنُ فِي الدُّنْيَا كَالْغَرِيبِ لَا يَجْزَعُ مِنْ ذُلِّهَا، وَلَا يُنَافِسُ فِي عَزْلِهَا، لِلنَّاسِ حَالٌ وَلَهُ حَالٌ، النَّاسُ مِنْهُ فِي رَاحَةٍ وَهُوَ مِنْ نَفْسِهِ فِي تَعَبٍ.وَمِنْ صِفَاتِ هَؤُلَاءِ الْغُرَبَاءِ- الَّذِينَ غَبَطَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: التَّمَسُّكُ بِالسُّنَّةِ، إِذَا رَغِبَ عَنْهَا النَّاسُ، وَتَرْكُ مَا أَحْدَثُوهُ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَهُمْ وَتَجْرِيدُ التَّوْحِيدِ، وَإِنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ أَكْثَرُ النَّاسِ، وَتَرْكُ الِانْتِسَابِ إِلَى أَحَدٍ غَيْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، لَا شَيْخَ وَلَا طَرِيقَةَ وَلَا مَذْهَبَ وَلَا طَائِفَةَ، بَلْ هَؤُلَاءِ الْغُرَبَاءُ مُنْتَسِبُونَ إِلَى اللَّهِ بِالْعُبُودِيَّةِ لَهُ وَحْدَهُ، وَإِلَى رَسُولِهِ بِالِاتِّبَاعِ لِمَا جَاءَ بِهِ وَحْدَهُ، وَهَؤُلَاءِ هُمُ الْقَابِضُونَ عَلَى الْجَمْرِ حَقًّا، وَأَكْثَرُ النَّاسِ- بَلْ كُلُّهُمْ- لَائِمٌ لَهُمْ.فَلِغُرْبَتِهِمْ بَيْنَ هَذَا الْخَلْقِ: يَعُدُّونَهُمْ أَهْلَ شُذُوذٍ وَبِدْعَةٍ، وَمُفَارَقَةٍ لِلسَّوَادِ الْأَعْظَمِ.وَمَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هُمُ النُّزَّاعُ مِنَ الْقَبَائِلِ» أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بَعَثَ رَسُولَهُ وَأَهْلُ الْأَرْضِ عَلَى أَدْيَانٍ مُخْتَلِفَةٍ، فَهُمْ بَيْنَ عُبَّادِ أَوْثَانٍ وَنِيرَانٍ، وَعُبَّادِ صُوَرٍ وَصُلْبَانٍ، وَيَهُودٍ وَصَابِئَةٍ وَفَلَاسِفَةٍ، وَكَانَ الْإِسْلَامُ فِي أَوَّلِ ظُهُورِهِ غَرِيبًا، وَكَانَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ وَاسْتَجَابَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ غَرِيبًا فِي حَيِّهِ وَقَبِيلَتِهِ وَأَهْلِهِ وَعَشِيرَتِهِ.فَكَانَ الْمُسْتَجِيبُونَ لِدَعْوَةِ الْإِسْلَامِ نُزَّاعًا مِنَ الْقَبَائِلِ، بَلْ آحَادًا مِنْهُمْ تَغَرَّبُوا عَنْ قَبَائِلِهِمْ وَعَشَائِرِهِمْ، وَدَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ، فَكَانُوا هُمُ الْغُرَبَاءُ حَقًّا، حَتَّى ظَهَرَ الْإِسْلَامُ وَانْتَشَرَتْ دَعْوَتُهُ وَدَخَلَ النَّاسُ فِيهِ أَفْوَاجًا، فَزَالَتْ تِلْكَ الْغُرْبَةُ عَنْهُمْ، ثُمَّ أَخَذَ فِي الِاغْتِرَابِ وَالتَّرَحُّلِ، حَتَّى عَادَ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ، بَلِ الْإِسْلَامُ الْحَقُّ- الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ- هُوَ الْيَوْمَ أَشَدُّ غُرْبَةً مِنْهُ فِي أَوَّلِ ظُهُورِهِ، وَإِنْ كَانَتْ أَعْلَامُهُ وَرُسُومُهُ الظَّاهِرَةُ مَشْهُورَةٌ مَعْرُوفَةٌ، فَالْإِسْلَامُ الْحَقِيقِيُّ غَرِيبٌ جِدًّا، وَأَهْلُهُ غُرَبَاءُ أَشَدُّ الْغُرْبَةِ بَيْنَ النَّاسِ.وَكَيْفَ لَا تَكُونُ فِرْقَةٌ وَاحِدَةٌ قَلِيلَةٌ جِدًّا غَرِيبَةً بَيْنَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، ذَاتَ أَتْبَاعٍ وَرِئَاسَاتٍ وَمَنَاصِبَ وَوِلَايَاتٍ، وَلَا يَقُومُ لَهَا سُوقٌ إِلَّا بِمُخَالَفَةِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَإِنَّ نَفْسَ مَا جَاءَ بِهِ يُضَادُّ أَهْوَاءَهُمْ وَلَذَّاتِهِمْ، وَمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الشُّبْهَاتِ وَالْبِدَعِ الَّتِي هِيَ مُنْتَهَى فَضِيلَتِهِمْ وَعَمَلِهِمْ، وَالشَّهَوَاتِ الَّتِي هِيَ غَايَاتُ مَقَاصِدِهِمْ وَإِرَادَاتِهِمْ؟فَكَيْفَ لَا يَكُونُ الْمُؤْمِنُ السَّائِرُ إِلَى اللَّهِ عَلَى طَرِيقِ الْمُتَابَعَةِ غَرِيبًا بَيْنَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَدِ اتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ، وَأَطَاعُوا شُحَّهُمْ، وَأُعْجِبَ كُلٌّ مِنْهُمْ بِرَأْيِهِ؟ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مُرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ، حَتَّى إِذَا رَأَيْتُمْ شُحًّا مُطَاعًا وَهَوًى مُتَّبَعًا وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ، وَرَأَيْتَ أَمْرًا لَا يَدَ لَكَ بِهِ، فَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ، وَإِيَّاكَ وَعَوَامَّهُمْ، فَإِنَّ وَرَاءَكُمْ أَيَّامًا صَبْرُ الصَّابِرِ فِيهِنَّ كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ».وَلِهَذَا جُعِلَ لِلْمُسْلِمِ الصَّادِقِ فِي هَذَا الْوَقْتِ- إِذَا تَمَسَّكَ بِدِينِهِ-: أَجْرُ خَمْسِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ- مِنْ حَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ- قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} فَقَالَ: بَلِ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ، وَتَنَاهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ، حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحَّا مُطَاعًا، وَهَوًى مُتَّبَعًا، وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ، فَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكِ وَدَعْ عَنْكَ الْعَوَامَّ، فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ؛ الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ قَبْضٍ عَلَى الْجَمْرِ، لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ أَجْرُ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِهِ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْهُمْ؟ قَالَ: أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ. وَهَذَا الْأَجْرُ الْعَظِيمُ إِنَّمَا هُوَ لِغُرْبَتِهِ بَيْنَ النَّاسِ، وَالتَّمَسُّكِ بِالسُّنَّةِ بَيْنَ ظُلُمَاتِ أَهْوَائِهِمْ وَآرَائِهِمْ.فَإِذَا أَرَادَ الْمُؤْمِنُ الَّذِي قَدْ رَزَقَهُ اللَّهُ بَصِيرَةً فِي دِينِهِ، وَفِقْهًا فِي سُنَّةِ رَسُولِهِ، وَفَهْمًا فِي كِتَابِهِ، وَأَرَاهُ مَا النَّاسُ فِيهِ مِنَ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ وَالضَّلَالَاتِ وَتَنَكُّبِهِمْ عَنِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْلُكَ هَذَا الصِّرَاطَ فَلْيُوَطِّنْ نَفْسَهُ عَلَى قَدْحِ الْجُهَّالِ وَأَهْلِ الْبِدَعِ فِيهِ، وَطَعْنِهِمْ عَلَيْهِ، وَإِزْرَائِهِمْ بِهِ وَتَنْفِيرِ النَّاسِ عَنْهُ وَتَحْذِيرِهِمْ مِنْهُ، كَمَا كَانَ سَلَفُهُمْ مِنَ الْكُفَّارِ يَفْعَلُونَ مَعَ مَتْبُوعِهِ وَإِمَامِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَّا إِنْ دَعَاهُمْ إِلَى ذَلِكَ، وَقَدَحَ فِيمَا هُمْ عَلَيْهِ: فَهُنَالِكَ تَقُومُ قِيَامَتُهُمْ وَيَبْغُونَ لَهُ الْغَوَائِلَ وَيَنْصِبُونَ لَهُ الْحَبَائِلَ وَيَجْلِبُونَ عَلَيْهِ بِخَيْلِ كَبِيرِهِمْ وَرِجْلِهِ.فَهُوَ غَرِيبٌ فِي دِينِهِ لِفَسَادِ أَدْيَانِهِمْ، غَرِيبٌ فِي تَمَسُّكِهِ بِالسُّنَّةِ لِتَمَسُّكِهِمْ بِالْبِدَعِ، غَرِيبٌ فِي اعْتِقَادِهِ لِفَسَادِ عَقَائِدِهِمْ، غَرِيبٌ فِي صِلَاتِهِ لِسُوءِ صِلَاتِهِمْ، غَرِيبٌ فِي طَرِيقِهِ لِضَلَالِ وَفَسَادِ طُرُقِهِمْ، غَرِيبٌ فِي نِسْبَتِهِ لِمُخَالَفَةِ نَسَبِهِمْ، غَرِيبٌ فِي مُعَاشَرَتِهِ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُ يُعَاشِرُهُمْ عَلَى مَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ.وَبِالْجُمْلَةِ: فَهُوَ غَرِيبٌ فِي أُمُورِ دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ لَا يَجِدُ مِنَ الْعَامَّةِ مُسَاعِدًا وَلَا مُعِينًا فَهُوَ عَالِمٌ بَيْنَ جُهَّالٍ، صَاحِبُ سُنَّةٍ بَيْنَ أَهْلِ بِدَعٍ، دَاعٍ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ بَيْنَ دُعَاةٍ إِلَى الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ، آمِرٌ بِالْمَعْرُوفِ نَاهٍ عَنِ الْمُنْكَرِ بَيْنَ قَوْمٍ الْمَعْرُوفُ لَدَيْهِمْ مُنْكَرٌ وَالْمُنْكَرُ مَعْرُوفٌ..فَصْلٌ: [الثَّانِي غُرْبَةُ أَهْلِ الْبَاطِلِ]: النَّوْعُ الثَّانِي مِنَ الْغُرْبَةِ غُرْبَةٌ مَذْمُومَةٌ وَهِيَ غُرْبَةُ أَهْلِ الْبَاطِلِ وَأَهْلِ الْفُجُورِ بَيْنَ أَهْلِ الْحَقِّ، فَهِيَ غُرْبَةٌ بَيْنَ حِزْبِ اللَّهِ الْمُفْلِحِينَ وَإِنْ كَثُرَ أَهْلُهَا فَهُمْ غُرَبَاءُ عَلَى كَثْرَةِ أَصْحَابِهِمْ وَأَشْيَاعِهِمْ، أَهْلُ وَحْشَةٍ عَلَى كَثْرَةِ مُؤْنِسِهِمْ، يُعْرَفُونَ فِي أَهْلِ الْأَرْضِ، وَيَخْفَوْنَ عَلَى أَهْلِ السَّمَاءِ..فَصْلٌ: [الثَّالِثُ غُرْبَةٌ مُشْتَرَكَةٌ لَا تُحْمَدُ وَلَا تُذَمُّ]: النَّوْعُ الثَّالِثُ: غُرْبَةٌ مُشْتَرَكَةٌ لَا تُحْمَدُ وَلَا تُذَمُّ.وَهِيَ الْغُرْبَةُ عَنِ الْوَطَنِ الْأَوَّلِ جَنَّةِ الْخُلْدِ؛ فَإِنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ فِي هَذِهِ الدَّارِ غُرَبَاءُ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ لَهُمْ بِدَارِ مَقَامٍ، وَلَا هِيَ الدَّارُ الَّتِي خُلِقُوا لَهَا، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ». وَهَكَذَا هُوَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ؛ لِأَنَّهُ أُمِرَ أَنْ يُطَالِعَ ذَلِكَ بِقَلْبِهِ وَيَعْرِفَهُ حَقَّ الْمَعْرِفَةِ، وَلِي مِنْ أَبْيَاتٍ فِي هَذَا الْمَعْنَى:وَكَيْفَ لَا يَكُونُ الْعَبْدُ فِي هَذِهِ الدَّارِ غَرِيبًا، وَهُوَ عَلَى جَنَاحِ سَفَرٍ، لَا يَحِلُّ عَنْ رَاحِلَتِهِ إِلَّا بَيْنَ أَهْلِ الْقُبُورِ؟ فَهُوَ مُسَافِرٌ فِي صُورَةِ قَاعِدٍ، وَقَدْ قِيلَ: .فَصْلٌ: [دَرَجَاتُ الِاغْتِرَابِ]: .[الدَّرَجَةُ الْأُولَى: الْغُرْبَةُ عَنِ الْأَوْطَانِ]: قَالَ صَاحِبُ الْمَنَازِلِ:الِاغْتِرَابُ: أَمْرٌ يُشَارُ بِهِ إِلَى الِانْفِرَادِ عَنِ الْأَكْفَاءِ.يُرِيدُ: أَنَّ كُلَّ مَنِ انْفَرَدَ بِوَصْفٍ شَرِيفٍ دُونَ أَبْنَاءِ جِنْسِهِ، فَإِنَّهُ غَرِيبٌ بَيْنَهُمْ؛ لِعَدَمِ مُشَارِكِهِ أَوْ لِقِلَّتِهِ.قَالَ: وَهُوَ عَلَى ثَلَاثِ دَرَجَاتٍ؛ الدَّرَجَةُ الْأُولَى: الْغُرْبَةُ عَنِ الْأَوْطَانِ، فِي الدُّنْيَا وَهَذَا الْغَرِيبُ مَوْتُهُ شَهَادَةٌ، وَيُقَاسُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مِنْ مَدْفَنِهِ إِلَى وَطَنِهِ، وَيُجْمَعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ.لَمَّا كَانَتِ الْغُرْبَةُ هِيَ انْفِرَادٌ، وَالِانْفِرَادُ إِمَّا بِالْجِسْمِ وَإِمَّا بِالْقَصْدِ وَالْحَالِ وَإِمَّا بِهِمَا- كَانَ الْغَرِيبُ غَرِيبَ جِسْمٍ، أَوْ غَرِيبَ قَلْبٍ وَإِرَادَةٍ وَحَالٍ، أَوْ غَرِيبًا بِالِاعْتِبَارَيْنِ.قَوْلُهُ: وَهَذَا الْغَرِيبُ مَوْتُهُ شَهَادَةٌ يُشِيرُ بِهِ إِلَى الْحَدِيثِ الَّذِي يُرْوَى عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَوْتُ الْغَرِيبِ شَهَادَةٌ» وَلَكِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَا يَثْبُتُ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ لَا يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ.وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَيُقَاسُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مِنْ مَدْفَنِهِ إِلَى وَطَنِهِ فَيُشِيرُ بِهِ إِلَى مَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ: حَدَّثَنِي حُيَيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَجَلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: تُوفِّيَ رَجُلٌ بِالْمَدِينَةِ- مِمَّنْ وُلِدَ بِالْمَدِينَةِ- فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: لَيْتَهُ مَاتَ فِي غَيْرِ مَوْلِدِهِ فَقَالَ رَجُلٌ: وَلِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا مَاتَ قِيسَ لَهُ مِنْ مَوْلِدِهِ إِلَى مُنْقَطَعِ أَثَرِهِ فِي الْجَنَّةِ رَوَاهُ ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ حُيَيٍّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَقَالَ: وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَبْرِ رَجُلٍ بِالْمَدِينَةِ، فَقَالَ: «يَا لَهُ لَوْ مَاتَ غَرِيبًا»، فَقِيلَ: وَمَا لِلْغَرِيبِ يَمُوتُ بِغَيْرِ أَرْضِهِ؟ فَقَالَ: «مَا مِنْ غَرِيبٍ يَمُوتُ بِغَيْرِ أَرْضِهِ، إِلَّا قِيسَ لَهُ مِنْ تُرْبَتِهِ إِلَى مَوْلِدِهِ فِي الْجَنَّةِ».قَوْلُهُ: وَيُجْمَعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، يُشِيرُ إِلَى الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ جَمِيلٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَوْسٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ هُرْمُزَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَحَبُّ شَيْءٍ إِلَى اللَّهِ الْغُرَبَاءُ. قِيلَ: وَمَا الْغُرَبَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الْفَرَّارُونَ بِدِينِهِمْ يَجْتَمِعُونَ إِلَى عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
|